تاريخ البث والتشفير في المونديال

 

 

كووورة: قبل بداية كل مونديال، يتأهب العالم للمتعة التي ينتظر قدومها كل 4 أعوام، وتسري موجة من الترقب وأحاسيس التلهف لرؤية نجوم الكرة العالمية في تنافس هو الأعلى والأغلى على كوكب الأرض.
 

لكن يصاحب هذه الأحاسيس الكروية المنعشة شعور بالأرق والقلق لدى محبي كرة القدم بسبب عدم سهولة مشاهدة البطولة كما يحلو لهم لأن نظام التشفير المتبع في القنوات الناقلة لهذا الحدث الهام قد أجبر المشاهد على دفع مبالغ طائلة للاشتراك في القناة وإلا فلن يشاهد مباريات المونديال، أو يضطر لترك منزله والالتزام بمقعد في أحد المقاهي ودفع مبلغ باهظ نظير مشاهدة مباراة واحدة وتحمل ضوضاء المتواجدين.
 
ولكن ما سبب نكبة المشاهد بالتشفير وهو الذي كان قبل عقدين يشاهد كأس العالم في بيته وهو مرتاح وبدون دفع أية أموال؟
 
بداية، توجه الاتحاد الدولي لكرة القدم نحو بيع حقوق بث البطولة تليفزيونياً لجهة واحدة محتكرة الحقوق منذ بطولة كأس العالم 1998 في فرنسا، ولكن المشاهد العربي لم يشعر بهذه المشكلة وقتها لأن اتحاد الاذاعات والتليفزيونات العربية كان متعاقداً مع الفيفا على حقوق بث البطولة لمدة 20 عاماً بدءاً من بطولة 1978 وحتى بطولة 1998. وبدأت معاناة الشعب مع التشفير في مونديال 2002 بعدما احتكرته وقتها شبكة ART ثم باعت حقوق بث بطولة 2010 لقنوات الجزيرة الرياضية والتي ما لبثت أن سارت على نفس الدرب في تلك البطولة وحتى البطولة القادمة في البرازيل 2014.
 
ولكن كيف كان التحول لدى الفيفا من فكر نشر اللعبة وتمتع المشاهدين بفنون اللعبة إلى فكرة ادفع من أجل أن تشاهد؟
كانت بداية حكاية البث التليفزيوني مع الفيفا في بطولات كأس العالم عام 1954 في سويسرا، حيث تم نقل مباريات المونديال إلى 7 دول هي إنجلترا وفرنسا وألمانيا الغربية وبلجيكا والدنمارك وهولندا وسويسرا، وبعد عامين وبالتحديد في عام 1960 عرف العالم مفهوم حقوق البث التليفزيوني، حيث دخلت مباراة ريال مدريد وانتراخت في نهائي دوري الأبطال الأوروبي التاريخ حين تم دفع مبلغ 8 آلاف جنيه استرليني مقابل بثها على شاشات التليفزيون.
 
وفي كأس العالم السادسة التي استضافتها تشيلي عام 1962، أخذت علاقة كرة القدم بالتليفزيون شكلاً آخر، فقد ظهرت أحداث المباريات مسجلة على أفلام ليتم بثها على شاشات التليفزيون الأوروبية باعتبار أن تقنية نقل الصورة عبر الفضائيات لم تكن قد ظهرت بعد. وفي مونديال إنجلترا عام 1966، قدم العلم أجهزة تسجيل الفيديو وظهرت تقنية الإعادة التي لم تكن معروفة من قبل. وبعد 4 سنوات حدثت النقلة الكبرى حيث بثت وللمرة الأولى مباريات المونديال من المكسيك عبر الأقمار الاصطناعية وعلى الهواء مباشرة.
 
بعد ذلك بدأ الفيفا خطوة جديدة وهي بيع حق بث البطولة تليفزيونياً بمبالغ يحددها، وكانت البداية في بطولة الأرجنتين 1978 حيث كان السعر 34 مليون دولار لكل العالم، ثم في إسبانيا 1982 أصبح 40 مليون دولار، وفي المكسيك 1986 أصبح 50 مليون دولار، وفي إيطاليا 90 أصبح 75 مليون دولار، وفي أميركا 94 أصبح 87 مليون دولار، بعد ذلك في فرنسا 98 أصبح 107 مليون دولار لكل العالم، ثم في بداية عصر الاحتكار في بطولة 2002 وظهور شركة اشترت الحقوق لكل العالم، بدأ البيع للقنوات الرياضية المشفرة التي اشترته من الفيفا بمبلغ ضخم للغاية وقتها بلغ مليار دولار!
 
ثم حدثت مشكلة ضخمة في العالم بسبب حقوق البث ولكنها كانت المشكلة التي فتحت أعين الفيفا على الكنز المسمى بحقوق البث واحتكارها وتشفيرها في المونديال، وهذه المشكلة هي الانهيار الكبير لمالك الحقوق الحصرية لبيع حقوق البث وهي المؤسسة الأوروبية (كيرشن) في 2002، وقبلها كذلك انهيار وكيل الإعلانات والتسويق (isl) إذ جعلا الفيفا يقود أمور بيع حقوق البث والتسويق والإعلانات بنفسه دون الحاجة لوكلاء أو لمؤسسات تحتكر حقوق البث لنفسها بداية من بطولة 2006 في ألمانيا.
 
في تلك بطولة، بلغت قيمة حقوق البث التليفزيوني التي باعها الفيفا لشركة (انفرونت) عقب انتهاء مونديال 2002 مباشرة مليار و185 مليون دولار، ولكن حطمت حقوق بث مباريات مونديال 2010 في جنوب أفريقيا الأرقام القياسية حيث وصلت إلى ما يقارب ثلاثة مليارات دولار وهي أكثر من ضعف عوائد مونديال 2006، بينما بلغت حقوق البث لمونديال البرازيل 2014 الحالي مبلغ يقارب لأربعة مليارات دولار.
 
وتأتي هذه الأرقام الفلكية لعائدات البث كنتيجة منطقية لتزايد الإقبال على مشاهدة مباريات كأس العالم، حيث بلغ عدد من شاهدوا مباريات مونديال إيطاليا 1990 ما يقارب 26,7 مليار العدد الاجمالي (أي مجموع عدد المشاهدين، فلو شاهد أحدهم 20 مباراة في البطولة يتم اعتباره 20 شخصاً وليس شخص واحد فقط) وهو ما يوازي ضعف العدد الذي شاهد مونديال المكسيك 1986 وفي مونديال 1994 في أميركا بلغ عدد رؤية المباريات الاجمالي 32,1 مليار، وشاهد مونديال فرنسا 1998 33,4 مليار وفي مونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان كانت المرة الأولى في التاريخ التي تتابع فيها 213 دولة المباريات، أي جميع دول العالم تقريباً، ووصل إجمالي ساعات بث مباريات المونديال الأخير 41,100 ساعة بزيادة 32% عن مونديال فرنسا.
 
وتم بيع حقوق بث مباريات المونديال القادم في البرازيل 2014 إلى عدة شركات حول العالم، ففي بريطانيا نجحت هيئة الـ BBC و ITV في الحصول على حقوق البث بالإضافة إلى TVE في إسبانيا و TFIفي فرنسا وZDF  وARD  في ألمانيا و SKYفي إيطاليا والهيئة النيجيريةBON  في أفريقيا، وفي الشرق الأوسط نالت BeIN Sport حقوق احتكار بث مباريات البطولة.