النفط والمستقبل الكوردستاني

بداية لابد من القول إن إستخراج النفط وتصديره وبيعه من قبل حكومة إقليم كوردستان (الآن) يعني القبول ببعض المكاسب المحدودة التي لاتقارن الخسائر التي لحقت بالكوردستانيين طوال عقود عديدة من إستخراج نفط كركوك الكوردستانية، وبيعه من قبل الحكومات العراقية المتتالية، واستغلال عائداته في شراء الأسلحة والطائرات التي كانت تستعمل لإبادة الشعب الكوردي والنيل من طموحاته المشروعة.

ولابد من القول إن العراقيين المختلفين في غالبية الأمور يشتركون في قناعة واحدة مفادها ان السياسات الخاطئة للحكومة العراقية الحالية أغرقت المجتمع في مشكلات لا آخر لها، وان التدني الحاد لمستوى المعيشة والحياة سوف يستمر بسبب العواصف التي تهب بفضل الحلول العرجاء التي تطرح للمشكلات التي نعاني منها منذ سنوات، وإن أحدى أهم مشكلات الحكومة العراقية الحالية أنها لا تحاول تنسيق رؤاها وخبراتها وبرامجها في إطار مشترك بدعوى الخصوصية وتباين الاحتياجات المذهبية والقومية، لذلك نراها منكفئة على ذاتها ومنغمسة في همومها ومشكلاتها الداخلية والخارجية معاً، وتنسج على منوال احتياجاتها الآنية وخصوصية البعض، سياساتها التي قد لا تتوافق بالضرورة مع نظرة ومصلحة الآخرين، وتتناقض مع خصوصيات الواقع الجغرافي العراقي ومتطلباته، وتعيش غالباً في حالات منعزلة في الرؤية والقرار، ولا تعرف أن مقتضيات الحكمة السياسية والمصلحة العامة تكمن في توحيد الأهداف في عموم البلاد، رغم أن الظروف لا تتشابه بالضرورة في التفاصيل والمعطيات.



وأي إستقراء لملامح وتجليات السلوك السياسي لهذه الحكومة يؤشر إلى حال الفزع والهواجس والقلق مما يترك الآثار السلبية على طبيعة محاولة معالجاتها السياسية لتقلبات الأزمات، و يؤشر عمق اللاوعي السياسي واللانضج الفكري الذي يحاول أن يحافظ على مصلحة فئة معينة على حساب المصالح الكبيرة والاعتبارات الواسعة. والقرارالخاطىء للمالكي بقطع رواتب موظفي الاقليم، والذي جاء في ذروة التصعيد الانتخابي، وزيادة شروطه التعجيزية أثناء الجولات التفاوضية، دفعت قيادة الاقليم الى التصرف بورقة النفط واستغلال الثروات الطبيعية لسد النقص الحاصل في الميزانية، وبدأت بتصدير النفط الكوردستاني الخام عبر ميناء جيهان التركي، كرد فعل اضطراري، وفي الـ 22 من هذا الشهر تحركت اول ناقلة محملة بالنفط الكوردستاني باتجاه اوربا، وبعد إعلان إقليم كوردستان بيع النفط المستخرج من أراضيه في الأسواق العالمية والتصرف بموارده وفق الدستور، والتصعيد الذي يلاحظ من جانب حكام بغداد تجاه هذا الموضوع، وفشلهم في إدارة الملفات والأزمات السياسية والأمنية والإقتصادية الطاحنة، وبعد أن إستوعب العراقيون إنهم على أعتاب مرحلة جديدة، وفي ظل المعطيات والمستجدات، وأمام المآزق الإستراتيجية والتاريخية التي لم يعشها العراقيون من قبل، وعدم تمكنهم بلورة رؤية مشتركة تجاه الواقع الخطير الذي يعيشونه، وإنسداد الأفق أمامهم على المستويات كافة، وسقوط التحالفات السياسية الأساسية السابقة بين الأقطاب، وإنكشاف مراهناتهم وحساباتهم التي تكاد أن تطبق الخناق على التفاصيل الاساسية لحياة المواطنين، ووسط تفهم الأغلبية الساحقة من الشعب، وبأقل قدر من الإعتراض الرسمي والشعبي، هناك تفكير بشأن مستقبل العلاقة بين الكورد وحكومة العراق وإمكانية وضع نهاية لها، في حال عدم إعتبار الكورد شركاء حقيقيين، والتفكير يضغط على أعصاب المواطنين ودوائر صنع القرار معاً مرتبطاً بجدل حول الإتجاه الأنجح لتحقيق المرجو والخيار الأنجع والأقل كلفة ، والسيرعليه لتحقيق الأهداف المرجوة.