كوكب اسمه الارض..!

أدركني المساء وأنا أتطلّع الى شاطئ دجلة الأيمن مترقباً عدد النجوم التي ازدحمت في جوف السماء بأشكالها السوريالية والمجردة التي رسم ضياؤها أمواج النهر بدون احتجاج يذكر! استقر بصري فوق موج الماء المتلألئ ،لأقول في سري وأنا في قبضة الليل وهزيعه الأول: إذا لم يكن في تلك النجوم من يعني برصد كوكبنا ودراسة أحوالنا فربما سنضيع في يوم ما في تعاريج الظلام وأخاديد اللا معنى في كون متحدب لا أحد يستطيع التكهّن بما سنكون عليه في ليل قد لا يتنفس بعدها إلا ظله. فلو كانت هنالك حضارة كونية أخرى مغتربة خارج كوكبنا وأخذت تراقب (عبر تلسكوب عملاق) ما جرى على الأرض خلال الـ 100 ألف عام الأخيرة، لأثارتها الدهشة حيال التحولات التي شهدها هذا الكوكب الصغير الذي اسمُه الأرض والذي يقع على مشارف مجرة تسمى بدرب اللبانة، ولاسيما كُثرة التبدلات التي حدثت خلال الـ 200 سنة الأخيرة ومنذ اندلاع ما سمي بالثورة الصناعية. فسترصد الحضارة الكونية المغتربة ومن دون شك، انه في كل ليلة من ليالي الأرض تأخذ المناطق المضاءة في الاتساع ويزداد بريقها على سطح الأرض. كما ستلاحظ التقدم المتسارع في حركة النقل وتعاظم وسائطه، ولم تُضلًها أعمدة الدخان التي ترتفع من على مداخن المعامل والمساكن، فضلاً عن تقلص مساحة الغابات وانتشار السكان بشكل غير متساوٍ على مساحة اليابسة المحدودة. فقد جعل الانفجار السكاني من علم الاقتصاد والسياسات الحكومية في مواجهة صعبة إزاء مشكلات التزايد السكاني وانعكاساتها البيئية والحضرية والاجتماعية والتعليمية والصحية. اضافة الى الاضطرابات الاجتماعية في العديد من الدول المحدودة الموارد وضعيفة التنمية. وفي المقابل مثلَ الانفجار السكاني الفرصة المؤاتية لاصحاب الاعمال والاستثمارات لتعظيم الربح، وهم يرون في هذا الحراك البشري مجالاً للتعاون والاستقرار الاجتماعي من خلال رفد المجتمعات بالاستثمارات الجديدة وتوسيع فرص السوق مستقبلاً. وعندها ستندفع السياسات الحكومية بجعل اقتصاداتها اكثر تنافسية وسكانها اكثر مهارة بغية البقاء في عالم شديد المنافسة.
لقد تزايد سكان الارض منذ فجر الميلاد، حينما كان عدد الناس قبل 2000 عام بنحو 200 مليون نسمة، ليبلغوا في يومنا هذا بنحو 7 مليارات نسمة ونيف. كما تزايد عدد سكان الارض، منذ العام 1850 وحتى الآن بنحو 6 مرات، يوم كان عددهم في منتصف القرن التاسع عشر لا يتعدى 1 مليار و200 الف نسمة. ويلحظ ان عدد سكان الارض يرتفع شهرياً وبشكل متزايد وعلى نحو يزيد على 6 ملايين نسمة. في حين تحسنت توقعات حياة الجنس البشري وازدادت من 24 سنة كمعدل للحياة في بداية الميلاد لتصبح اليوم بنحو 66 سنة. وإذا كان متوسط النمو السكاني العالمي يزيد واحدا ونيف من المئة سنوياً، فإن سكان العالم سيتضاعف عددياً عن مستواه الحالي في العام 2070 ميلادية.
وعلى الرغم من ذلك، فاجأتنا مجموعة الجغرافيا الوطنية الأميركية في واحدة من تقاريرها منوهة فيها بأن الجنس البشري المنتشر على سطح الأرض يمكن ان يستوعبه مكان واحد يعادل في مساحته منطقة لوس انجليس في ولاية كاليفورنيا لو أُحسن التوطين البشري! ... ما يعني ان الجنس البشري ينتشر في فضاءات متسعة جداً.. وان علبة سردين واحدة بمساحة مدينة لوس انجليس الكبرى كافية على استيعاب 7 مليارات انسان ينتشرون على سطح الارض في يومنا هذا!!!.
ختاما، ما زال الجنس البشري يستهلك حالياً نصف مياه الشرب النقية المتاحة على الأرض واكثر من نصف المواد النباتية من غابات ومروج منشؤُها التركيب الضوئي في الطبيعة، وانه ما لم تتدبر البشرية أمرها في دعم نظامها البيئي والعمل على إصلاحه، فإن الحضارات الاخرى المغتربة في كواكب خارج الكرة الارضية والتي ما زالت تراقبتا (نظرياً) سوف توغل في فهم ما سيجري على سطح الارض اكثر فأكثر حتى تدرك ألا معنى فينا! وعندها لا تستطيع أن تتكهن بما سنكون عليه نحن سلالة الجنس البشري في ليل سيظل يقطر سواداً!!.