دفاعا عن الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي

خلال يوم واحد، ورد الصفحة سيل من السباب والشتائم، وهي تتهاطل على الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، رحمة الله عليه. كان يظن المرء في البداية، أنها مقاطع قديمة، تتعلّق بفترة زمنية معيّنة، يمكن مناقشتها في ذلك الإطار الزمني،  لكن تبيّن فيما بعد أنها أختيرت بعناية، لتشويه صورة الرجل عمدا، فكانت هذه الأسطر ..

لماذا الحقد على الرجال؟: لماذا كل هذا الحقد على العالم محمد سعيد رمضان البوطي، وقد أفضى إلى ربه، وهو في بيته، يتلو كتابه، وفي حضرة ضيوفه.

لم يخرج البوطي أحدا من الإسلام، بما فيهم الذين أمطروه بوابل من الشتائم والسباب، بل دعا لهم بالخير والنجاة والمغفرة في آخر خطبة جمعة له.

البوطي لم يتملق أحد، بل انتقد وعاتب بطريقته.

لم يجعل أيّ طائفة ضمن الفرق الناجية، بل قال ماقاله علماؤنا، الطائفة الناجية هي الأمة الإسلامية، ولم يحصرها في فئة ولا طائفة بعينها، وتمنى للمسلمين أن يكونوا ممن يعفوا عنهم ربهم ويغفر لهم.

نعم مازلنا ننظر للرجل بحنين الماضي، ونستخرج منه الحسن فننشره، ونستخرج منه السيّء فنتجنبه. وماضي البوطي كحاضره، لم يتغيّر منه شيء، ويشكر على ماأصاب فيه، ويعفى عن أخطاءه إن وجدت.

يوم كان محمد سعيد رمضان البوطي في الجزائر، كان في امتحان، ووقفته مع ماتعرّضت إليه الجزائر في التسعينات، تشهد له بذلك. ومن تمام الوفاء، أن يبقي المرء وفيا لحنين الماضي، فيحن للأفضل مافيه، وينشره بين الناس، ويتجاوز الأخطاء إن وجدت.

قرأت وسمعت للعالم محمد سعيد رمضان البوطي، منذ أن عقلت الكتابة والسّمع، ومازلت على ذلك المنوال، أتتبع خطبه ودروسه، منذ 30 أو يزيد، فوجدت فيه الثبات على المبدأ، والطهر في الأقوال، والصفاء في الكتابة. ويكفيه شرفا، أن الأحداث صدّقته فيما ذهب إليه.

بقيت الإشارة إلى ملاحظة في غاية الأهمية، تتمثل في أن حبنا للبوطي، لم يثني صاحب الأسطر، أن انتقده في عدة محطات، ومازال ينتقده، إذا ظهر من الشيخ مايستوجب النقد مع الكبار. وإقرأ من فضلك ماكتبناه عن الشيخ، عبر الشبكة العنكبوتية ..

"الشيخ البوطي كما رأيته" . "في الذكرى الأولى لاغتيال العلاّمة محمد سعيد رمضان البوطي" .  " الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي .. بين حبر العلماء ودماء الشهداء". وهناك محاضرات ودروس، كان لي الشرف أن استمعت إليها بين يديه الشريفتين، أضعها تحت تصرفك إذا أردت ذلك.

وبما أنك دعوت الله حسن الخاتمة، فإن البوطي لقي ربه ، وهو يقرأ كتابه، وفي بيت ربه، وبين ضيوفه .. وما أعظمها من خاتمة.

علّمونا ونحن صبية، أن المرء حين يفضي إلى ربه، نتسخرج محاسنه، ونعفو عن سيّئاته، فمابالك بالبوطي وقد غطّت محاسنه الكون، أفلا تشفع له، وهو بين يدي بارئه.

بين عالم السياسة وعالم الدين : إن المواقف السياسية التي اتّخذها البوطي، يعامل فيها كغيره ممن تحدّث في الأمور السياسية، يأخذ منها ويرد. وأفكار العالم ليست مقدسة، وليست فوق النقد. وإذا تدخل عالم الدين في القضايا السياسية، فإن أفكاره مهما كانت، تعامل كغيرها من الأفكار. فلا يوجد في السياسة عالم دين، إنما أفكار تأخذ وترد. والأولوية في القضايا السياسية، لعالم السياسة على عالم الدين، مهما كانت منزلته.

إذن من تمام الأدب، أن تناقش أفكار البوطي السياسية من الناحية السياسية، دون إعطاءها القداسة الدينية، التي تمنع النقد. في هذه الحالة بالذات، يرفع غطاء الدين عن الشخص، ويعامل كغيره، وكذلك تعامل أفكاره، دون تجريح ولا تقديس.

اللهم ارحم سيّدي محمد سعيد رمضان البوطي. اللهم انشر حسناته بين عبادك. اللهم وفقنا للاستفادة منها. اللهم اجعل حبنا له، دافعا لتصحيحه ونقده. اللهم إنّك تعلم، أن البوطي عبد من عبادك، فضّلته واخترته، فاغرس محبته في القلوب، ووفقنا لخدمة تراثه، وتبيان محاسنه ومساوئه.