كل يوم الدنيا تبز عيني.. قصّة قصيرة.. بقلم: د. سلمان كيوش

لا معنى لربطة عنقي الحريريّة في أم ساعة ما دام الناس فيها لا يرتدون غير الدشاديش ولا يعرفون، رجالاً ونساءً، الملابس الداخليّة. أناس بسطاء لا يزخرفون الكلام ولا يهمّهم تسلسلَ أيام الأسبوع. وجدتُ فيهم ضالتي بعد أن خانتني المدينة حين أصرّتْ على نفث دخانها الثقيل في وجهي. هربتُ من اكتظاظ المدينة، هربتُ من مزاجي المتقلّب سريع العطب والاحتراق.. شئتُ ألاّ أحترق فلجأتُ إلى أم ساعة عند حافة الهور.. لا أنشد سوى سلام روحي وطمأنينتها. أريد لروحي إعادة توازنها، ولكي لا أصبح رقمًا مضافا في طابور المراجعين لمستشفى ابن رشد! لا أريد لدمي أن يتشبّع بالآرتين والتفرانيل. 
في أم ساعة تعمّدتُ ألاّ أمدّ حروف العلّة كما يفعلُ أهل المدينة، بهرتني اللغة ببساطتها وبشحنة الحميميّة التي تكتنزها.. لغةٌ عمادُها حسنُ الظنِّ بالآخرين. بتُّ أحلفُ بالعبّاس كحدّ أقصى لرغبتي في أن يصدّقني أهل أم ساعة. غير أني عجزتُ عن أن أكون واحدًا منهم برغم كلِّ ما بذلتُ من جهد، فأنا "المعلّم المفرِّع" بينهم، لا يشيرون لي بغير هذه الصفة. لا تزعجني صفتي بينهم، ما يزعجني إصرارهم على ألاّ يفشون لي سرًّا، يزعجني تحاشيهم لي كأنّي وباء، تزعجني سحنةُ الحذر التي تعتلي وجوههم حين يتحدّثون إليّ، أشعر دائمًا أن ثمة وجه آخر يختفي خلف وجه كلّ واحد منهم، لكني لا أجزم بأنه وجه قبيح. ومع هذا فحياتي بينهم لا تختلف كثيرًا عن الحلم القديم الذي امتلأ به رأسي منذ ألفتُ اغترابي في مدينةٍ لا تعرفُ غير تسويفِ أحلامي.. 
لكنّي بحثتُ عن ربطةِ عنقي التي رميتُها، وعادتْ مخيّلتي لترسمَ لي صورةً وأنا أقف على باب مستشفى ابن رشد كي أستلمَ حصتي من الجُرع التي تتولّى تأجيلَ ألم الاكتئاب حين حدّثني المجذّف بمشحوفي الذي اعتاد نقلي من السلف إلى المدرسة في مصبّ النهر قبل أن تتخلّى مياهه تمامًا عن سرعتها وهي تستقبلُ سكون الهور وانبساطه. ليته لم يحدّثني، ليته خرسَ وبكَمَ قبل أن يزعزعَ ما هدأ في روحي، ويقلقلَ ما استقرَّ فيها.. لملمتُ أشيائي بعدها، بحثتُ عن ملابسي الداخليّة بعد أن تخليتُ عنها.. فقد قال المجذّف وهو يعتلي المردي الغليظ، مشيراً إلى إيشان بعيدٍ عالٍ: 
هل تراه؟ 
قلت:
ـ نعم، أراه. ما به؟
ـ هنا عثرنا على جثةِ ناصر.. آه يا ناصر.. وجدناه كما لو أنه ينام, لم تشأ الخنازير بقرَ بطنه، ولم تلتهم الطيورُ الشرسةُ عينيه.. وجدناه كما هو، ناصر الذي نعرفه.. تعطُّ منه رائحة، والله إنها أزكى من العنبر. 
لم أجد بدًّا من الإصغاء، فقد طوّقني باستهلال مثير لحكايته.. قلتُ:
ـ كيف مات؟ 
ـ لا ندري.. لا أثر للقتلِ على جسده.. لعلّه مات لأنه قرّر أن يموت.
ـ لماذا؟ 
ــ ــ ــ 
ـ خذْ.
ـ ما هذا؟
ـ عرق!
التمعت زجاجةِ العرقِ الكبيرةِ تحتَ شمس مسيعيدة عند مصبّ النهر الهارب بمياهه نحو الهور. فتحها ناصر, وانفتحتْ بعدها مأساته على اتساعٍ لا حدودَ له. الله لا يرضى على فليّح على ما فعله بناصر. كلّه منه, هو مَن طمسه بعارٍ لا تغسله مياه الدهلة في مواسم زود الجَحَلَة. كاد ناصر يتقيّأ حين شمّ الرائحةَ الرعناء, غير أن فليّح بدهائه بدّدَ قرفه وغثيانه, قال له من طرف أنفه:" نحن دائمًا ما نشرفُ على اللذائذ الكبيرة بالاشمئزاز منها، لا معنى للذّة إن بدأت بلذّة.. اللذّة الكبيرة هي التي نعافها ونحن على مشارفها, ربما خوفًا أو تعفّفًا, أو قرفًاً". ولأنه أصغر منه, وأرقّ, ولأنه يعلمُ مواطنَ ضعفه, صَدَّقَه. فليّح يعلم أن ناصر لم يترك ثدي أمّه إلاّ في السابعة حين أُجبر على الذهابِ إلى المدرسة البعيدة. وكان يعلمُ أنّه التصقَ بأثداء شقيقاته وهن يحتضنّ طفولته الطويلة. كان يعلم، هذا الخبيث، أن ما بناصر من طباعِ الإناث أكثر.. ألم يكسر خاطره؟ كيف تجرّأ واختاره هدفًا لفحولته العابثة؟ ألم يشفع له أنه الذكر الوحيد بين خمس إناث؟ حوبة ناصر وأمّه وشقيقاته في عنق هذا الآثم. ما الذي سيقوله لله وقد أحال ناصر إلى حكاية يتندّر بها المعدان وهم يتحلّقون حول مواقد المطّال في ليالي مسيعيدة الثلجيّة؟ ألهذا الحدّ تمكّن منه خبثه المريض؟.
قال فليّح لناصر وهو يتنفّس من خاصرته:
ـ اشربْ.. لن تكتمل رجولتك إلاّ حين يعصفُ العرقُ برأسكَ ويحيلكَ إلى أسد.. وقد تتمكّن من إدراك ثأر أبيك اليوم.
ابتهجَ فليّح حين انتهى ناصر من ارتشاف الجرعة الثالثة.. كان يسارع إلى المحاديد, يحشرها في فمه كي تغيّر الطعم الكارثي على لسانه ولهاته. وكاد يرقص حين لمح بغريزته المعيديّة الشوهاء دبيبَ الخدرِ يتسلّلُ إلى جفنيْ ناصر فيرخيهما. ولما ثقلَ لسانُه وضمنَ متعتَه قال له:
ـ كم أنتَ جميل.. كأنكَ بنت المعيدي. 
قال هذا وفي مخيّلته صورةٌ لأنثى أحرقه شبقُها المشوبُ بتمنّعٍ زائف. لعلّه نظر إليه على انه اختزال لشقيقاته, لنساء مسيعيدة وأم ساعة كلّهن، رأى الطين الحرّيّ اللدن في أجسادهن. نساء مسيعيدة حلوات يا أستاذ، لا سيما شقيقات ناصر.
يدرك فليّح، بمهارة الدوّاش الصبور، المسافةَ بين العرقِ وفعله بالرؤوس، بين الشدّ والإرخاء. ولكي يتيقّن أن أسراب الخضيري بين شباكه الآن صفَعَه على خدّه كي يتأكّد من أنه لن يطير.. فتح ناصر عينيه بصعوبةٍ وقال له قبل انسحان روحه نهائيًّا:
ـ من أين تأتي بالعرق؟ 
كان قد ألقى بجسده على دوسة مشحوفه الذي يلاصق مشحوف فليّح. 
ـ هذا سرّ من أسراري، ومع هذا سأبوح لك به. 
الله يلعنه دنيا وآخرة، فقد أخفى عامدًا أن العرقَ في بغداد مبتذلٌ كابتذال الماء, وأخفى أنه يشتريه من كَراج النهضةِ قبل أن يركب الباص الكبير المتجه إلى العمارة في بداية كلّ إجازة دوريّة. قال له أنه يصنعه بيده من خلطة عمادها الخريّط الخايس وزهور الكَعيبة وبعض الروبة الغابّة الحامضة جدًا. صدّقه المسكين لأن فليّح نظر في عينيه الجميلتين اللتين غالبهما نعاس طارئ ثقيل دون أن يطرف له جفن, صوّب إليه ماسورتي عينين تفوح منهما رائحة البارود كما يصوّب بندقيته إلى الحذاف وجليب الماي. صدّقه لأنه يريدُ تصديقَه, أو لأنّه فقدَ القدرةَ على مجادلته. هل رأى ناصر في فليّح أباه القتيل في عركة مع معدان الأهوار العميقة حين مرّوا بدوابهم الثقيلة ونساؤهم تلملم السرجين كأنه كنوز ثمينة؟ هل رأى فيه ما يخفّفُ عبءَ الإناثِ الخمسة وأمّه؟ هل رأى فيه أخًا له يمكن أن يؤازره على حماية شقيقاته من ذئاب مسيعيدة التي لا يرعبها شررُ المواقد والفوانيس المعلّقة على أبواب البيوت ما أن تغرب الشمس؟ ما الذي رآه فيه؟ هل استعذب انخذال جسده الهشّ الرخو أمام جسدٍ عضليّ مفتول؟ ولأننا لا ندري، فقد انفتح البابُ واسعًا لذاكرة مسيعيدة لتقول كلّ شيء وتفترض كلّ شيء.. ناصر وحده يعلم، وهو ميّت الآن. 
قلت:
ـ وفليّح، ألا يعلم؟ لم لا تسألونه؟
ـ اختفى فليّح بعد فعلته. بعد أن تقيّأ دمًا في ذلك اليوم، وشربَ الكثير من اللبن، جمعَ شباب السلف وقال لهم هل تعلمون مع مَن كنتُ وماذا فعلتُ؟ الله يلعنه.. بانت حوبة ناصر سريعاً، فقد أنهى إجازته في أمّ ساعة وهو يسرد حكايته حتى للهوش وللخنازير البريّة. لم يعد بعدها إلى مسيعيدة، ثمة من يقول أنه أُسر في بداية الحرب، ومنهم من يقول أنه مفقود، وقد يعود... لا أعاده الله. 
حين أغلقَ ناصر عينيه تمامًا أخذ منه فليّح الزجاجةَ. وبحركةٍ أدمنها وضعَ فتحتها في فمه، وامتصّها كأنّه يقبّلُ شفتين مكتنزتين لامرأة حارّة. كرع عرقًا ساخنًا. نظر إلى دوّامات الفقاعات المتسارعة إلى أعلى الزجاجة المقلوبة فوق فمه. بمرانه القديم وتاريخه الطويل مع العرق شعر برقص أحشائه, وسمعَ الهلاهل العالية هناك. أطلقَ "اح" طويلة عالية وأعاد الغطاء إلى فم الزجاجة. أبقى على وشالة.. طبعٌ متأصّل فيه, لا بدّ للزجاجة أن تحوي وشالتها, الفراغ يزعزعه، فهو لا يدري متى تستبدّ به الحاجةُ إلى كرعةٍ جديدة يتوّجَ بها هرم نزواته. تعينه الوشالة على ألاّ ينظر للغد أو ينتظره، فهو ابن اللحظةِ ما دامت الوشالة تتلطلط في زجاجته.
حين هبط إلى مشحوف ناصر كان زائغَ النظرات بفعلِ اكتظاظ الدم المتدفّق إلى رأسه وعينيه النجستين.. كالزئبق كانت روحه، لا تكاد تقرّ على فكرةٍ حتى تداهمها فكرةٌ أخرى، غير أن فكرته الكبيرة الملعونة باقية راسخة، ملأته شبقًا دبقًا ونفخته حتى كاد ينفجر. 
كان ناصر ممدّدًا على بساط من صوف ناعم، ناعم جدًا كخاجيّة، لألوانه سطوعٌ ذكّر فليّح بسطوعِ نيّته، دوّمت ألوانُه المتقاطعة في رأسه بخطوطٍ لونيّة تبدأ من البرتقالي الشحيح الباهت إلى الأحمر الدموي، ليقطع الأزرق الفيروزي امتدادهما. نظرَ إلى ناصر فلم يرَ فيه غير فراشةٍ ضلّت الطريق بين ما لا حصر له من زهور الكَعيبة. هناك من يشكُّك في هذه الصورة التي تزيّنها مسيعيدة.. ويجزم أن فليّح لم يره إلاّ دجاجة ماي رافسة بعد أن ملصَ هو رأسها، هو الدوّاش العتيد. 
بدأ فليّح نجاسته حين احتضن ناصر من الخلف كي يتحاشى دهشة عينيه لو فتحهما في وجهه. أمسكَ بذراعيه، طواهما خلفه. هل كان يفكّر بكسرِ جناحيه كما يفعل مع الخضيري الراعش بين خروم شباكه القاسية؟ كان مستعدًا لكلّ طارئ قد يسلبه فيض لذّته. رفع رأسه بين التهول فلم ير غير طائر الصليلكَع يحوم فوق زنبورٍ اندسّ بين قصب متشابك. أين أهل مسيعيدة عنه في تلك اللحظات؟ أين ذهبت الفالات؟ لِم لم تجد طريقها إلى أضلاع فليّح، أم أنها آزرته بغيابها المتعمّد في مواسم صيد البنّي الوفير؟ أين عنه خنازير أم ساعة البريّة لتشقّه نصفين بأنيابها الباشطة؟ أين غابت الطناطل كي تلعب عليه وتسحق عقله ببراعتها الشيطانيّة؟
يقول الناس، كي يبرئوا الماجن، أن ناصر شعر بسخونةِ يدِ فليّح وهي تتسلّلُ عبر زيج دشداشته إلى ثديه. لا شكّ عندهم أنه تحسّسَ ثقلَ هصرها لثديه بيدٍ طاعنةٍ في الخشونة. ويكملون: لِم لم يبصق ناصر في وجهه؟ لِم لم يصدّ زحف اليد العابثة بتضاريس جلده كلّها، كلّها؟ ويقولون أن فليّح سمع أنّةً، أكانت أنّةَ الالتذاذ كما أوحت بذلك مخيّلة مسيعيدة المريضة، أم أنّة الإنبهات وغياب الحولِ والقوّةِ بين ذراعين أطبقا عليه كما تطبق مخالب حوم على أرنبٍ حديثِ الولادة؟ لا أحد يدري سواه.. 
صَعَقَه الارتخاءُ وأذهلته البضاضة، وحين لم يبدر من ناصر ما توقّع بحدسه المعيدي العتيد أمالَ رأسَه على كتفه، وراح يلثم خديه كأنه يلتهمهما. ألا لعنةُ الله عليه ذاك اللوطيّ. لعنة الله عليه حين رأى الزبد في ميوعة جسد ناصر، رآه زبدَ غنمٍ تحت شمس قيظ ساخنة.. همس في أذنه: ذبْ أيها الزبد، ذبْ. لماذا افترضَ أن ميوعته شبقًا واستسلامًا، وأهملَ عامدًا فعلَ العرقِ الساخن السادة في جهاز ناصر العصبيّ الغضّ.
ولكنه معذور، فانحياز مسيعيدة أباح لفليّح إعادةَ سردِ حكايته كيف يشاء.. لا يشكُّ أحدٌ أنه أخفى الكثير، وأضافَ الكثير.. أنا أسرد عليك ما تردّده مسيعيدة يا أستاذ. ثمة دائمًا موغلون في الشماتة، ثمة مَن يغطّي دنسه بإضرامِ النار في أعراض الآخرين.. يقول الموغلون في لذّة الفضائح أن فليّح وجد ما يسوّغ له الاستمرار، بل ويجبره عليه، فناصر لا يقلّ جمالًا عن بت المعيدي. هذا غير الخزي الآخر حين عرّاه. يقولون أنّ فليح رأى ما يجزم باستعارِ الشبقِ لدى ناصر.. عرّاه تمامًا يا أستاذ. كان جلدُه مشعًّا ببياضه، أبيض كالروبة، له التماع كالذي تراه في جناح البيوضيّ حين يغطسُ في الماء وتصفعه الشمس. حين عرّاه تمامًا رأى بأمّ عينيه، اللتين سيلتذُّ الدود بالتهامهما، الدليلَ على أنه معه في مشروعه، وأنّ ارتخاءَه مقصود وأنينه دعوة لفليّح كي يستمرّ. وجدَ هذا السكّير ما يلهبُ به رأسه المخمور. رأى ما لا أستطيع ذكره لك، أظنّك فهمتني يا أستاذ. في هذه اللحظة غدا فليّح أعمىً تمامًا.. لم يعد يرى غير فيض شبقه الفائر. تكوّم البساط وتداخلتْ ألوانه تحت ركبتيه المغروستين في قاع المشحوف. لعنته أسرابُ دجاج الماي حين أجفلتها شهقته. حلّقتْ عاليًا وكأنها تنذر مسيعيدة وقراها وتتوعّدها بصراخها المتصل المحموم. حامتْ طويلًا فوق أم ساعة قبل أن تهبط أسفلها في الهور.
منذ ذلك النهار لم يُر ناصر مبتسمًا. يردّد هامسًا بهذاءات لا يُفهم منها غير الروبة الغابّة الحامضة وزهور الكَعيبة والخرّيط، كأنه لا يعرف غيرها. عيناه هائمتان في اللا شيء، يكثرُ التحديقَ في أطراف القصب وطيور الصليلكَع. كثيرًا ما يقف على الشطّ ثم يهوّس داكًّا الأرض بقدميه بقوّة:" كل يوم الدنيا تبز عيني". يدور، ويدور حتى يفحط. لا أحد يهوّس معه سوى أمّه وشقيقاته. لِمَ اختار هذه الهوسة دون غيرها؟ ألانها الهوسة الوحيدة التي سمعها من أمّه وهي تقفُ على جسدِ أبيه الممزّقِ بالرصاصِ أم لسبب آخر؟ لا أحد يدري. 
ــ ــ ــ
أعدتُ لفَّ ربطة عنقي ما أن برزتْ أم ساعة في نهاية الأرضِ المسطّحةِ المغمورةِ بالمياه. شعرتُ أني في المكان الخطأ، فالجغرافية هنا لها بشاعة المدن نفسها. ليست أم ساعة بأفضل من مدينتي التي تعرف كيف تستفزّ اكتئابي. لا جدوى، وفرة الماء هنا لم تكبح جماح القبح والشغب الآدمي كما افترضتُ.. شعرتُ برغبة قويّة في أن أهوّس، لن اختار غير هذه الهوسة لأردّدها، شعرتُ بدبيبِ آصرةٍ ملحّة تشدّني إلى ناصر وأمّه وشقيقاته. سأهوّس معه بإحساسه بالإنخذال نفسه، وسأزيد عليه طفح تاريخ طويل لخيباتي.. سأغادرُ أم ساعة، لا أحملُ منها غير صدى هوسة اختزلتْ حنقي على كلّ شيء، كلّ شيء. سأردّدُ ما حييتُ:" كل يوم الدنيا تبز عيني"، ستكون نشيدي كي لا يثقل الآرتين دمي ويعبث به..