رسائل متبادلة بين المالكي والبارزاني لإستعراض القوة بتخطي "الخطوط الحمراء"







بغداد ـ كتب علي صاحب شربه: يلجأ المتخاصمون السياسيون في العراق المحتل أمريكيا وبريطانيا وإيرانيا إلى التلاعب بـ "الخطوط الحمراء" التي وضعوها هم أنفسهم، أو وضعها لهم أسيادهم الذين يمسكون بخيوط تحركاتهم وصراعاتهم وعلى رأسهم بريطانيا وأمريكا فضلا عن إيران، في محاولة لإستعراض القوة ضد الآخر، وكسب أوراق جديدة تستخدم للضغط على الخصم السياسي للحصول على مكاسب أخرى.

ويبدو أن ملف المناطق المتنازع عليها سيكون عنوان الصراع المتأجج بين نوري المالكي ومسعود البارزاني في المرحلة المقبلة، بعد أن كان الملف كلمة السر الناجحة والفاعلة في تشكيل التحالفات السياسية.

المالكي في زيارته المثيرة للجدل التي أجراها أمس الثلاثاء لمدينة كركوك وسط أجراءات أمنية شديدة جدا وغير مسبوقة، أراد أن يرسل رسالة واضحة المعالم للأكراد أن لا خطوط حمراء بعد اليوم وأن الصراع السياسي بينهما لن يتوقف عند حد. وهو ما فهمته جيدا القيادة الكردية وقررت التلاعب بنفس الطريقة التي يلعب بها المالكي وأعلنت عن زيارة واسعة اليوم الأربعاء لقيادات رسمية كردية للمدينة، والرد على المالكي بنفس الرسالة ولكن بصورة أقوى.

وقال مصدر كردي مسؤول في حكومة إقليم كردستان اليوم الأربعاء أن نائب رئيس حكومة إقليم كردستان عماد أحمد سيزور اليوم محافظة كركوك، مشيراً الى أن أحمد سيجتمع خلال زيارته بمديري الدوائر الحكومية في المحافظة.

وتوقع المصدر الكردي المسؤول أن تلحق الزيارة الكردية اليوم العديد من الزيارات الرسمية لكبار القيادات الكردية للمدينة في محاولة للرد على المالكي في زيارته المثيرة للجدل كرديا لمدينة كركوك.

وترأس نوري المالكي فور وصوله أمس الثلاثاء الى كركوك يرافقه عدد من وزرائه اجتماعا لحكومته قاطعه الوزراء الأكراد وتم خلاله بحث الأوضاع السياسية والخدمية والأمنية في المحافظة التي يقطنها حوالى مليون نسمة وتضم خليطا من السكان التركمان والأكراد والعرب وتشهد توترات عرقية مستمرة بين هذه القوميات على خلفية مطالبة الأكراد بضمها الى اقليم كردستان ومعارضة التركمان والعرب لذلك. وشارك في الاجتماع محافظ كركوك نجم الدين كريم ورئيس مجلس المحافظة حسن توران وعدد من اعضاء مجلس المحافظة.

وأكد المالكي في كلمة له خلال الاجتماع أن حل مشكلة كركوك لا يتحقق بالقوة والإملاءات وإنما بإرادة أهلها وجماهيرها مشددا على ضرورة أن تكون هويتها عراقية ولا تطغى هوية على أخرى في إشارة الى تأكيدات الأكراد بأنها كردية ويطالبون بضمها لإقليم كردستان. وأضاف أن لمدينة كركوك سمات خاصة كونها تمثل عراقا مصغرا ومثالاً للتآخي والتعايش السلمي بين جميع العراقيين، وقال إن هذا التعايش سيستمر ويتعزز بين جميع مكوناتها.

وأشار المالكي إلى أن عقد اجتماع مجلس الوزراء في محافظة كركوك يأتي في إطار سعي الحكومة لمتابعة مشاكل المحافظات والتوصل الى حلول مناسبة لها ولتعزيز الخدمات وحل المشاكل بما يتلاءم مع القانون. ودعا الى استثمار ثروات المحافظة بما يحقق الرفاه والتطور والإستقرار لمواطنيها.

ووصل المالكي الى كركوك في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء وسط إجراءات أمنية مشددة لم تشهدها المحافظة من قبل حيث سبقته اليها قوة عسكرية تضم عشرات العجلات مدعومة بمروحيتين فيما كثفت القوات الأمنية انتشارها في شوارع المدينة وأقامت نقاط تفتيش تحسباً لأي هجمات مسلحة.

وعلى الجانب الاخر اعتبر شريف سليمان النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني زيارة المالكي بأنها خطوة استفزازية لإقليم كردستان ولشركائه في العملية السياسية.

وقال إن "زيارة المالكي الى كركوك هي زيارة استفزازية للاقليم لكونها تأتي في ظروف حساسة جدا تعيشها البلاد"، مشيرا إلى أن "المالكي ليست لديه النية الصادقة للإطلاع على احوال المواطنين في مدينة كركوك".

وأضاف سليمان أن "المالكي يريد من هذه الزيارة ايصال رسالة استفزازية لإقليم كردستان وشركائه في العملية السياسية" وتابع بالقول "ستؤدي هذه الزيارة الى رفع وتيرة التصعيد بين الكتل السياسية".

وتأتي خطوة المالكي هذه بعقد اجتماع حكومته على تخوم الحدود الادارية لاقليم كردستان بمثابة محاولة لتأكيد عراقية كركوك وعدم تابعيتها لكردستان وهو ما قد يزيد من تعقيد العلاقات المتوترة اصلاً بين الاقليم وبغداد حيث تصاعدت حدة الخلافات بين الكتل السياسية وتحولت من صراع بين ائتلافي العراقية ودولة القانون إلى اختلاف الأخير مع التحالف الكردستاني أيضاً حيث دأب رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني مؤخرا على مهاجمة المالكي واتهامه بالتنصل من الاتفاقات الموقعة بين الكتل السياسية في اربيل اواخر عام 2010 وهي الاتفاقات التي انبثقت منها الحكومة الحالية إضافة الى تأكيده رفض الأكراد دكتاتورية جديدة ينشئها رئيس الوزراء وحزبه من خلال قيادته "جيشا مليونيا".

وشهدت الساعات الاخيرة التي سبقت وصول المالكي الى كركوك تراشق اتهامات غير مسبوقة بين ائتلافي المالكي والأكراد اللذين تبادلا خلال مؤتمرين صحافيين في مبنى مجلس النواب في بغداد كيل الاتهامات السياسية، تناولت ممارسات "دكتاتورية" وتبديد ثروات البلاد وصلت الى اتهام البارزاني بالتعاون مع الرئيس السابق صدام حسين.

وقال ياسين مجيد النائب عن ائتلاف المالكي إن البارزاني يحكم الاقليم منذ 20 عاما وهو رئيس الحزب الحاكم والقائد العام لقوات البيشمركة وابنه يشغل منصب رئيس جهاز المخابرات وابن اخيه رئيس للحكومة وخمسة من اعضاء اسرته هم اعضاء في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي". وأضاف أن "الشعب يعرف من هو الدكتاتور ومن تعاون مع الدكتاتور ايام زمان".

وقال إن "الدكتاتورية في اقليم كردستان تتنامى ولهذا نشعر بالخطر على الديمقراطية التي يعيشها الشعب الكردي"، معتبرا أن البارزاني "سيستمر في الهجوم على بغداد لحين إجراء انتخابات في اقليم كردستان" في ايلول سبتمبر المقبل.

وأشار الى أن البارزاني يحاول من خلال هذا الهجوم توجيه رسالة للشعب الكردي بوجود عدو وهمي في بغداد للتغطية على عمليات تهريب النفط لكي ينسى الجميع هذه الفضيحة، موضحا أن "مليارات الدولارات تذهب الى جيوب الحيتان في الاقليم من خلال عمليات التهريب".

وعلى الفور رد الأكراد على هذه الاتهامات واعتبر التحالف الكردستاني تهجم النائب ياسين مجيد على القيادات الكردية "دليلا على فقدانه التوازن". وقال النائب عن التحالف فرهاد الاتروشي في مؤتمر صحافي في البرلمان إن الهجوم يمثل محاولة للتغطية على فشل ائتلاف دولة القانون في ادارة الدولة العراقية واضاعته 500 مليار دولار من موازنات الاعوام الماضية.

وأضاف ان الحكومة الحالية لم تحقق شيئا للعراق بعكس ما تحقق للاقليم من تقدم ورفاه مشيرا الى أن بارزاني حصل على 70 بالمائة من اصوات الشعب الكردي وهذا يدل على الديمقراطية بعكس حكومة بغداد التي تشكلت على اساس التوافقات.

وسبق لبارزاني أن أكد أنه ليس لدي أي خلاف شخصي مع رئيس الحكومة المركزية نوري المالكي وحذر من أن العراق يتجه إلى "نظام دكتاتوري" فيما أكد أن تقرير المصير بالنسبة للأكراد سيكون الخيار الوحيد في حال عدم تعاون بغداد مع الإقليم لحل المشاكل.

وقال رئيس كتلة التحالف الكردستاني محسن السعدون إن "كركوك هي مدينة كردستانية بمفهومها الخاص وعراقية بمفهومها العام"، مبينا أن "كل الدلائل والاحصائيات السابقة تؤكد أن الموقع الجغرافي للمدينة يقع ضمن مناطق اقليم كردستان".

وأضاف السعدون وهو أحد قياديي الحزب الديمقراطي الكردستاني أن "كركوك بغض النظر عما جرى من تغيير وترحيل ديمغرافي من قبل النظام السابق فان اكثرية سكانها من الأكراد"، مشيرا الى أن "التركمان هم ثاني اكبر مكون في المدينة يليهم المسيحيون ومن ثم العرب".

واعتبر السعدون زيارة المالكي الى المدينة غير مناسبة في الظروف الحالية بسبب التباعد السياسي في البلاد"، مبينا أن "الزيارة كان يمكن ان يكون لها معنى آخر لو كانت لإعادة الحق للمرحلين لتنفيذ المادة 140 من الدستور كبادرة حسن نية، باعتبارها المحور الاساسي لحل المشاكل مع الاقليم".

وتزامنت زيارة المالكي لكركوك مع تصريحات ادلى بها القيادي في التحالف الكردستاني خالد شواني كشف فيها أن مكتب القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي استقدم قبل أيام كتيبة مدفعية تابعة للجيش العراقي من جنوب بغداد إلى كركوك، وأكد أن وجود تلك الكتيبة في المحافظة يمثل تهديدا للاقليم وللمواطنين الأكراد.

في حين يرى المراقبون ان خطوة المالكي هذه تمثل رسالة موجهة لقيادة الاقليم بأن كركوك لا يمكن ان تكون تابعة إلا لبغداد، في وقت تصر القيادة الكردية على كردستانية كركوك، وهو وبالتالي ما سيخلق مزيدا من التوتر في العلاقات المتوترة أصلا بين الإقليم وبغداد.

وتصاعدت حدة الخلافات بين الكتل السياسية حين تحولت من خلاف بين العراقية ودولة القانون إلى خلاف بين الأخير والتحالف الكردستاني، بعد أن شن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني منتصف آذار الماضي هجوما ضد الحكومة المركزية في بغداد واتهمها بالتنصل من الوعود والالتزامات، كما اتهم المالكي بالدكتاتورية والاستحواذ على المناصب الأمنية والسيادية في الدولة، ليرد المالكي وائتلافه باتهامات مماثلة.

وتعتبر كركوك، التي يقطنها خليط سكاني من العرب والكرد والتركمان والمسيحيين والصابئة، من أبرز المناطق المتنازع عليها، ففي الوقت الذي يدفع العرب والتركمان باتجاه المطالبة بإدارة مشتركة يسعى الأكراد إلى إلحاقها بإقليم كردستان، كما تعاني من هشاشة في الوضع الأمني في ظل أحداث عنف شبه يومية.