فشل إستراتيجية أوباما في مكافحة الإرهاب.. إستراتيجية اوباما الناعمة لحماية الإمن القومي

أطلق سراح جندي أمريكي  في الاول من يونيو 2014 كان مختطفا لدى حركة طالبان الافغانية منذ ما يقارب خمس سنوات في مقابل الإفراج عن خمسة معتقلين من قادة حركة طالبان من معتقل غوانتانامووقال الرئيس باراك أوباما إن قطر أعطت واشنطن ضمانات بألا يهدد قادة طالبان المفرج عنهم أمن الولايات المتحدة!

 إن الخطوة التي اتخذها اوباما تعكس التناقض الموجود في سياسة البيت الابيض، في الوقت الذي تحارب به الولايات المتحدة طالبان في افغانستان، هي تفرج عن خمسة سجناء من طالبان في "غوانتنامو" كجزء من صفقة الافراج عن الرقيب الاميركي. ومايزيد الشكوك حول مصداقية اوباما في حربه ضد الارهاب وإستراتيجية الامن القومي، انه حصل على ضمانات من قطر بضمانات لحماية امنها القومي! وهي سابقة في إستراتيجية الإمن القومي الاميركي وسياسات البيت الابيض. من جانب اخر ان اعطاء قطر ضمانات الى اميركا بعدم تهديد المفرج عنهم للولايات المتحدة، يعني ان ادارة اوباما تتعامل مع اطراف ومنها قطر وطالبان المتورطة في الارهاب وهو مايحرمه القانون الاميركي من اجراء اتصالات مع الجماعاعات المسلحة ويعكس درجة العلاقة مابين قطر وطالبان وكذلك المجموعات المتطرفة.  سبق الى قطر ان استضافت محادثات طالبان مع الولايات المتحدة في الدوحة عام 2013 رغم فشل تلك المحادثات. ماتشهده ادارة اوباما هو تراخي في قبضة السياسة الاميركية والحوار مع خصومها، رغم شن حروب شاملة ضدها.  لايستبعد ان تخضع ادارة اوباما للأستجواب من قبل الكونغرس، كونها تتعارض مع قوانين الولايات المتحدة التي تنص على عدم الاتصال بالجماعات المدرجة على قائمة الارهاب ومنها طالبان ويعتبر اخفاقا امنيا رغم ان بعض المراقبين اعتبرته" نجاحا دبلوماسيا". ويرى دبلوماسيون اميركيون، بان عملية تبادل الرقيب الاميركي، سوف يشجع عمليات ارهابية جديدة ضد الجنود الاميركان في افغانستان. العملية تذكر بعملية ايران كونترا عندما اجرت الولايات المتحدة اتصالات سرية مع ايران خلال الحرب العراقية الايرانية.

 

اعلان اوباما صندوق مكافحة الارهاب

 

أعلن الرئيس الامريكي باراك أوباما يوم 28 مايو 2014 تقديم بلاده خمسة مليار دولار لانشاء صندوق لـ مكافحة الارهاب ودعم جهود مواجهة التطرف حول العالم  وعرض في الخطاب الذي ألقاه في قاعدة "ويست بوينت" العسكرية خطط السياسة الخارجية. اكد فيه إن الأموال ستوجه بالاساس لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ودول شرق آسيا. وأضاف أن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان سيوفر بعض مصادر الدخل لدعم جهود مواجهة التهديدات الجديدة. لقد جاء الخطاب محاولة لاعادة صياغة دور واشنطن في الصراعات الدولية وعلاقاتها مع الدول التي التي تعاني  من مشكلة الارهاب وشدد  اوباما في خطابه على ضرورة تفعيل ادوات اخرى من بينها الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية وفرض العزلة واللجوء للقانون الدولي. إن سياسة اوباما في المنطقة فقدت الثقة عند حلفائها خاصة الدول الخليجية، في اعقاب الاتفاق الاميركي الايراني حول الملف النووي وغي اعقاب التوافقات مابين الطرفين. لذا بدئت بعض الدول الاقليمية، بأتخاذ قرارها بالانفراد بمواجهة الارهاب و"الجهاديين" في سوريا. فرغم اتخاذ واشنطن خطوات بتصحيح مسارات سياساتها إتجاه الازمة في سوريا وعلاقتها في المعارضة السورية السياسية والمسلحة وتزويدها ربما باسلحة مضادة للطائرات والدروع، فأن تلك السياسة تبقى متذبذبة.

 

القاعدة في الواجهة ثانية

 

سبق أن اعلنت الولايات المتحدة خلال ادارة بوش قرارها باعلان الحرب على الارهاب في اعقاب احداث 11 سبتمبر 2001 لكن رغم جهود الولايات المتحدة بوضع حد الى هذه الحرب وعدم جعلها مفتوحة فان الاحداث التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط وخاصة في سوريا يعيد الحرب على القاعدة ثانية للواجهة وهذا ما اعتبره البعض احدى الدوافع التي دفعت اوباما بتغيير قوانين اللعبة في سوريا بعد 05.05 2013. كما تعهد أوباما بزيادة دعم المعارضة السورية مشددا على أن واشنطن لا يجب أن تندفع في التدخل العسكري في دول اجنبية. وكشف مدير الاستخبارات الأمريكية الوطنية جيمس كلابر في شهر فبراير 2014، بان هناك حوالي سبعة ألاف مقاتل أجنبي في سوريا من نحو خمسين دولة من بينهم دول أوروبية وأمريكا الشمالية. وحذر "جيه جونسون" وزير الأمن الداخلي الأمريكي من أن الصراع الدائر حاليا في سوريا يمثل تهديدا للأمن القومي الأمريكي، مشيرا إلى عودة عدد من الأمريكيين إلى الولايات المتحدة بعد انضمامهم إلى صفوف المقاتلين في سوريا. وفي هذا السياق، أكد مسؤول امريكي في 31 مايو 2014 ان مواطنا اميركيا نفذ هجوما انتحاريا في سوريا، في حادث يعد الاول من نوعه منذ بدء النزاع هناك. واعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جنيفر بساكي في بيان أن المواطن الاميركي المتورط في التفجير الانتحاري هو منير ابو صالحة. وكان تسجيل فيديو نشرته جبهة النصرة في  26 مايو 2014 أظهر ما يسمى أبو هريرة الاميركي خلال عملية تنفيذه الهجوم الذي كان بشاحنة مفخخة في مدينة ادلب.

 

تقليص ميزانية الانفاق العسكري

 

حاول اوباما خلال  فترته الثانية في البيت الابيض، ديسمبر 2012 ، ألى وضع نهاية الى الحرب على الارهاب، وادلى بعض المسؤوليين المعنيين بالاستخبارات بان القاعدة لم تمثل خطر على الولايات المتحدة، رغم انها كانت مجرد تصريحات للمسؤوليين اكثر مما كانت قرارات او مشروع قرار لغرض اعتماده.  كذلك سعت ادارة اوباما ضمن نفس السياق بأغلاق معتقل غوانتنامو والذي كان يضم عناصر وقيادات القاعدة. هذه الخطوات جميعها جائت محاولة من اوباما لاعادة رسم وجه الولايات المتحدة في الخارج اكثر اعادة رسم أستراتيجيات اميركا الجديدة القائمة على الحوار ومهادنة الخصوم  وتقليص ميزانية الانفاق العسكري.

الولايات المتحدة عملت على تقليص عدد قواتها واعادة نشرها بل سحبها الى الداخل  في خطة  لأعادة تنظيمها من الداخل لمواجهة التحديات الاميركية الجديدة في اسيا والتحديات الاقتصادية مع الصين اكثر من البقاء عالقة في الشرق الاوسط. هذه السياسة من شانها تقلص تواجد القوات الاميركية وقواعدها  في الشرق الاوسط ومنها قاعدة ألعديد في قطر. لكن هذا لايعني ابدا اغلاق قواعد اميركية، فستبقى حريصة على ابقاء قواعدها العسكرية البرية والبحرية ولكن باعداد وميزانية اقل، هذه الستراتيجية من شانها تقلص اهمية قطر في ألمنطقة. لقد وصلت ألولايات المتحدة الى هذه القناعة  بعد ان حققت عمليات "ألدرون " طائرة بدون طيار أهدافها بقنص قيادات القاعدة  في أفغانستان واليمن، رغم انتقادات المنظمات الدولبة وحقوق الانسان باعتبارها تمثل عمليات قتل دون محاكمات. وتأتي هذه التصريحات في وقت تعيد واشنطن النظر في حجم القوات العسكرية التي يتعين عليها الإبقاء عليها في أفغانستان عند انتهاء مهمة حلف شمال الأطلسي القتالية هناك في عام 2014.

 

الحرب على القاعدة لاتفرض شن حرب شاملة

 

أكدت وكالة المخابرات المركزية والبنتاغون بأن محاربة القاعدة ستظل المهمة الرئيسية في السنوات القادمة، وحذرت من محاولة مقاتلي التنظيم  شن هجمات جديدة في أفغانستان، في حين قال محامي وزارة الدفاع الأميركية، إن الحرب ضد القاعدة لا ينبغي النظر إليها على أنها صراع بلا نهاية. كما اعلن برينان John O. Brennan، رئيس وكالة الإستحبارات المركزية الاميركية في يونيو 2011، ان ادارة باراك اوباما ترى ان مهمة تصفية شبكة القاعدة بصورة تامة، التي تنص عليها الإستراتيجية الامريكية  الوطنية لمكافحة الارهاب، لا تفرض على واشنطن شن حرب شاملة. واضاف برينان ان الولايات المتحدة تعتبر ايران وسورية من الممولين الرئيسيين للارهاب في العالم. واشار مساعد الرئيس الامريكي الى ان الاستراتيجية "تعترف بان هناك تنظيمات وبلدانا صغيرة تدعم الارهاب لتقويض المصالح الامريكية".

في اعقاب فوضى الربيع العربي 2011، لم تعد القاعدة تمثل خطرا وتهديدا على الغرب والولايات المتحدة، بقدر تحولها الى تهديد وماكنة قتل الى شعوب منطقة الشرق الاوسط، لا تستثني ديانة او مذهب او طائفة. الانتقادات الموجهة الى ادارة اوباما في مواجهة القاعدة والتنظيمات "الجهادية" تحديدا في سوريا، بانها سياسة غير ثابتة ومتذبذبة واقل حزما وهذا ما شجع القاعدة و"الجهاديين" بالاستقواء في سوريا وفرض سيطرتها، بعد قراءة استباقية الى سياسة اوباما القائمة على مهادنة الخصوم وعدم نشر القوات الاميركية بشكل واسع في مناطق النزاع.

 

تراخي قبضة اوباما في مكافحة الارهاب

 

إن قبضة اوباما في الشرق الاوسط خلال " ثورات الربيع العربي" شهدت الكثير من التراخي، هذا لم يكن من فراع بل بسبب ضغوطات تقليص الميزانية واعادت نشر القوات الاميركية. رغم ان اوباما استطاع تحقيق ما لا يستطيع سلفه بقتل اسامة بن لادن في مايس 2011 في عملية قوات النخبة في بلدة " ابوت أباد" الباكستانية، كذلك عملية اغتيال العولقي في اليمن 2012 وغيرها من قيادات القاعدة في باكستان وافغانستان واليمن والصومال. ادارة اوباما اتبعت الإستراتيجية  الناعمة  في مواجهة التحديات الكبيرة . هذه السياسات وتحدي الصين للولايات المتحدة في اسيا وافريقيا ومناطق اخرى جعلت الولايات المتحدة ان تجد نفسها عالقة في الشرق الاوسط، هكذا جاء انسحاب اميركا من العراق اواخر 2011 والتخلي عن الاتفاقية الامنية مع العراق لتنفض الولايات المتحدة يدها من العراق خاسرا امام السيطرة الايرانية. وهي ذات الاسباب التي دفعت ادارة اوباما اعلان انسحابها المشروع من افغانستان عام 2014 بل الحوار مع طالبان في مفاوضات الدوحة.  اعتبرت صحيفة   USA Today أن العراق قد يكون شكل نموذجا سارت عليه الإدارة الأمريكية في طريقة الانسحاب من أفغانستان، حيث كانت بمثابة تجربة تحذيرية بالنسبة للولايات المتحدة. ان ما حدث في العراق يعكس إستراتيجية أوباما في إبرام شراكات مع الحكومات الأجنبية من أجل محاربة المتطرفين بدلا من الالتزام بتخصيص قوات كبيرة بالخارج. وقد خلفت  إستراتيجية اوباما في مكافحة الارهاب، خيبة الأمل إزاء احتلال العراق وأفغانستان إحساسا متعمقا بالإرهاق لدى الرأي العام.  إن إستراتيجية مكافحة الإرهاب الأمريكية منذ 11 سبتمبر2001 كانت  تنقصها الدراسة الشاملة والمعرفة بتفاصيل المناطق والدول التي تشهد  تهديد الارهاب والقاعدة  ابرزها  أفغانستان والعراق.

إن مايشهده العالم اليوم من موجات ارهابية، ممكن ان تتحمله سياسات الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة، رغم تورط اطراف اقليمية بأثارة حالات عدم الاستقرار وتأجيج المواجهات الطائفية. إن استعراض الارقام واحصائيات ضحايا الارهاب مابعد 11 سبتمبر ومابعد احتلال العراق وافغانستان، يعكس حجم الاثار السلبية لسياسات واشنطن في مواجهة الإرهاب. القاعدة والتنظيمات "الجهادية" كانت دوما تستغل وتوظف انتشار القوات الاميركية على الارض لصالحها، ضمن باب "المقاومة". خلالها نجحت القاعدة و"الجهاديين" بأستثمار بعض الممارسات الخاطئة للقوات المنتشرة وانتهاكات جنودها التي يمثل المرتزقة نسبة كبيرة في داخلها. التحقيقات اثبتت بأن الصور المروعة من داخل مناطق النزاع خاصة الاطفال والنساء، كانت تمثل مادة جيدة الى "الجهاد" الاعلامي للقاعدة و"الجهاديين".

إن ارتخاء قبضة ادارة اوباما في منطقة الشرق الاوسط، ربما ياتي في اعقاب انتباهها الى الخطر الصيني وتحول اهتمامها الى جنوب اسيا. ادارة اوباما منذ عام 2011 وانسحابها من العراق وكأنها تنفض يدها من الشرق الاوسط، وربما هذه السياسة كانت وراء مهادنة واشنطن طهران في ملفها النووي. اما ما يتعلق في الازمة السورية، فقد كانت سوريا بالفعل تمثل الخيارات الاسوء لادارة اوباما، اتسمت بعدم الثبات وفي تغيير موازين اللعبة والتحالفات اكثر من مرة. يبدو ان اوباما يريد ان ينهي فترة حكمه الثانية بدون شن حرب شاملة في اي من دول النزاع، خلالها تم تقليص نشر القوات وميزانية الدفاع وكأنه يريد ان يرسم وجه جديد للولايات المتحدة ربما على عكس سياسة جورج بوش التي اتسمت بنشر القوات في مناطق واسعة في العالم، وهذا يعني ان ماتبقى من فترة حكم اوباما سوف لايشهد عمليات عسكرية واسعة ابرزها في سوريا، لكن ستقوم على ايجاد تعاون وشراكة مع بعض الدول الاقليمية لمواجهة التنظيمات "الجهادية" والقاعدة.

جاسم محمد: باحث في قضايا الإرهاب والإستخبار