لن أملّ من الحديث عن البرلمان، ودوره، وأعضائه، فهو عندي بمثابة إله ذي النفوذ الأكبر، بل هو عندي يمثل الله في الأرض، وحيث يسمي الفقهاء الله جلّ وعلا بـ"الشارع المقدس" فإن الاسم الحقيقي للبرلماني هو الشارع المفوّض الذي أعطته الناس وكالة نيابية ليضع لها تشريعات ونظماً تضمن حقوقها، وترتقي بحرياتها وكراماتها وتنهض بعمران العباد والبلاد. البرلمان هو الشعب مختصراً ببضعة أشخاص، البرلمان هو من يشكل هوية الشعب، ويرسم صورة الأمة ويحدد مساراتها وسمعتها بين الأمم الأخرى. ولهذا قيل كيفما تكونوا يولى عليكم، لأن حكمة الشعوب تتجسد في اختيارها لمن يتولى أمورها، وجهلها بجهلهم، حتى يمكن القول: قل لي ما برلمانك أقل لك أي شعب أنت وأي حياة تعيش. ورغم أن للمشرع البرلماني دور الشارع المقدس، ورغم ما يضطلع به البرلمان من مهام في غاية الأهمية فان العراقيين ما زالوا يعيشون ذهنية الاستبداد وعقلية الدكتاتورية، فيظنون أن رئيس الحكومة هو المسؤول الأعلى في الدولة، ويعتقدون أن على من يريد التغيير في العراق أن (يسيطر) على رئاسة الوزراء. ومثلما رسخ نظام البعث فكرة القائد الضرورة وغيب تماما دور السلطات الثلاثة الأخرى: التشريعية والقضائية والصحفية، عملت الدورات البرلمانية السابقة (التي تلت 2003) على تغييب دور البرلمان وتحجيم دوره وشل حركته حتى لم يعد البرلماني إلا مشروع لقاء إعلامي غير ذي جدوى على شاشات القنوات الفضائية، أو مشروع خلاف مستمر حول قضايا سياسية لا قيمة وطنية حقيقة لها. يبدو أيضا من خلال مجريات الدورات البرلمانية أن أكثر ما يفعله البرلمانيون العراقيون لا يعدو الحديث عن الخلافات السياسية، ومبارزة (الكتل) البرلمانية الأخرى كلاميا خارج قبة البرلمان بدلا من التنافس معها، (أو العمل معا) لإقرار تشريعات ترتقي بأداء السلطات التنفيذية والقضائية والصحفية، ومردّ ذلك أن الغالبية العظمى من البرلمانيين العراقيين وصلوا إلى البرلمان من دون رؤية واضحة لعمل النائب في البرلمان، منفرداً ومجتمعا مع زملائه ورفاقه الذي يمثل معهم (عرف أم لم يعرف) هموم وطموحات وأهداف العراقيين كلهم دون استثناء. ثمة فريق آخر من البرلمانيين يمتلكون رؤية وأهدافا جاؤوا لتحقيقها برلمانيا، إلا أن انخراطهم في دهاليز (الكتل النيابية) عطل كل مشاريعهم، وأفسد كل آراءهم للتغيير، ووضعهم أمام تحدٍّ جديد متمثل في خروجهم عن سلطة رئيس هذا التكتل، أو تأثير زعامة هذا الكيان الافتراضي، ما يعني لبعضهم الضياع التام والخسارة الفادحة، وربما فقدان الأمل بأية منافع يمكن أن يكسبها من وجوده في البرلمان. ثمة مداهنات واضحة بين (الكتل) البرلمانية، يقف البرلمانيون أمامها فرادى دون أن يتصدى أحد منهم إلى جمعهم أو تذكيرهم بأن عددهم الكبير قادر على صناعة المعجزات الإدارية لبلاد خربة تحتاج إلى هذا النوع الفاعل من المعجزات. ولا يزال التحدي الكبير قائما أمام البرلمانيين الفائزين في الانتخابات الأخيرة، بل لا يزال الأمل الشعبي متعلقا بهم في إحداث التغيير الأكبر انطلاقا من قبة البرلمان، ولأجل هذا على كل برلماني أن يستغل هذا الوقت للتواصل مع زملائه البرلمانيين دون النظر إلى القائمة التي انتخبوا لأجلها، لأن جميعهم انتخبوا ليعملوا كفريق عمل واحد من أجل عراق واحد، وما دام قانون الأحزاب على رف التأجيل البرلماني، فإن الدستور العراقي هو الحكم الوحيد في تحديد وظيفة كل برلماني اختاره الشعب لخدمته، لهذا على كل برلماني أن يعرف وظيفته جيداً قبل أن يدخل قبة البرلمان.
|