مواقف مع الامام الحسين(عليه السلام).. حيدر الفلوجي

بسم الله الرحمن الرحيم
ذكريات في ثمانينيات القرن المنصرم
كانت حافلات النقل تنطلق بنا من مدينة الكاظمية المقدسة متوجهةً نحو كربلاء المقدسة في كل يوم خميس من بعد الظهر، وذلك لأداء مراسم زيارة الامام الحسين وأخيه العباس بن علي بن ابي طالب(عليهم السلام)، ثم تعود الحافلات بنا الى الكاظمية ولنفس المكان الذي انطلقنا منه،ولكن في ساعة متأخرة من مساء نفس اليوم (ليلة الجمعة). وغالباً ما يكون طريق الحافلات لنقل زوّار الامام الحسين الى كربلاء عن طريق قضاء المسيب لزيارة مرقدي أبناء مسلم بن عقيل(عليهم السلام)، ثم لتنطلق الحافلات متوجهة الى كربلاء، وتسمى تلك الحافلات ب (سيارات المرَجّع).
وعندما كنت أعود من الژيارة وارجع الى بيتنا، كنت اشعر بالقلق الذي كان ينتاب والدتي(العلوية المرحومة) بسبب خوفها عليّ من تلك الزيارات، لأن تلك الزيارات في ذلك الوقت كان يؤدي الى اعتقال الزائر ومن ثم إعدامه، وهذا ما حصل في تلك الفترة للكثيرين من زائري الامام الحسين(عليه السلام)في مناطقنا في فترة حكم الطاغية صدام حسين إبان فترة الثمانينات من حكمه.
وعند عودتي للبيت وحصول المرحومة الولادة على الإطمئنان بسلامة عودتي، كانت تأخذني الى غرفة المرحوم والدي،(المريض) لتقول لي : ضع يدك على رأس والدك واقرأ له شيئاً من الدعاء لأنك قادمٌ للتو من قبر أبي عبد الله الامام الحسين وأخيه(عليهم السلام)، وكنت أقوم بذلك آنذاك، وكانت النتائج لذلك الدعاء إيجابية وكنا نحصل على كرامات تلك الممارسات،
واستمرت تلك العادة حتى لحظة خروجي من العراق، وفي واحدة من السنين وفي أثناء زيارة الأربعين للإمام الحسين(عن)، كنت قد اتفقت مع بعض الاصدقاء لزيارة الامام الحسين ولكن تكون زيارتنا مشيّاً على الأقدام من بغداد الى كربلاء، وكان الوقت يستمر لثلاثة ايام(ليلتان ونهاران)، وكانت الزيارة آنذاك تعتبر تحدياً لحكومة البعثيين، وربما كانت تؤدي الى اعتقال الزائر قبل وصوله الى كربلاء المقدسة لينال شرف الشهادة او عز الإعتقال في طريق أبي الأحرار(ع).
وغالباً ما كان يحصل ذلك في طريق الامام الحسين(ع).
هذه مقدمة احببت ان اذكرها قبل ان أتحدث عن بعض المواقف مع أبي عبد الله الحسين(ع).
وواحدة من تلك المواقف هي انني عندما كنت أسير مشياً وصلت الى قضاء المحمودية ليكون مبيتنا في تلك الليلة في احدى الحسينيات هناك.
وبعد مبيتنا في تلك الحسينية انطلقنا بعد صلاة الفجر وعبر طريق المزارع نحو كربلاء مروراً بقضاء الإسكندرية، وأثناء طريقنا كنتُ قد تعرّفت بمجموعة من الزائرين وكنا يتحدثون فيما بينهم عن كرامات تلك الزيارة، وصار كل واحد منهم يذكر تجربته وما لمسه من كرامة بسبب تمسكه بزيارة الامام الحسين، وكانت النوبة في الحديث لرجل يمشي مسرعاً، وقال : اسمعوني جيداً والله اني كنتُ قد أصبت بالشلل في سنة من السنين ولكنني كنت معتاداً على زيارة الامام الحسين مشياً على الأقدام عند كل اربعينية للإمام، وعندما أصبت بالشلل وبعد فترة جاء وقت زيارة الاربعين، وكنت عاجزاً عن الحركة ولكن ببركة الامام الحسين قد عافاني الله لأنني قد أصررت على المشي وانا على تلك الحالة ، وقلت في نفسي حتى ولو أدى المشي بي الى الموت فإني سوف أستلذ به( انتهى كلامه)،
ثم أراد الرجل ان يثبت لنا صحة كلامه قام بكشف القميص عن ظهره ليبين لنا ما به من أثر في ظهره، حيث يوجد تهشم في أسفل الظهر من العمود الفقري وتوجد منطقة فراغ بين الفقرات وذلك ما أدهشني ، ولازلتُ أتذكر تلك اللمسات التي لامستُ ظهر ذلك الرجل بيدي وانا متعجب شديد العجب من كيفية حركة ذلك الرجل مع وجود ذلك الفراغ الحاصل بين الفقرات في ظهره، وكنت أتحدث معه وهو يقول : ان هذا الشيء الذي انت متعجب منه فقد تعجب غيرك منه وهم من ذوي الاختصاص من الأطباء، وذكر بأن الامام الحسين معاجزه لا تُحصى ....

ومن المواقف مع سيد الشهداء في تلك الرحلة من الزيارة، هي اننا حينما وصلنا الى كربلاء وبعد دخولنا الى الصحن الشريف لمرقد الامام الحسين(عليه السلام)، وكان حالنا متعباً وذلك بعد رحلة شاقة مروراً بالقرى والأرياف، والطرق المعبدة وغير المعبدة، وكان ذلك لطلب الأجر والثواب، ولإعلان موقف...
وكانت ملابسنا ومظاهرنا قد أصابها التراب وشيئاً من الطين والمهم اننا قد دخلنا في الصحن الشريف من الجهة الغربية من مرقد الامام الحسين ع، وأظنها باب الحر بن يزيد الرياحي.
وبعد ان أصبحنا في وسط الصحن الشريف وكان مكتظاً بالزائرين وبينما نحن كذلك فوجئنا بأننا قد أوقفتنا مجموعة من الرجال وهم يرتدون ملابساً عربية (الزي الريفي)، وكان بيد احدهم مسدساًكان قد غطّاه بإحدى الصحف، وكان معه مجموعة من الرجال تأتمر بأوامره، فقال : أوقفوا هؤلاء وأشار إلينا ، فأحاطتنا تلك المجموعة من الجلاوزة وكأننا أصبحنا عبيد عندهم، وصاروا يتكلمون معنا بكلام قاسٍ، وأخذونا الى الباب التي دخلنا من عندها الى الصحن الشريف، وقال كبيرهم لجلاوزته اجلبوا لنا سيارات تكفي لهؤلاء لنقلهم، فأوقفتنا مجموعة، وذهبت مجموعة لجلب السيارات لإيقافها بباب الصحن الشريف ليتسنى لهم إخراجنا من الصحن الى السيارات مباشرةً، وبينما نحن ننتظر قدوم الجلاوزة ونحن وقتذاك لا ندري ما سيكون مصيرنا، ولكنني بذات الوقت تذَكرتُ حال والدتي (العلوية) وانتظارها لي وقلقها عليّ عندما كنت اذهب الى الزيارة، وقلت في نفسي: تُرى ماذا سيكون حالها اذا علمت باعتقالي من قبل هؤلاء؟ وماذا سيكون حال والدي المريض عندما يسمع بمصيري المجهول الذي ينتظرني بعد اعتقالي ، وصرتُ أفكر بما سيحدث لأهلي، وأثناء ذلك الانتظار حانت منّي إلتفاته نحو قُبَة الامام الحسين(ع)، وناجيتُ الامام الحسين بقلبي، وقلتُ له: سيدي أبعد كل ما لاقيناه من وعثاء تلك الرحلة ومخاطر ذلك الطريق وما يحوف به من مشاق، وكان قصدنا زيارتك، فهل يكون ذلك بأن تتركنا بأيدي هؤلاء المجرمين؟ وخصوصاً ونحن في صحنك الشريف ؟ وكنتُ أناجي بقلبي وانتظر المصير المجهول، وبعد قليل من مناجاتي لسيد الشهداء، جاء أمر طاريءٌ لتلك الجماعة وسمعنا بحالة إنذار عندهم، وأصبحوا منشغلين بأمور اخرى لا تخصنا، وجاء هم امرٌ آخر يطلبون منهم مركبات إضافية ، وبعد لحظات جاءهم امرٌ بأن يحضروا الى مكانْ ما، وأصبحت فوضى الأوامر تشغلهم عنا، ولكنهم لم يتركونا بالرغم من كثرة الأوامر التي تلقونها، وكل لحظة يأتيهم واحد من جلاوزتهم بأمر جديد الى ان أصبحوا متحيرين بنا ، ليس لديهم وسيلة لنقلنا من جهة، ومن جهة اخرى فإن هناك سلطات اعلى منهم أرسلت بطلبهم، وبين هذا الامر وذاك، قام كبيرهم ووجه كلامه إلينا قائلاً : اسمعوا جيداً : اننا سنطلق سراحكم هذه المرة ولكننا اذا رأيناكم في كربلاء مرةً اخرى فوالله ما راح تشوفون نفس بهذه الدنيا. وبعدما أسمعنا كلاماً لاذعاً: صرخ يوجهنا وقال :(ارجعوا من وين ما أجيتو).
ثم تركنوا وذهبوا بالسيارات التي أعدوها الينا. وبعدها شاهدوا خروجنا من الصحن الشريف، واختلطنا مع الزائرين في وسط الزحام. كانت تلك اللحظات بالنسبة إليّ هي لحظات اجابة الامام الحسين لمناجاتي وهي واحدة من الكثير من المواقف التي شاهدتها مع أئمة الهدى اثناء رحلتنا في هذه الحياة.
وهذا الموقف مع أبي عبد الله احببتُ ان اذكره في ذكرى ولادته(عليه السلام) ، وانا على يقين ان لكل مسلم له العديد من الملفات بهذا الشأن وخصوصاً محبي آلِ بيت الرسول( صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين).