أغلب ما يأتي من أخبار عن العراق يحتاج لغربلة وتدقيق بحثا عن حقيقة، فقد بات الشارع العراقي وبالذات السياسي منه ملعبا واسعا لمختلف أنواع الإشاعات، وأصبح العراق بمصائبه وعديد نكباته مادة دسمه للأعلام، ولكن وفي الغالب لا يمكن الركون لليقين فيما يأتي منها، وأختلط الحابل بالنابل في نقل وتحليل الأخبار ،لذا تتقدم الشكوك والريبة عند أي خبر يرد أو يطرح في وسائل الإعلام. وواحدة من تلك المساوئ تضارب التصريحات حتى بين أوساط مجموعة أو طرف سياسي واحد معنية بالحدث. تصريح صدر عن التيار الصدري وكتلة الأحرار يقول : إن مجلس أمناء كتلة الأحرار أتفق على أن يكون السيد محافظ ميسان السيد علي دواي مرشح لرئاسة الوزارة العراقية كبديل للسيد المالكي داخل التحالف الوطني. وقد أحدث هذا الترشيح سجالا بين السيدة حنان الفتلاوي الناطقة بلسان رئيس الوزراء والسيد علي دواي، انتهى بتصفية المتعلقات بالاعتذار والتراضي. وعلى ذات المنوال هناك أخبار عديدة عن ترشيح الأحزاب والقوائم السياسية للبعض من قيادييها لرئاسة وزراء العراق. ولكن لحد الآن فالجميع بانتظار التحالفات القادمة وطبيعة التشكيلة السياسية التي تقود المرحلة بعد أن إسدال الستار على سابقتها وظهرت نتائج الانتخابات التي أفرزت ما يدفع العملية السياسية إلى التباس شائك يتأرجح بين كتلة أغلبية أم إعادة لطبيعة الشراكة المحاصصية. ليس من الصعب تقييم منجز السيد دواي وغيره من إداري السلطة في جميع المحافظات ومثلها باقي مؤسسات الدولة، فالشواهد على أرض الواقع تفصح عن حقيقة الأمور لا بل تفضح الكثير من العورات والقصور. وفي حالة السيد دواي ومع احترامي لشخصه وما قدمه وأنجزه من خدمات لأهالي العمارة، فأن حدود قائمقامية العمارة لا يمكن للمرء مقارنتها بحدود مدينة بغداد فكيف الحال أذا أريد المقارنة مع مجموع استحقاق خدمات جميع محافظات العراق ولنا خير مثال في تجربة من تولى سابقا وحاليا رئاسة وعضوية مجلس محافظة بغداد التي أصبح معهم حال العاصمة يدمي القلب. أيضا فإدارة الدولة العراقية لن ولا يمكن اختصارها بالخدمات والأعمار فهناك مستحقات بأحجام كبيرة لن يكون للسيد دواي وأمثاله من القادة خريجي الأحزاب السياسية والكتاتيب الدينية احتواء حتى البعض منها دون أن يتصدى لها طاقم إداري كفؤ ومهني ومتجانس. وتلك العلة مع قلة الخبرة وضعف الدراية والمهنية وفروض المحاصصة الحزبية واختلاط السياسي بالديني بالمهني، كانت دائما من الأسباب الرئيسية في أمراض وفشل حكومة السيد المالكي رغم عمرها الذي أمتد لثمان سنوات، والذي تكررت فيها ذات المشاهد التي مورست في عهد الطاغية صدام حسين، حين استوزر الجهلة والأميين من الحزبيين ورعاع القوم من مثل عزة الدوري وطه الجزراوي وعلي حسن المجيد وحسين كامل وحمزة الزبيدي وغيرهم لإدارة الدولة وليقودوا الآمة العراقية من فشل إلى فشل ومن خراب إلى خراب على وقع شعارات عملك شرفك ومن لا يعمل لا شرف له... والرجل المناسب في المكان المناسب وغيرها من فنتازيا المضحك المفزع المبكي. أعتقد أن العراق وشعبه بحاجة لشخصيات علمية ومهنية ( تكنوقراط ) لا علاقة لها بتأريخ يتوكأ على نضال حزبي ووشائج شخصية وعشائرية ودينية وضجيج أعلامي وصراع دعائي تتغلب فيه شيم وقيم البداوة والعصبية الطائفية. وشعب العراق يستحق وينتظر من مختلف قواه السياسية ونخبه الواعية إن كانت تحمل حقيقة حرصا وطنيا، أن تضعه واحتياجاته في مقدمة مشاريعها لتنجز له خير ما يستحق من خدمات، وأن تقدم له خيرة نسائها ورجالها من أصحاب الخبرة والدراية لأجل التصدي بقدرات ووعي ومهنية لما يواجهه من تحديات كبرى في مقدمتها أعادة الثقة بين أبناءه من طوائف وأثنيات، وقبلها بين قواه السياسية، والوقوف بحزم وحكمة لمواجهة ما يتعرض له من مخاطر بسبب الإرهاب والمشاريع الإقليمية والدولية الساعية لإفشال تجربته في إعادة بناء الدولة على وفق الهوية الوطنية وسلطة القانون الضامنة لحقوق الإنسان والحافظة للحريات المدنية . وأجزم بأن طوائف وشرائح واثنيات العراق، تحوي الكثير من الشخصيات ذات الخبرة من المخلصين والجديرين بالثقة، يستطيعون أن يقدموا لإدارة مؤسسات الدولة جل معارفهم وخبراتهم، ولن يتم هذا دون أن يتخلى ( السياسيون ) عن الضجيج الإعلامي والنفس الحزبي القصير والابتعاد عن العواطف الشعبوية الطائفية التحريضية والمناكفات الإعلامية والأحقاد والمصالح الحزبية والشخصية، ولن يتم هذا أبدا دون أن يضعوا العراق والهوية الوطنية في مقدمة مشاريعهم وفي أولوية مناهجهم الفكرية والعملية.
|