مشكلة الحكم في العراق.. هل تكمن المشكلة حقا في مَن يحكم العراق أم في كيف يُحكم؟ |
تبدو مشكلة الحكم في العراق واحدة من أكثر المشكلات التباسا واشدها تعقيدا. وسيكون من الصعب التحدث عن امكانية حل مشكلات ذلك البلد المصيرية ما لم تُحل مشكلة الحكم فيه. وإذا ما عرفنا أن الطبقة السياسية بشقيها، الحاكم والمحروم من الحكم، تعترف بين حين وآخر بوجود أزمة تعيقها بدرجة أو بأخرى عن القيام بواجباتها الخدمية فان النظر إلى تلك المشكلة سيأخذ ابعادا أخرى تتعلق ببنية النظام الذي لم يُقم على أساس خدمي، بقدر ما جاء انعكاسا لآلية تقاسم السلطة ومن ثم منافعها بين فرقاء جمع بينهم المحتل الاميركي لتنفيذ بنود من مشروعه الاستعماري، مترجمة بلسان محلي. كان سياسيو مرحلة ما بعد الاحتلال لاميركي لا يخفون رغبتهم في أن يروا نهاية لنظام المحاصصة الطائفية والعرقية، لا رغبة منهم في العودة إلى النظام الوطني ذي البعد المدني، بل لأن كل فريق منهم كان يسعى إلى أن ينفرد بالحكم كله. وهو المعنى الذي كان رئيس الوزراء المالكي يطرحه لتفسير مفهوم الأغلبية السياسية. وقد لا يكون مفاجئا لمَن لا يعرف جيدا الخلفية النظرية للمالكي إذا ما قلنا إنه لا يقصد الشيعة حين يتحدث عن الاغلبية السياسية بل يقصد بالتحديد حزب الدعوة، وهو الحزب الطائفي الذي يتزعمه المالكي نفسه. ذلك الانحياز الحزبي يكشف عن أن مشكلة الحكم في العراق التي بدأت من فكرة معاقة، قوامها تقاسم الاحزاب الموالية للمحتل على اساس تمثيلها الصوري لطوائف العراق وقومياته قد انتهت إلى انتهاز فريق بعينه لفرصة وجوده في السلطة للبقاء فيها إلى الابد، لا لشيء إلا لانه استطاع أن يوظف أموال العراق التي وقعت بين يديه في شراء الاصوات الانتخابية، منتهكا ضمائر العراقيين من خلال مكرمات غير قانونية أعادتهم أخلاقيا إلى الوراء. من المستحسن أن لا نتهم المالكي وحزبه بإذلال العراقيين، ولكنه الوصف الصحيح لما فعلاه أثناء مرحلة الدعاية الانتخابية. ولأن المالكي قد وضع السلطة القضائية تحت ابطه فإنه يدرك أن لا أحد سيحاسبه على ما قام به، على الاقل في الوقت الحاضر، حيث يقف قلقا في انتظار الاتفاق الاميركي ــ الايراني في شأن مَن يحكم العراق في المرحلة المقبلة. ولكن هل تكمن المشكلة حقا في مَن يحكم العراق أم في كيف يُحكم؟ أعتقد أن العراقيين قد أخطأوا مرات عديدة حين لم يستجيبوا لمؤشر بوصلتهم الوطنية بعد أن اصابهم الضغط الاعلامي بالعمى الطائفي. الامر الذي شجع المالكي وحزبه على أن يضيقا الخناق على الطائفة التي يدعيان تمثيلها ليكونا الممثلين الشرعيين الوحيدين لها. وهو ما يعني أن المالكي وحزبه قد نجحا في اختطاف شيعة العراق، من غير أن يقدما دليلا واحدا على رغبتهما في أن يلبيا جزءا ولو صغيرا من تطلعات ناخبيهم. لقد اُنجز كل شيء على هيأة صفقة، المالكي وحزبه وحدهما هما الرابحان فيها. لقد اُختزلت المشكلة فجأة في مَن يحكم العراق، ولم تكن هناك أية فكرة عن الطريقة التي يحكم من خلالها هذا الفريق أو ذاك بلدا هو أقرب ما يكون إلى مقبرة من أن يكون مشروع حياة. واقع كارثي يعيشه الأحياء في انتظار لحظة يكون فيها الموت هو الحل. كانت الانتخابات الاخيرة اختبارا مصيريا فشل العراقيون في اجتيازه. وهو فشل كان مقررا سلفا. فما طُرح عليهم من خيارات سياسية لم يكن في كل الاحوال ليمثل خروجا على حدود خارطة الشر التي رسمها المحتل. ربما قال العراقيون لأنفسهم "ما جربنا شره خير ممن لم نجرب خيره" وهي مقولة تعكس ما انتهى إليه العراقيون من يأس. فمَن يخلف المالكي في الحكم لن يكون قادرا على حل مشكلته السلطوية ليتفرغ لحل مشكلات بلد استقرت فيه الخدمات الأساسية في الحضيض. |