ارتكاز تنظيم القاعدة على الإستخبارات.. القاعدة تعتمد الإستخبارات اكثر من القدرة العسكرية |
إعتقلت جبهة النصرة مطلع شهر مايو 2014 في سوريا العقيد أحمد النعمة قائد مجلس درعا العسكري التابع للمعارضة إضافة إلى خمسة آخرين من قادة الألوية والكتائب المقاتلة. العقيد النعمة الذي عرف بانتقاده للمتشددين، كان قد إنتقل من الحدود الجنوبية إلى درعا في وقت سابق للعمل على توحيد مقاتلي المعارضة السورية في المنطقة، وقد استثنى جبهة النصرة من هذا الموضوع. إن اعتقال النعمة في طريقه عبر الحدود الجنوبية الى داخل سوريا من قبل جبهة النصرة يمثل خرقا امنيا استخباريا، اي ان النصرة كانت لديها متابعة الى حركة النعمة وجدول زيارته من قبل من خلال مصادر داخل " الجبهة الجنوبية" والجيش الحر وربما داخل خارج الاراضي السورية، مكنتها من متابعة النعمة واعتقاله. ان حصول جبهة النصرة على تفاصيل عن مسؤول بحجم احمد النعمة، يعكس مدى اعتماد النصرة على البيانات والمعلومات اكثر من القدرة العسكرية. يشار إن النصرة ولدت من رحم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" والاخيرة هي من اكثر التنظيمات اعتمادا على الامن والاستخبارت حتى وصفت بشراستها الاستخبارية. داعش تعتمد الامن والاستخبارات مهنيا داخل تنظيمها ضمن سلسلة محاضرات ودورات خاصة يشرف عليها مقاتلون يتمتعون بخبرة عسكرية، وهذا ما كان وراء صعود الحاج ابو بكر الشخص الثاني في التنظيم المسؤول عن امن البغدادي وعن تدقيق وفحص قيادات التنظيم من احتمالات تعرضهم للأختراق او تورط بعضهم بالعمل الى اطراف خارجية. وفي إصدار الى مؤسسة الملاحم للإنتاج الإعلامي في شهر مايو 2013، بعنوان حصاد الجواسيس، تحدث فيه مايسمى "مندوب الجهاز الأمني لتنظيم قاعدة الجهاد في اليمن وجزيرة العرب" يؤكد فيها اعتمادهم خلايا استخبارية اي شبكة عمل استخبارية داخل المجتمعات تقوم بجمع المعلومات عن قيادات الدفاع والامن والداخلية والامن السياسي في اليمن وكذلك عن الاشخاص الذين يتعاونون مع الحكومة اليمنية. ذكر المندوب الامني، بان جهاز الامن في التنظيم يقوم في اعقاب كل عملية بدون طيار او عمليات عسكرية اخرى تستهدف قياداتها، بمراجعة استخبارية الى علاقات قيادات القاعدة ولقائاتها والاشخاص المشتبه بهم، بزرع شرائح اتصالات ترسل ذبذبات عبر ال GPS Global Positioning System) أو جي بي أس ( لتعطي دلالة حركة عجلات تنظيم القاعدة، لتقوم باعتقالهم والتحقيق معهم وتصفيتهم. وفي مصر في يضطر ضباط الاستخبارات من تغيير محل سكنهم خارج المناطق التي كانوا يسكنون فيها بسبب قيام تنظيم القاعدة والاخوان عبر شبكة عملائهم الاستخبارية بجمع المعلومات لغرض تصفيتهم، وهذا كان وراء اغتيال العديد من قيادات الداخلية بينهم المعنيين بملفات الاخوان والتنظيمات "الجهادية".
تداخل الامن والإستخبار
إن الاستخبارات والامن اصبحا من ابرز القواعد الاساسية لتنظيم القاعدة المركزي والمجموعات "الجهادية" لتتحول حروب القاعدة والمجموعات القاعدية الى حرب اسخبارية و معلوماتيه اكثر من أن تكون حرب عصابات او الكر والفر .وهنا الكثير من التداخل مابين الامن والاستخبار مما يجعل القاريء العادي يخلط بين المفهومين. ورغم مراجعة عدد من الموسوعات المعلوماتية المعنية بالمعرفة فلم يكن هناك تعريفا اكاديميا او ميدانيا الى الامن والاستخبارات قريب الى الواقع. إن المفهوم الشامل للأمن وفقا الى روبرت ماكنامرا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وأحد مفكري الإستراتيجية البارزين في كتابه جوهر الأمن، حيث قال "الأمن يعني التطور والتنمية، سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة". ويقصد في الأخير توفير الأمن العسكري لهذه التنمية وحمايتها من التهديدات. أما تعريف المخابرات وفقا لموسوعة المعرفة "وكثيراً ما يُطلق عليها الاستخبارات "- هي الخطوات المدروسة لجمع المعلومات، ثم فرزها وتصنيفها، وتحليلها، ثم ارسالها للجهات المناسبة، في الوقت المناسب، لتعيينها في وضع الاستراتيجات، ورسم السّياسيات، واتخاذ القرارات الصائبة لحماية الدولة من الخطر" . لكن ممكن تعريف الاستخبارات بشكل بسيط اكاديميا :" هي الجهاز المسؤول عن مكافحة التجسس في الداخل وعن التجسس الخارجي اي في الخارج لحماية الامن القومي واستشعار التهديدات الداخلية والخارجية". ويقوم جهاز المخابرات بجمع المعلومات على ثلاث مراحل : وهي الخبر او الاشارة، التحقق من الاشارة الاستخبارية قبل ان يكون معلومة ثم توظيف المعلومة اي رفعها الى الجهات العليا للاستفادة منها في رسم إستراتيجياتها وسياساتها. اما تعريف الامن ممكن ان يشمل امن الاشخاص او امن المنشأت والامن الداخل، علما بان الامن القومي يقع ضمن مسؤولية الاستخبارات بالاضافة الى الدفاع والخارجية ولم يتحدد بالداخل رغم مفردة الامن.
يمسك تنظيم القاعدة بالاستخبارات والأمن ليكون اساس وقاعدة في عمله، بلا شك القاعدة التنظيم المركزي هو تنظيم ايدلوجي عقائدي قائم على الفكر السلفي، لكنه يجمع مابين الفقه والشريعة والاستخبارات، فهو يستخدم كل الوسائل لتعزيز قوته وتنظيمه داخليا، بل يستنبط الدروس الاستخبارية والامنية من ايدلوجيته ليوظفها في ادارة التنظيم ليصبح علامة قوة يوازي وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية رغم عدم التوازن. لقد درس تنظيم القاعدة تشكيلات "السي اي اية" وعملياتها الاستخبارية المغطاة منذ التاسيس ولحد الان وهو يؤمن بتحديث علم الاستخبار مع الواقع .واعتمد طريقة الاستخبارات المركزية الاميركية و الغربية في حرب المعلومات والاستخبارات، لذا فهو اكثر التنظيمات "الجهادية" بل فاق ويفوق الكثير من اجهزة استخبارات بعض الدول وخاصة في مجال المعلومات والتكنلوجيا. استفاد التنظيم من اعتراض بعض الطائرات بدون طيار وفي قرصنة المعلومات الالكترونية وفي اختراق الاهداف والخرائط. وهو لايتردد للأستعانة بالضباط السابقين في المؤسسات الاستخبارية. ومن رواد التنظيم سيف الدين العدل، ضابط مصري سابق ان التحق بتنظيم الاخوان ثم القاعدة ليكون على راس اركان عمليات تنظيم القاعدة المركزي، والذي يتميز عن التنظيمات المحلية والاقليمية بتماسكه وسريته اكثر من التنظيمات المحلية رغم ضعفه ميدانيا اي عسكريا. ورغم ان هذه التنظيمات المحلية تعمل ضمن مظلة القاعدة وتاخذ غالبا التشكيل الاداري لكنها اقل سرية في عملها واكثر نفعية وتغلب عليها تحقيق اهداف لطائفة او مجموعة مسلحة اكثر من عولمة اهداف القاعدة. القاعدة تحاكي تشكيلات "السي اي اية" في ادارة عملياتها وتنظيمها وشبكة عملائها، فتنظيم القاعدة المركزي بعيدا كل البعد عن حرب العصابات وعن المجموعات المسلحة الاخرى، فتلك المجموعات المسلحة تختلف عن القاعدة باعتمادها العمليات "الجهادية" او التعرضية وتصفية الخصم، التي تكون على شكل تنظيمات صغيرة عكس تنظيم القاعدة الذي يقوم على اساس حرب المعلومات الإستخبارية واللعبة المزدوجة رغم انه تنظيم "جهادي" عقائدي. فهو يعتمد على جهاز امن داخل التنظيم والذي يكون مسؤولا عن امن مقاتلية ومتابعتهم واخضاعهم للتدقيق والمراقبة. فهنالك داخل التنظيم سلسلة مراجع ادارية استخبارية ، مسؤولة عن امن المعلومات والافراد واعتماد الجهد الاستخباري اي جمع وتحليل المعلومات وتوظيفها . يكون مسؤولا عن:
ـ تنفيذ عمليات الاغتيال والتصفية للخصم و تكون بتخطيط مركزي وبتنفيذ من تشكيل العمليات الخاصة، المدربة على الاغتيالات والمداهمة. القاعدة تحتاج هذا النوع في عملياتها لاظهار قوتها، لذا فهي تعول على هذه العمليات بالترويج الى التنظيم وكسب مقاتلين جدد من خلال اثبات مصداقية التنظيم وقوته بمثل هكذا عمليات، فهي تستهدف الاهداف ذات الدرجة النوعية العالية للخصم مثل مبنى الوزارات ومراكز الامن ومديريات مكافحة الارهاب من اجل بث حالة الرعب والصدمة داخل الخصم واستعراض قوتها، هذه العمليات تكاد لاتقبل الخسارة لانها تسيء الى سمعة ومصداقية التنظيم القتالية اكثر من الاهداف الرخوة التي تكون عادة بين المدنيي. ـ ان تشكيل امن القاعدة، يكون أداريا بعيدا عن المتطوعيين الانتحاريين والدعاة. ومن ابرز مايميز هذا التشكيل اعتماده طريقة التراسل البشري وعدم استخدام الاتصالات الحديثة لأحتمالات الكشف واتباعه السرية والحماية.
جاسم محمد: باحث في مكافحة الإرهاب والإستخبارات..
|