المطالب المشروعة بين جمهورين
يقدم سياسيون، نواب من دولة القانون في الغالب، أوجاع جمهور الوسط والجنوب كذريعة يجدونها مناسبة للرد على أوجاع جمهور آخر من المناطق الغربية وماحولها، يتحدث الواحد من هؤلاء دائما مستشهدا بطريقة عجيبة ولافتة بِأحوال مناطق الجنوب المتردية والنقص الحاد الذي تعيشه في كل شيء، كمقابل موضوعي على مظالم وترديات مثلها ترفع في المظاهرات والاعتصامات المتواصلة في المناطق الغربية. 
يظل الساسة العراقيون وأتباعهم المقربون من الجهتين يتقاسمون الفضاء الإعلامي على هذه الطريقة ، تنابز ولوي أذرع بكل الحجج حتى الساذجة وغير المنطقية ، فيما يظل يتراجع الى الخلف معنى الإحساس بألم الضحية "الجمهور" الذي يتحدثون باسمه، نتحدث عن ألم متواصل لم ينقطع مع بداية عصر جمهورية العراق الجديد، لدرجة بدا معها هذا الألم وكأنه ضرورة سياسية تلبي رغبة ساسة معينين وحاجة هذا الفضاء الإعلامي التراشقي الماسة للكثير من الكلام، مؤتمرات إعلامية ، مؤتمرات عشائرية، لجان نيابية ووزارية، وتصريحات رسمية رنانة وما الى ذلك، ثم لاشيء، الامر الذي يبز حال الضحية التي هي في الطائفتين مستلبة ومغدورة ويزيحها لتبدو ثانوية وهامشية الى حد بعيد، وبالرغم من ان جمهور المظاهرات في المناطق الغربية وماحولها تكفّل هو نفسه بالدفاع عن نفسه والمطالبه بحقوقه، نائيا بنفسه عن ساسة فشلوا ، فأن جمهورا آخر مازال ينوب عنه من غير تفويض"حقيقي" ساسة فشلوا ايضا لكن لايوقفهم أحد، لاأتحدث عن فئة من هذا الجمهور حملت صور رئيس الوزراء في ساحة التحرير لتشيد بإنجازاته العظيمة، كلا أتحدث عن أغلبية صامتة مهمة في الوسط والجنوب يتحدث باسمها نواب يدعون تمثيلها ويقدمون أوجاعها وبؤس حياته كحجة استهلاكية لجمهور آخر يقف ضد تعثر الحكومة وادائها الفاشل وكأن تردي اوضاع المناطق التي يمثلونها او معادلة الفشل او توزيعه على الجميع، يريح الضمير.
البون بين الكلام السياسي المائع وبين حقيقة الألم الذي يعيشه المواطن يوميا شاسع، ومع أننا انكشفنا أخيرا مع أحداث المظاهرات الراهنة والاعتصامات الى تفاهة هذه الرطانة السياسية والتي دحضتها حقائق وكشفت عنها وقائع غائبة او مسكوت عنها وهي إحدى فضائل المظاهرات ونتائجها المثمرة، الا أن ثمة دور مازال غائبا، يصادره ساسة او يلعبون عليه.