النفي إلى الداخل... شعر: الاستاذ عبد الجبار الفياض

أيّها الظمأُ المنسكبُ على جمرِ ماء 
أيّتها العينُ التي دمعتْ صوراً 
من بغداد . . . 
ليلٌ 
وطقوسٌ في قبّة ظلام 
وليلٌ فاضَ بأرواحٍ عشقتْ لونَ الأرض
شتان بين
الموتِ حبّاً
والموتِ رجماً بحجارةٍ من سجيل !!
. . . . . 
كؤوسٌ
مُترعةٌ بنزيفِ زمن أصم 
لو أنّ ابنَ السكّيتِ سَكَت 
لو أنّ الحلاجَ غرفَ من ترفِ السّلطان 
لو أنّ السّعدونَ ما غرسَ خنجراً في خاصرته
لبكت بغداد ليوم البعث . . . !
. . . . .
أفواهٌ 
تحلزنَ فيها الحرف 
نزَّ منها دمٌ على قميص ِيوسف . . . 
مُذْ كسرَ زريابُ عودَهُ على صدرِ رصافتِهِ 
وعن بُعدٍ 
غنّاها جُرحٌ شقَّ منفاه 
قبراً 
لم يُغلقْ بعد 
يحتضنُ موتاهُ وقوفاً . . . 
وتمرد ابن مردان 
وتعرّى امام زمنٍ أعمى 
يحرصُ على بصقتهِ أنْ تذهبَ هباءً 
. . . . .
أيُّها الغيثُ 
وأنت تُقطعُ أزرارَك شوقاً 
هل أنتَ مشتاقٌ لهذا الظّمأ ؟
أم هو مشتاقٌ إليك ؟
شفاهٌ تلتقي 
تختنقُ الحروف 
نظرةٌ خرساء 
صلاةٌ مُقدّسة
احتواء 
لا شئَ من حروفٍ تُعرف . . . !
. . . . .
كيف أنتَ 
وسرابَ الارتواء؟
مسافاتُ سفرٍ 
ليس كمثلها سلافة 
تقطرُ سغباً على سعفِ نخيل 
شربَ تبغَ حربٍ 
وابتلعَ دخانَه. . . 
على أنغام موتٍ مُتعبٍ 
تُسمعُ من غيرِ إذن . . . 
. . . . .
أيّها المنحوتُ من وطنٍ مُتبندل 
بين شفاه تنورٍ 
وفكِ حوت . . . !
ضبابٌ 
وحزمةُ ضوءٍ مُستأجَر
ولصوصٌ 
سرقوا وشاحَ الشّمس 
حبالاً لأراجيح هوىً
وهوحبلُ موت !!
. . . . .
سنواتٌ 
مختومةٌ بهلالِ عيدٍ 
هاربٍ من جديدِ ثيابِه . . . 
من عطرِ فرحِه 
من خجلٍ فوق خدودِ صباياه . . . 
حناءٍ 
على بابِ فَرَجٍ مشروخ 
وماتَ الهلالُ خديجاً في حاضنةٍ قذرة . . . 
. . . . .
بقعةُ ألم 
في زاويةِ مسجد . . . 
تتسعُ خوفاً 
يُختزلُ بدعاء 
لا يخرجُ من شفةٍ 
آهٍ
لو أنَّ السّاعةَ تأتي غداً . . . !
. . . . .
أيُّها المتورمُ في داخلِه 
في مملكة الأشباحِ الجميلة !
سلالةُ آدم 
ما أرخصها حطباً في أسواقِ الموت!
ما أغناها بحروفِ رثاءٍ صدئة !!
. . . . .
أيّها المنشطرُ 
أيُّ النصفيْن أنت 
نصفاً سلبوا 
ونحتوا منه مومياءَ 
لا تشبهُك . . . 
لكنّها 
تتشققُ كمأً في صحراء 
تلد 
ولا ترى جنينَها في مهد. . . 
. . . . .
يا ذاك القيأُ الشيطاني 
ما استعار النورسُ يوماً ثوبَ غُراب 
وما رقصتْ أفعى 
إلا على مزمارٍ من صنعِ يديْك . . . !
. . . . . 
واختفى من المدينة . . . !
ألبدرُ يزورُ نوافذَها 
يعصرُ خمراً . . . 
الشّمسُ تستقرُّ في بيوتِها القديمة
أزقتُها تضيقُ بأنفاسِ العشق. . . 
وبعيداً
ذهبَ لونُها الأسود . . . !
. . . . . 
وأنْبَأهم 
نكّروا لها عرشَها . . . 
بغدادُ 
دخلتْ صرحَها المُمرّد 
فليدخلِ التاريخُ بعدعَثرةٍ من بابِ تشاء . . . 
لم يبقَ في كنانةِ الشّياطين سهْم 
أفسدوا كُلَّ ما جادَ به غيث
تقاسموا كُلَّ شئ 
إلآ عشْقاً تحتَ الشّمس !!