التحدي والفيضان

هل تعلّمنا مهارات التحدي الحضاري البنّاء؟
فالفيضان فعل تحدي , يستنهض طاقات الصيرورة الأقوى في أعماق البشر.
والشعوب تكشف عن مميزاتها وصلابة وجودها , في قدرات ومهارات وآليات الوقوف بوجه التحديات ومنها الطبيعية.
وفيضان النهرين في بلاد الرافدين ليس جديدا , وإنما كان مغيبا على مدى ما يقرب من أربعة عقود , حتى جاء جيل لا يعرف مفردة فيضان!
وتأريخ الحياة في بلاد ما بين النهرين , تشير إلى أن أية قوة في الأرض , لا يمكنها أن تمنع الفيضان , مهما بنت من سدود وتوهمت بأن النهرين سينضبا.
ويبدو أن الفيضان بادرة خير وشارة تفاؤل وأمل , بأن البلد من شماله إلى جنوبه سيرتدي حلة خضراء , وستتنعم الحياة بالسعادة والسرور والإزدهار.
فالماء خير , والفيضان مساهمة دفاقة في صياغة مسيرة الحياة وتفجير طاقات التراب.
وبين الفيضان والمطر , وجدتنا متحيرين , متهكمين , وكأننا لا نريد المطر ولا الفيضان!
ونكتب عن الأضرار والخسائر والتداعيات وغيرها من الحالات , التي ظهرت بسبب الماء المتدفق من الأرض والسماء.
والحقيقة التي نغفلها , أن بلاد الرافدين ربما عائدة إلى سابق عهدها المزدهر زراعيا!
ويتوجب علينا جميعا , أن نتفاعل مع الأرض بحب وإخلاص , لكي نتمتع بعطائها , فنُطعم أنفسنا , وبهذا نمتلك سيادتنا وحريتنا الغذائية, بعيدا عن الإعتماد على الآخرين واستيراد ما نأكل منهم.
وهذا يعني أن الإقتصاد الزراعي سيتطور , وما علينا إلا أن نجتهد في الصناعات الغذائية , فنبني المصانع اللازمة لذلك , لكي نعاصر ونتقدم.
إن الكتابات السلبية عن المطر والفيضان , قد تكون كتابات بأقلام عاجزة , وأفكار منحسرة , لأن الخير في الماء , إن فاض أو هطل , وهذا يدعونا أن نبني بيوتنا بأساليب تحميها من المياه الساقطة والفائضة.
فالمجتمعات الأخرى تعاني من كوارث طبيعية متواصلة , كما هو الحال في اليابان – على سبيل المثال- لكنها إبتكرت وسائلَ وأساليبَ البناء التي تتحدى بها الهزات الأرضية العنيفة.
فالطبيعة تعلّمنا , وتستنهض ما فينا من الأفكار والقدرات اللازمة للبقاء والحياة الأرقى.
فأهلا بالماء الذي سقى أرض الرافدين , وهيا أيها الأخوة للمساهمة المبدعة الجادة في البناء العمراني والزراعي والصناعي , وتحقيق المدنية المعاصرة اللائقة بنا , كما فعل أجدادنا من قبل عندما تعلّموا من توالي التحديات , مهارات صناعة الحضارة والحياة.