رسالة قصيرة من هاتف جوال... تغطي على أعمال قمة الخلافات العربية – العربية في الكويت

تحت شعار ( قمة التضامن لمستقبل أفضل )، وبحضور 14 من الرؤساء والملوك العرب، انطلقت في دولة الكويت أعمال القمة العربية بنسختها الخامسة والعشرين. ومثلما عودتنا عليه القيادات العربية في القمم السابقة، فإن قمة الكويت بحسب غالبية القادة العرب تجري أعمالها في ظل ظروف إقليمية استثنائية، ووسط أجواء متوترة، وملفات عربية شائكة، يتصدرها الإرهاب، والخلاف الخليجي المصري مع دولة قطر، إضافة إلى بقاء مقعد سوريا شاغراً، بسبب اعتراض بعض الدول العربية على عدم قانونية الإجراء الخاص بشغل الائتلاف السوري المعارض مقعد دمشق خلال القمة العربية. ولا أخطئ القول أن الشيء المميز لقمة الكويت هو انطلاقها وســـط أجواء مـليئة بـالخلافـات فـي الرؤى والمـواقف، فضلا عن التوترات التي تسود العلاقات العربية التي انعكست من دون أدنى شك على التحضيرات الفنية التي سبقت إقامة القمـة العربية في دورتها الـ ( 25 ) التي لم تكن أفضل من سابقاتها من حيث أهمية النتائج المرتقبة، وبخاصة الدورات الثلاث الأخيرة التي امتدت إلى أروقتها حالة الاضطراب التي ما يزال الشارع العربي يعيش تداعياته في أعقاب ما أشارت إليه المصادر الغربية باسم ( الربيع العربي )، فلا غرو أن تغطي على فعالياتها وأخبار مجرياتها رسالة نصية قصيرة ( sms )، تلقاها ذوو ضحايا الطائرة الماليزية المنكوبة على هواتفهم النقالة، تبلغهم نهاية مأساة الطائرة الماليزية المفقودة بتحطمها في المحيط الهندي وفقدان الأمل بعودة ذويهم الذين كانوا على متنها، وأن لا ناجين ممن كانوا على متنها. ومصداقا لما تقدم نشير إلى ما ذكره الامـين العام لجــامـعة الدول العربـية نبـيل العربـي عشية انعقاد قمة الكويت من أن هناك حاجــة مـاســـة إلى تنقية الاجــواء العربـية والاســـتفـادة مـن انعقاد القمـة العربـية مـن تأثير الخلافـات على قرارات قمـة القادة العرب. ولا يخامرنا شك في أن نجاح أعمال القمـة مرهون بمعجزة تضمن تحقيق المصالحة العربية؛ ليصبـح وصولها على الأقل إلى مـصالحة عربـية، هو قمـة النجــاح بحسب المتخصصين. ومن دلالات هذا الواقع هو أن الكويت أصبحت في غاية الحرج، جراء غضب شقيقاتها الثلاث السعودية والبحرين والامارات على خلفية عدم انضمامها إليها في سحب سفيرها من قطر، بعد أن أخفقت الكويت في إحداث مصالحة خليجية، فأصبحت من دون قصد طرفا من خلاف البيت الخليجي، ما أفضى إلى تخفيض مستوى تمثيلها الدبلوماسي المشارك بإعمال قمة ( التضامن لمستقبل أفضل ) الذي كان بشكل عام ضعيفا بسبب الخلافات بين الدول العربية التي كانت واضحة على صعيد الشارع العربي بما عكسته مشاعر الجمهور على قنوات التواصل الاجتماعي التي عبرت بشكل صريح عن حالات التشرذم والانشقاق التي طغت على توجهات القادة العرب الذين لم يتفقوا يوماً على قرار يخدم شعوبهم، مفضلين الاكتفاء بممارسة الجدال والمناكفات سواء في مؤتمرات القمة أو خارجها. واللافت للانتباه في أعمال هذه القمة هو التغيير الواسع في وجوه القادة العرب الذين حضروا القمم العربية الاخيرة بخلاف معطيات مؤتمرات القمة العربية السابقة التي كان أهم ما يميزها حضور الزعامات التقليدية التي كانت تهيمن على مقاليد الامور في بلدانها مدى الحياة، فعلى سبيل المثال لا الحصر شهدت قمة الدوحة عام 2013 م ( الظهور اليتيم ) للرئيس المصري ( المعزول )، محمد مرسي الذي يعيش الآن خلف القضبان، في حين ينظر المراقبين إلى حضور الرئيس المصري ( المؤقت ) عدلي منصور الذي يعد من أوائل القادة العرب الذين وصلوا إلى الكويت للمشاركة في أعمال القمة التي تستضيفها الكويت لأول مرة منذ انضمامها إلى الجامعة العربية في عام 1961 م، بوصفها المشاركة الأولى والأخيرة للرئيس منصور في اجتماعات القمة العربية، بعد أن أبدى صراحة عدم رغبته في الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة، وربما يكون الهدف من مشاركته على صلة بقرار مجلس وزراء الخارجية العرب رفع توصية إلى القادة العرب، لدراستها في لقاء القمة حول عقد الدورة القادمة في عام 2015 م بالعاصمة المصرية القاهرة . ومن المفارقات التي حفلت بها الدورة الـ ( 25 ) للقمة العربية التي باتت تشهد ما يشبه ( لعبة الكراسي الموسيقية ) بحسب المحللين السياسيين، هو التصدعات التي خيمت على أجواء على البيت الخليجي المتأتية من الخلافات ما بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من جانب، ودولة قطر من جانب آخر، بعد أن أقدمت دول السعودية والامارات والبحرين على سحب سفراءها من الدوحة اوائل الشهر الجاري احتجاجا على ما وصفته بتدخل قطري في شؤونها الداخلية، فضلا عن تفاقم الخلافات بين مصر وقطر على خلفية سحب مصر سفيرها لدى قطر، جراء توتر العلاقات ( المصرية - القطرية ) بسبب إعلان مصر دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وأعلنتها الحكومة المصرية جماعة ارهابية في كانون الأول من العام المنصرم، ما أفضى إلى غياب عدد من قادة الدول الخليجية عن أعمال هذه القمة التي حملت في أحشاءها التوترات التي أتضحت معالمها بشكل جلي عبر الأجواء الجديدة من الخلافات التي خيمت على جلستها الافتتاحية للدورة بعد مغادرة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، القاعة عقب إلقاء كلمته البروتوكولية ، بوصفه أميرا لدولة القطر التي ترأست القمة السابقة التي عقدت في الدوحة عام 2012 م التي سبقت تسليمه رئاسة القمة إلى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وانتظاره انتهاء أمير الكويت من إلقاء كلمته، ليغادر القاعة من دون انتظار كلمات باقي المتحدثين من القادة العرب أو من ينوب عنهم على الرغم من مصافحته الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، وولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، بداية الجلسة الافتتاحية التي تعد الأولى منذ سحب كل من السعودية والإمارات والبحرين سفرائهم من الدوحة!!. وهو الأمر الذي أفضى إلى تردد أنباء عن إلغاء اليوم الثاني من القمة، الأمر الذي نفته الخارجية الكويتية على لسان وكيل وزارة الخارجية الكويتية خالد الجار الله الذي أكد ( أن ما تداولته بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، من تصريح منسوب لي بأن القمة العربية المنعقدة حالياً في دولة الكويت ستختتم أعمالها مساء اليوم، عار عن الصحة. ويبدو أن أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي خلف والده في حزيران من العام الماضي 2013 م، كان حضوره بروتوكوليا من أجل تسليم رئاسة القمة إلى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح. وإذا كانت الـ ( sms ) المشؤومة حققت مبتغى مرسلها المتضمن تعبير الحكومة الماليزية باسى عن خيبة الأمل في مهمة وجود ناجين من ركاب الطائرة اللغز البالغ عددهم ( 239 ) شخصا، فإن الانعكاسات الواردة من قمة الكويت التي شهدت ظهور عدد من الرؤساء العرب لأول مرة، فيما يشارك بعضهم للمرة الأخيرة، بل وربما الوحيدة، بينما يغيب آخرون، إما طوعاً أو قهراَ، ترجح أن تبقى قرارات قمة الكويت رهينة النتيجة ذاتها التي حققتها رسالة الحكومة الماليزية من حيث موت جميع ملفات جدول أعمالها في مهدها ليس لكونها ملفات صعبة التحقيق، وانما مردها إلى تسمم العلاقات العربية وتلوثها، إلى جانب تدخل بعضها في الشؤون الداخلية لدول عربية أخرى على وفق أجندات تحرض على العنف وإثارة بوادر لزعزعة الأمن وخلق أزمات بين أبناء الشعب الواحد، ما يجعل قنوات التواصل والتعاون بين الدول العربية شائكة وليس بمقدورها التفاعل مع شعار القمة الجميل ( التضامن لمستقبل أفضل )؛ بالنظر لعمق الخلافات العربية – العربية. وضمن هذا السياق استبعد وزير الخارجية المصري نبيل فهمي حصول مصالحة في قمة الكويت العربية بقوله في مؤتمر صحفي سبق إقامة القمة ( لا أتوقع أن نخرج من قمة الكويت والأطراف مقتنعة أن الأمور تمت تسويتها لأن الجرح عميق )، وأضاف فهمي ( وحتى إذا توصلنا إلى صيغة وهذا مستبعد، نحتاج جميعا إلى فترة لكي نقيم ترجمة هذه الصيغة إلى التزام حقيقي بمواقف وخطوات تنفيذية تعكس تغييرا في السياسات ). وقد تجلت خيبة أمل الشعوب العربية إلى حد كبير في المرتجى مما قد تسفر عنه قمة الكويت من توصيات بوسعها المساهمة في مواجهة الإرهاب وثقافة العنف وإحلال الأمن والسلام في ربوع بلدانها، في إخفاق القيادات العربية إصدار بيان ختامي عن أعمالها، ما يشكل دلالات ضعفها التي توافقت مع الانخفاض الكبير في سقف التوقعات بنتائجها، إلى جانب إعلان وكيل وزارة الخارجية الكويتية قبل وقت قصير من موعد انطلاق القمة التي تستضيفها بلاده، من أن الدورة الـ ( 25 ) للقمة العربية لن يصدر عنها بيان ختامي، وإنما ستكتفي بإصدار ما أسماه ( إعلان الكويت )، مضيفا أن ( إعلان الكويت لن يتضمن قرارات، وإنما توجهات الدولة المضيفة، وبالتالي هو يخرج باسم القادة )، مشددا على أن ( إعلان الكويت سيكون شاملاً، ويتضمن كل قضايا وهموم وشجون الوطن العربي ويعالجها )!!!. إن إخفاق القادة العرب في مهمة إصدار بيان ختامي عن إعمال القمة، والاهتداء إلى فكرة إصدار بيان من الدولة المضيفة (بيان الكويت)، يعد في واقعه الموضوعي دليل واضح على مقدار ضئيل من التفاهم بفعل تأجج الخلافات العربية التي تسببت بفشل القيادات العربية في التصدي لقضايا العرب الرئيسة المتمثلة بالقضية الفلسطينية، وما يشكله الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتمسكه بأسلحة الدمار الشامل وعدم التزامه بالمعاهدات الدولية من تهديد للأمن الإقليمي العربي. وثانيهما الأزمة السورية التي وصفها أمين عام الجامعة العربية بأنها أكبر مأساة في القرن الحادي والعشرين والتحدي الثاني للدول العربية، وأن المأساة السورية تهدد الأمن العربي، أما التحدي الأخير أمام قمة الكويت فقد جسده الخلاف المتفجر بين دول مجلس التعاون الخليجي. ويشكل الإرهاب القاسم المشترك بين هذه التحديات الثلاثة، إن لم يكن أبرزها. وهو الأمر الذي يحتم على الدول العربية ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير التي من شانها المساهمة في مواجهة خطر الإرهاب الذي يهدد أمن واستقرار دول المنطقة كافة؛ سعيا في الوصول إلى آليات وممارسات تضمن القضاء عليه وتجنيب شعوبها أهواله . أن إخفاق قمة الكويت في الوصول إلى الحد الأدنى من التفاهمات التي من شانها المساهمة في إصدار بيان عن أعمالها، يعكس حالة التفكك المخيمة على الوضع العربي، حيث لا فائدة ترجى من قمة تسود خطب قادتها الاتهامات التي تعزز ما موجود من خلافات، وليس بمقدورها التصدي لقضايا الشعوب العربية الرئيسة. وهو الأمر الذي أفضى إلى جعل تشاؤم الشارع العربي من نتائج القمة العربية حالة عامة وغير مستغربة!!.