"الدولة الاسلامية في العراق والشام": لماذا مدينة سامراء |
"الدولة الاسلامية" تتمترس في جبال حمرين بدلا من صحراء الانبار فرضت " الدولة الاسلامية في العراق والشام ـ داعش" سيطرتها على بعض أحياء مدينة سامراء يوم 5 يونيو 2014 لعدة ساعات حتى أعلان الحكومة العراقية طردها من المدينة في إطار عملية عسكرية واسعة النطاق شاركت فيها مروحيات قتالية. ذكرت شهود عيان ان "الدولة الاسلامية" تمكنت من السيطرة على أحياء المثنى، وصلاح الدين، والقادسية، والافراد، والضباط الاولى، والثانية، واجزاء من حي المعلمين، وجامعة سامراء، وبلدية سامراء وجامع الرزاق، وجامع الحمد كبرى الجوامع في مدينة سامراء. تقع مدينة سامراء على الضفة الشرقية لنهر دجلة وتبعد نحو 118 كم إلى الشمال من العاصمة بغداد يوجد في سامراء مرقد الإمامين علي الهادي و الحسن العسكري كما أنه في سامراء يوجد مقام الغيبة. وفي سامراء يوجد أيضاً المسجد الجامع الذي بناه المتوكل العباسي والذي يمتاز بمأذنته الملوية والذي كان حينها أكبر المساجد على الأرض. وكانت هنالك اشتباكات في الأحياء السكنية القريبة من مرقدي الإمامين العسكريين علي الهادي والحسن العسكري وسط سامراء مع سيطرة مطلقة للمسلحين على مناطق شرقي المدينة. مصادر الداخلية العراقية ذكرت بان"الدولة الاسلامية" استخدمت بالعملية مايقارب خمسين سيارة معززة بعجلات "بلدوزر" لرفع الحواجز الكونكريتية ومدافع احادية محمولة على عجلات، ساحبات ثقيلة وسيارات الدفع الرباعي ترفع اعلام "داعش"وبقوة مقاتلة تقدر 250 مقاتل واضافت انها اعتقلت شيشانيين وأفغان ويمنيين وقتل 80 آخرين بسامراء. وقالت مصادر أمنية في سامراء إن هجوم "الدولة الاسلامية"الأساسي تم برتل سيارات دفع رباعي ومعدات استخدمت لهدم ساتر ترابي يفصل منطقة الجبيرية عن صحراء الجلام، شرق المدينة، وترتبطها بجبال حمرين. هذا الساتر سبق ان تم بنائه عام 2006 على ايدي القوات الاميركية، واضافت المصادر ان انسحاب المجموعة المهاجمة كان من نفس الثغرة.
يشار إن "الدولة الاسلامية" بدئت تستقطب 80% من المقاتلين الاجانب في اعقاب اعلان الجبهة الاسلامية في سوريا رفضهالاستقبالهم. وكالات الاستخبار تقدر قوة داعش ب 18 الف وبميزانية تصل الى مليون دولار شهريا، يجعلها تفرض سيطرتها على باقي الفصائل والتنظيمات القاعدية وكذلك التنظيم المركزي. تأثير "الدولة الاسلامية" عند المقاتلين الشباب بدئت تتصاعد اما بشكل انضمامهم للقتال ميدانيا او القيام بعمليات فردية" الذئاب المنفردة" في اوربا والغرب منها عملية مهدي نموش، فرنسي الجنسية، جزائري الاصل عندما اطلق النار على المتحف اليهودي في بروكسل من رشاشه مما ادى الى مقتل اسرائيلي وزوجته وموظفة فرنسية واصابة اخرين.
محاولة اعادة مشهد الفلوجة
وفي تطور اخر اكدت وزارة الداخلية يوم 6 يونيو 2014 "رئيس المجلس العسكري الى"داعش ـ الدولة الاسلامية" المدعو ابو عبد الرحمن البيلاوي بعد ان نفذت قوة من منظومة استخبارات الشرطة الاتحادية التابعة لوكالة الاستخبارات والتحقيقات، عملية امنية، اسفرت عن مقتله. يشار الى ان اسمه الحقيقي هو عدنان اسماعيل نجم عبد الله الدليمي وكان معتقلا في سجن ابو غريب وتمكن من الفرار في عملية الهروب من السجن مع المئات من مقاتلي داعش في يوليو2013. كانت الخطة هذه المرة تستهدف الاستيلاء على المساجد في مدينة سامراء وعلى مقرات بعض المباني، لرفع الرايات عليها، وكأنها تعيد مشهد الفلوجة مطلع فبراير 2014 . لكن عدد المقاتلين والقوة المهاجمة على مدينة سامراء ربما لا يهدف الى اعلان الأمارة ومسك الارض، بقدر ماهو ارباك الى القوة الامنية وجس نبض وردود افعال اهالي مدينة سامراء واختبار قوة الامن والدفاع العراقي هناك، بعض التحليلات وصفت الهجوم انه محاولة لتخفيف الضغوط عن التنظيم في الانبار. وفي ذات السياق سبق ان أعلن قضاء الطوز الواقعة شمال بغداد في 21 مارس 2013 أن قوات الجيش احكمت سيطرتها على قرية "سرحة" بعد طرد عناصر"الدولة الاسلامية" منها. وقالت المصادر ان القوات اعادت قبضتها على قرية سرحة الواقعة على طريق بغداد كركوك عند سلسلة جبال حمرين.
لم تكن هجمات "الدولة الاسلامية"على محافظة ديالى وكركوك الاولى لكن هجومها هذا على مدينة سامراء ربما هو الاول من نوعه. السيناريو يتكرر بمهاجمة التنظيم اهداف ثم وصول قوات النخبة العراقية لانقاذ الموقف. سلسلة العمليات هذه عكست ضعف قدرة قوات الجيش ـ المشاة والشرطة المحلية المنتشرة في بغداد والمدن العراقية وعند نقاط التفتيش وكثيرا ماتكون اهدافا الى"الدولة الاسلامية" والمجموعات المسلحة. وبات معروفا ان لايكون تسليح المشاة والشرطة المحلية بالاسلحة الثقيلة والامكانيات الفنية المتقدمة، وهي مشكلة تعاني منها اغلب دول المنطقة التي تواجه تحديات القاعدة. لكن المشكلة الاكبر هي غياب المعلومات الاستخبارية، التي تستشعر هجمات داعش والتنظيمات القاعدية قبل موعدها، خاصة انها تدار من خارج المناطق السكنية واغلب مقاتليها هم من غير سكان تلك المناطق. يفترض ان تكون هنالك مصادر معلومات وشبكة عمل تعمل لصالح الاستخبارات العراقية المحلية والفيدرالية تكون داخل المجموعات المسلحة او قريبة منها للأستشعار التهديدات.
داعش نقلت مركزها الى سلسلة جبال حمرين
استهدفت "الدولة الاسلامية" المناطق الشمالية الغربية من العراق ابرزها مدينة كركوك والموصل وصلاح الدين وسامراء التي تمتد عرضا نحو الشرق لتصل الى سلسلة جبال حمرين. وهي تتمترس مابعد الصحراء الغربية والانبار في سلسلة جبال حمرين المجاورة الى ايران شرقا عند الحدود العراقية. وممكن ان تكون سلسلة جبال حمرين بديلا الى صحراء الانبار وذراع دجلة والانبار، بعد ان واجهت رفض من عشائر الانبار والعمل على اخراجها من الانبار والفلوجة. يشار ان مدينة صلاح الدين تمتد جغرافيا مع الصحراء الغربية وتتصل في الانبار. اما غربا فمدينة الموصل تتصل في الحدود السورية عن طريق معبر اليعربية الذي يمثل حلقة الوصل الى التنظيم مما يسهل حركة ونقل مقاتليه مابين العراق وسورية. جغرافية التنظيم اصبحت الان واضحة مابين المناطق الشمالية الشرقية لسورية، الرقة، الحسكة ، دير الزور ثم ربطها عبر المعابر الحدودية اليعربية، القائم، وصحراء الانبار وعرضا باتجاه سلسلة جبال حمرين المشرفة على محافظة ديالى وصلاح الدين. وان التمترس الحقيقي والامداد الطبيعي للتنظيم في هذه الجبال يكمن في السلسلة الجبلية الملاصقة لمحافظة صلاح الدين. إن سلسلة جبال حمرين والمناطق المحيطة بها هي مناطق مأهولة بالسكان، وهي عبارة عن قرى وارياف واراض زراعية بعضها متروك وبعضها مستغل من قبل المزارعين، وقد تم تهجير العديد من هؤلاء السكان. تقديرات خبراء الدفاع تشيرالى ان الجيش غير قادر على خوض معركة حاسمة في هذه الجبال، رغم اعلان قيادة عمليات دجلة منتصف شهر مايو 2014 عن تدمير تسع معسكرات لداعش على امتداد سلسلة جبال حمرين. وكشفت مصادر أمنية مطلعة أن قيادات ب"الدولة الاسلامية" انتقلت، مع معدات ومقاتلين، من مواقع في الأنبار، إلى جبال حمرين، شرقا، في وقت سابق. يشار ان طبيعة جبال حمرين وعرة، وهي أكثر خطورة من صحراء الأنبار، لأنها تعد ممرًا مهمًا لمحافظات الجنوب والوسط وكردستان باعتبار أن سلسلة الجبال تمتد على طول الحدود مع إيران في اطراف كركوك إلى اطراف ميسان وهناك ثلاثة منافذ في محافظة ديالى تؤدي إلى جبال حمرين، وهي طريق المقدادية وطريق مندلي وطريق جلولاء. ولا يستبعد أن تكرر "داعش" هجماتها على محافظة صلاح الدين وبيجي 300 كلم شمال غربي سامراء ومحافظة نينوى اقصى الشمال بسبب الوضع الامني الهش.
أستراتيجية داعش قضم الارض والتمدد
تعتمد"الدولة الاسلامية" اسلوب الاقتحامات العنيفة بالتزامن مع فتح ثغرات على المدينة وهذا مافعلته في مدينة سامراء. لايستبعد ان يكون الهدف الرئيسي من هجمات "داعش"هو استهداف مرقدي الامامين العسكريين، بهدف اشعال الفتنة الطائفية ومحاولة منها لاعادة فتنة 2006 في العراق. تكتيك التنظيم في العراق بات معروفا بأستغلال الموانع الطبيعية وفتح بوابات السدود وتعويم الاراضي بالفيضانات. سيطرت"داعش" في ابريل 2014 على سد الفلوجة في مدينة الانبار وفتحت جزء من السدة وأغرقت عدة قرى ومناطق محيطة لتصل منطقة ابو غريب، حزام بغداد لا تبعد الا عشرين كيلومتر عن مقرات الحكومة في العاصمة بغداد. كذلك فجرت أنبوبا ناقلا للنفط يوم 17 ابريل 2014 في ناحية العلم بالقرب من بيجي، محافظة صلاح الدين، شمال بغداد ما أسفر عن تسرب النفط إلى نهر دجلة ومن ثم أشعل حريقا هائلا نتج عنه تلويث ماء الشرب وكارثة طبيعية. "داعش" بدئت تستغل كل الخيارات لدعم عملياتها واحراج حكومة بغداد. "الدولة الاسلامية" تعتمد إستراتيجية إستنزاف القوات العراقية وقواتها، فهي تضرب وتختفي في جبال حمرين وفي مناطق اخرى وفي عملياتها هذه هي تستنزف الفرقة الذهبية اكثر من التشكيلات الاخرى. يشار ان الفرقة الذهبية المعروفة ب SWAT يقدر عددها ب اربعة الاف مقاتل وتعد من ابرز قوات النخبة في المنطقة، كونها تدربت على ايدي القوات الاميركية. الحكومة العراقية تعول كثيرا على هذه الفرقة في معالجة هجمات "داعش" والمجموعات المسلحة.
انعكاسات الفوضى السياسية على الامن
مايجري على الارض من قبل"الدولة الاسلامية" لم يكن بعيدا عن مايشهده العراق من فوضى سياسية وامنية في اعقاب نتائج الانتخابات الاخيرة ابريل 2014، لذا لايمكن تحميل اجهزة الامن والدفاع كامل المسؤولية رغم ضعف بعض تشكيلاتها. "الدولة الاسلامية"والمجموعات المسلحة كثيرا ماتستخدم ورقة ضغط من قبل بعض الاطراف السياسية المشتركة بالعملية السياسية. في ظل الأزمات بدات"الدولة الاسلامية" تستعيد قدرتها واتصالاتها مع شبكة تنظيمات "جهادية"اخرى. وسيطرتها على المعابر الحدودية مع سوريا منها القامشلي واليعربية وان وجودها مع الحدود الايرانية شرقا ربما ساعدها على انتقال وحركة مقاتليها. التقديرات تشير احتمال اعلان إمارة "داعشية" جدبدة في المنطقة الشمالية الشرقية او الشمالية الغربية، وربما محافظة ديالى بسبب موقعها من جبال حمرين الذي يمكن التنظيم من استغلال الجغرافية واعلان "الامارة". العمليات التي تقوم بها "داعش" تعكس الامكانيات المادية والبشرية الى تتمتع بها، فهي تستخدم دائما سيارات الدفع الرباعي الحديثة في نقل مقاتليها وعملياتها وتستخدم الاليات الثقيلة بالاضافة الى النواضير الليلية والاسلحة الثقيلة، بعض التقارير الاستخبارية اكدت امتلاك "داعش"عدد قليل من الصواريخ الحرارية المضادة للجو، حصلت عليها من داخل سوريا ونقلتها الى الانبار. مايجري في العراق هي فوضى امنية مرتبطة بالوضع السياسي والشركاء الفرقاء في العملية السياسية، عمليات التنظيم تاتي مع انشغال الكتل السياسية لتشكيل حكومة جديدة اكثر من اهتمامها بالامن.
أهالي مدينة سامراء يعيشون مخاوف ان تتعرض مدينتهم الى فوضى من قبل التنظيمات القاعدية، ويعتبروها غريبة على مدينة سامراء واهلها، ولايريدون ان تكون مدينتهم مسرح للمواجهات مابين القوات الامنية العراقية و"داعش". هجمات التنظيم على المدن الشمالية الغربية هي محاولة للتمترس في سلسلة جبال حمرين ضمن إستراتيجيتها استغلال الجغرافية وقضم الارض والتمدد.
*باحث في قضايا الارهاب والاستخبار |