ماتزال تربطني علاقات صداقة وثيقة ببعض الاساتذة وطلاب الدراسات العليا في جامعتي (النهرين) التي درست العلوم السياسية فيها , وسأروي لكم شهادات بعض طلابها الطافحة بمرارة المعاناة جراء طريقة تعاطي قسم من الاساتذة مع تلاميذهم سواء في الدراسات العليا او الاولية خاصة ونحن نعيش ايام الامتحانات النهائية . لقد تسيد الغثيان على نفوس عدد من الطلاب في قاعة الامتحان وكاد احدهم التقيؤ بوجه استاذه المراقب الذي لم يسمح له بالخروج لاستنشاق الهواء او قصد الحمامات , طالبة اخرى اعتصرت صدرها العبرات ومن ثم غصت عيناها بالدموع , فيما خرجت اخرى من الامتحان مسرعة متوجهة الى الصيدلية لشراء مرهم ملين لفقرات الرقية والظهر , لكن احدهم كان صلب الاعصاب حريصا كل الحرص على فقرات جسمه وممانعا عينيه من ذرف الدموع حتى لايكن موضع استهزاء من زميلاته ويشبه بالمراة , فقد قرر تسليم ورقته الامتحانية التي كانت كبطن جائع . كل هذه الحالات كان سببها الصعوبة الفائقة للاسئلة والمطالب المطولة , وعند اعتراض الطلبة عليها كانت الاجابات (جاوب بابا جاوب ,,, جاوبي بنتي جاوبي ) حينها اشتدت لهجة الاعتراض فكان الجواب (روحو بابا اشتكو عليه) وبالفعل فقد طرق الطلاب ابواب العمادة فكان الرد (اشبيدنة بابا عليكم , استاذ ومن حقة وضع الاسئلة واسكتو ليشد وياكم ) الغريب في الامر ان اولئك الاساتذة العديمو الضمير والانصاف والانسانية لاينفكون عن استخدام لفظة (بابا) التي تحمل مدلولات انسانية تتمثل بالرعاية والصون والرحمة والعطاء . في القانون درسنا انه ثمة فرق بين العدل والعدالة , فالعدل يعني ان القاضي لاياخذ بالظروف المحيطة بدوافع وعوامل المخالفة او الجريمة ويصدر حكما قطعيا , بينما العدالة تعني الانصاف والوقوف على الاسباب التي حدت بالانسان الى ارتكاب فعلته , ومادام ان الطلاب ليسو مخالفين او مجرمين فلم لاياخذ انصاف الاساتذة هؤلاء بالواقع الحياتي المازوم للطالب ويكونوا (باباوات ) كما يدعون ويزعمون . انا لست طبيب نفساني لكن الجنس البشري على اختلاف اصله ولونه وامكاناته يتاثر بالمنبهات والمثيرات في البيئة المحيطة به فتؤثر هاتان (المنبهات والمثيرات) على السلوك البشري من حيث يشعر اولا يشعر وقد تشفي سلوكه او تعييه , وبما ان ظروف العراق تردي حتى ابو صابر (الحمار) فليس غريبا ان تنحرف الاخلاق وتضمحل الرحمة وتمرض القلوب والنفوس ويتلاشى الانصاف من قاموس هؤلاء الدكاترة . كان الله بعونكم زملائي وزميلاتي واعانكما على كل مغمور نثرت في صحراء نفسه المعوجة بذور الاذى .
|