نتائج الانتخابات العراقية شاهد آخر على رداءة النظام السياسي

ما أكثر الأدلة على رداءة النظام السياسي، وكلها غير خافية للعيان، وفي كل يوم ضحايا جدد للعنف السياسي والطائفي المستشري، يضافون لمئات الألاف الذين قضوا خلال عقد السنين الماضي، وفيما الساسة منقسمون حول توزيع المناصب أصيبت العملية السياسية بالشلل، وهي أساساً محكومة بدستور يمهد لتقسيم العراق عرقياً وطائفياً ومناطقياً وقبلياً، ولم تثبط معدلات الفقر والبطالة والفساد الأعلى عالمياً ساسة العراق عن منح أنفسهم المخصصات والمزايا والرواتب الضخمة، وفي ظل هذه الصورة القاتمة لواقع ومستقبل العراق أجريت انتخابات برلمانية، وهي كما يستدل من تحليل أولي لنتائجها لا تختلف عن بقية مظاهر النظام السياسي العراقي في تشوهها ورداءتها.

عدد مقاعد مجلس النواب العراق 328 مقعداً، وعدد المشاركين في الانتخابات إثنى عشر مليون ناخب، بنسبة اقتراع تزيد على الستين بالمائة، وتكشف نظرة استطلاعية على النتائج تبايناً كبيراً في عدد الأصوات التي فاز بها أعضاء البرلمان، إذ تراوحت بين بضع مئات إلى مئات الألاف، وفيما يلي بيان بعدد الأصوات التي حصلت عليها فئات الفائزين في الانتخابات (فئة عدد الأصوات-عدد النواب المنتخبين ضمن الفئة –النسبة المئوية للنواب):



1. أقل من ألفي صوت : 18 نائب 5.5 %



2. من 2 إلى أقل من 4 آلاف صوت : 47 نائب 14.3%



3. من 4 إلى أقل من 10 آلاف صوت : 119 نائب 36.2 %



4. من 10 آلاف إلى ما دون 20 ألف صوت : 93 نائب 28.3 %



5. من 20 ألف إلى ما دون 100 ألف صوت : 45 نائب 13.7 %



6. 100 ألف صوت فما فوق : 6 نواب 1.8%



ويتبين من هذا التوزيع الاحصائي لنتائج الانتخابات بأن 18 نائباً وصلوا إلى البرلمان بأقل من ألفي صوت لكل منهم، وهو أمر شاذ ومستهجن، وتسري هذه الملاحظة أيضاً على أولئك الذين فازوا بأصوات تراوحت بين ألفين وأربعة ألاف، ومجموع كل الفائزين بأقل من عشرة ألاف صوت لكل واحد منهم هو 184 نائباً، وهذا يعني بأن حوالي 56 % من النواب فازوا بمقاعدهم بما مجموعه حوالي مليون صوت ( أي 8 بالمائة من عدد المصوتين)، وهو تقريباً نفس مجموع المصوتين لنوري المالكي وأياد علاوي، فأين عدالة التمثيل في الانتخابات بل أين المنطق والعقل؟ وهذا دليل صارخ على تشوه بل سخف نظام الانتخاب العراقي.

وكلما تعمقنا في تحليل نتائج الانتخابات كلما توضح لنا وجهها القبيح، ففي نتائج محافظة بغداد العاصمة فازت قائمة الوزراء المالكي بثلاثين مقعداً، أي حوالي ثلث مجموع نوابها، والملاحظ أيضاً أن نصف نواب المالكي في بغداد، أي 15 نائباً، فاز كل واحد منهم بمقعده بأصوات تقل عن 4 ألاف صوت، وبالمقارنة فقد فاز أربعة فقط من مرشحي قائمة متحدون للإصلاح في بغداد، ولم ينجح 11 مرشحاً من هذه القائمة الذين حصلوا على أصوات تراوحت بين ثلاثة وخمسة ألاف صوت، وعلى سبيل المثال فإن المرشح برهان عبد القادر عن قائمة متحدون للإصلاح الذي حاز 4514 صوتاً في بغداد لن يدخل مجلس النواب لكن هناء تركي عبد الحسن من ائتلاف المالكي في بغداد أيضاً، والتي جمعت 2285 صوتاً فقط فازت بمقعد في المجلس، وسبب هذه الظاهرة الشاذة هو حصول المالكي وقائمته على أصوات أكثر من متحدون للإصلاح، لذلك فازت هناء وخسر برهان.

السؤال الاختباري الذي يقيس مدى ديمقراطية الانتخابات: هل سيكون ولاء عضو مجلس النواب العراقي للناخبين أم غيرهم؟ إن كانت الإجابة بان الولاء بالكامل سيكون للناخبين فسنحكم على الانتخابات بأنها ديمقراطية ضمن حدود ديمقراطية النظام السياسي العراقي بصورة عامة، لكن الواقع المؤسف هو أن ولاء أعضاء مجلس النواب المنتمين للقوائم الكبيرة سيكون للقوائم وقادتها على وجه التحديد، ويمكن أن نتصور رئيس الوزراء نوري المالكي مخاطباً أعضاء قائمته الفائزين في بغداد: لولا الأصوات التي حصلت عليها لما فازت غالبيتكم العظمى بمقاعد في مجلس النواب، وكلامه مطابق للواقع تماماً، وبالتالي سيطيع هؤلاء النواب رؤساء الكتل والأحزاب الذين أوصلوهم لمجلس النواب، وسيكون تمثيل مصالح ومطالب ناخبيهم في المرتبة الآخيرة من اهتماماتهم، وهو ما يؤكد لنا أن الانتخابات العراقية ديمقراطية بالاسم فقط.

توزيع العراق إلى دوائر انتخابية ليتم انتخاب عضو برلمان واحد عن كل دائرة سيفرض على النواب التوجه نحو إرضاء ناخبيهم وتمثيل مصالحهم ومطالبهم، ولكن ذلك غير كاف لأن داء النظام السياسي العراقي خطير ومستفحل، وبحاجة لعلاج شامل وجذري.

(للإسلام غايتان عظيمتان هما الإحياء والإصلاح ووسيلة كبرى هي التعلم)