مصر تجربة الريادة |
تشكل التجربة المصرية الحديثة, التي ابتدأت بإسقاط نظام مبارك, وصولا لتنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر, تجربة رائدة في الوطن العربي والمنطقة, في آلية التغيير وتداول السلطة. المصريون ودون الصدام المسلح مع الجيش, استطاعوا ان ينهوا حكم مبارك, الذي استمر لأكثر من عقدين, وتُعَدْ الثورة المصرية, الثورة الوحيدة التي لم تشهد سفكا للدماء, بشكله البشع كما حدث في بلدان الربيع العربي كما يسمى, ما خلا ما حدث في ما عرف بموقعة الجمل. إلتف المصريون حول وطنهم, وبدأوا يشرعون العمل لبناء مصر الجديدة, وجرت الانتخابات الاولى بعد حكم مبارك, والتي افضت الى وصول الاخوان المسلمين للسلطة. وكعادة التنظيمات الاسلامية المتطرفة, حاول الاخوان "أَخْوَنَةْ" الدولة, وراحوا يعطون المناصب الحساسة, والمناصب الامنية, لشخصيات اخوانية, تمهيدا لاستيلاء الاخوان على مفاصل الدولة بالعموم. حينما شعر ابناء مصر العربية بالخطر, وبدأ تضييق الحريات, وصار واضحا ان الثورة انحرفت عن مسارها, -وبعد سنة من حكم الاخوان- بدا للعيان علو سطوتهم, وتفردهم بالحكم, انبرى المصريون مرة اخرى, للتظاهر ضد حكم الاخوان, لتتوج هذه الحركة بإسقاط حكم الاخوان, بانقلاب عسكري قادة الفريق عبد الفتاح السيسي. هنا التف المصريون اكثر حول القيادة الجديدة, خصوصا ان الحكم العسكري لم يدم طويلا ليتم تسليم الحكومة لحاكم مدني وهو المستشار عدلي منصور. رغم التجربة الجديدة, وحراجة المرحلة, لكن المستشار منصور استطاع ان يعبر بسنته في الحكم, بمصر الى شواطئ الديموقراطية التي كانت غائبة عنها طول عقود, لتتوج هذه الزعامة, بانتخابات رئاسية, لم يرشح نفسه فيها, وينحصر التنافس بين مرشحين فقط, هما عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي. اجريت الانتخابات المصرية, وانتهت بهدوء وسلاسة, ضرب فيها المصريون أروع مثل لحب الانتماء للوطن, والتف المصريون حول بلدهم, لتسفر الانتخابات عن فوز السيسي بأغلبية اصوات المصريين. المشهد الانتخابي كان رائعا ايضا, فلا تسقيط ولا اتهام بين المرشحين, او بين انصارهم, بل كان الكل يهدف للنجاح, من خلال ما يقدمه من برنامج, واطروحات تأخذ بمصر نحو البناء, ثم ليتزين هذا المشهد, بصورة لا يمكن وصفها, باحتفالية اداء اليمين الدستورية وتسليم السلطة للرئيس الجديد. تسليم السلطة في مصر, هو درس يحتاج الكثير من الدراسة, والتحليل, فبدءا؛ الرئيس الحالي, وهو عدلي منصور لم يرشح نفسه للانتخابات, ورؤيته هذه رؤية وطنية خالصة, فلم يتشبث بالحكم, ولم يصور نفسه على انه القائد الضرورة, او القائد الملهم, بل كان هدفه خالصا لإنجاح التجربة المصرية, وكان هذا واضحا من كلمته التي القها خلال الحفل قائلا: "الشعب العظيم اثبت ان الوطن ابقى واغلى". الامر الاخر هو التنافس بين المُرَشَحَيْن, فلم نرَ اي اتهامات متبادلة, او تخوين بينهم, وحتى حينما مددت اللجنة الانتخابية مدة الاقتراع يوم واحد, لم نرى ذاك الضجيج, أو التشكيك بالانتخابات, لتُخْتَم بِتَقَبُلْ كلا المرشحين النتائج, وتبادل التهاني, والاشادة احدهما بالآخر. الامر الاخير, وهو المهم, ويعد درسا لكل السياسيين, وكل الوطنيين في الوطن العربي, الا وهو سلاسة وسهولة تسليم السلطة, من الرئيس السابق, للرئيس الجديد, تسليم جاء مع كل الدعوات والتهاني للرئيس الجديد, هذا الرئيس, الذي ابدى نظرة بالحكم, من خلال كلمته مخاطبا ابناء بلده "نحن نختلف لأجل الوطن, ولكننا لا نختلف على الوطن" لعمري وهذا هو قمة النبل, في العمل السياسي, نظرة تنم عن صورة قائد, يحمل مسؤوليته الوطنية, وهَمَّ وطنه قبل كل شيء. مرت التجربة المصرية, وهي ليست بعيدة عنا, نتمنى من سياسيينا ان يقرأوها بتمعن, وخصوصا اننا مقبلون على تشكيل حكومة جديدة, بعد التصديق النهائي لنتائج الانتخابات, وعلى كل مسؤول ان يقدم التهاني والتبريكات, لمن يأتي بعده في حالة عدم التجديد له من قبل البرلمان, وكذلك على الشعب قراءة ارادة المصريين للتغيير وقدرتهم عليها. كل الدعوات للشعب المصري, ان تمر تجربته بنجاح, وكل الدعوات لسياسينا وممثلينا الجدد في البرلمان, لإلقاء خلافاتهم وراء ظهورهم, والشروع ببناء الوطن.
|