سقوط الموصل.. المفاجئة.. الصدمة.. والحل

لم يكن احتلال تنظيم "داعش" مدينة الموصل نهار يوم 10/6/2014 وهي ثاني اكبر مدينة عراقية من حيث عدد السكان، مفاجئاً، خصوصاً ان عمليات مشابهة للتنظيم حصلت خلال الاسابيع الماضية، كانت تشير الى متغيرات في استراتيجياته، والى نيته توسيع نفوذه باستثمار الفشل الرسمي في اجتذاب السكان المحليين في المناطق السنية.

ولكن الانهيار السريع والانسحاب المرتبك للجيش العراقي من كل انحاء الموصل، ومن ثم في عدد من مناطق كركوك وصلاح الدين، شكل صدمة، سواء للشارع العراقي او للسياسيين، او حتى لكبار قادة الجيش العراقي الذي غادروا الموصل الى اربيل ومنها عادوا الى بغداد.

الحكومة العراقية التي اعترفت بانهيار الجيش، اعلنت عقوبات شديدة للمتخاذلين والهاربين من الضباط والجنود، لمحاولة اجبارهم على الثبات في اماكنهم، ودعت من اجل مواجهة الاحداث الى اعلان حالة الطواريء، ووعدت بتسليح كل من يقف بوجه "داعش"، واعلنت الاستنفار العام في البلاد.

في هذه الاثناء دعا المرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني الجميع الى التكاتف لمواجهة التهديد.

كما ان حكومة اقليم كردستان دانت ما اعتبرته فشلاً امنياً قاد الى سقوط الموصل، واكد ان الحكومة العراقية لم تطلب منها التنسيق.

واستقطبت الاحداث اهتماما اقليمياً ودوليا واعرب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون عن قلقه في اعقاب سيطرة "داعش" على مدينة الموصل، فيما اعربت الولايات المتحدة عن استعدادها للتعاون مع بغداد للقيام برد "قوي ومناسب".

المشهد برمته، يستدعي ثلاث اسئلة ضرورية :

 لماذا انهار الجيش العراقي بهذه الطريقة؟ ماهي خطط تنظيم "داعش" المقبلة؟ كيف ستتصرف السلطة الرسمية العراقية؟.

الشهادات العديدة التي حصلت عليها "المونيتور" من جنود وضباط منسحبين من الموصل، كانت تجمع على ان التخبط الذي يلف القرار العسكري تسبب في الانهيار، فبعض الشهادات من ضباط تتراوح رتبهم بين نقيب ورائد، اكدت تلقي الجيش اوامر انسحاب في وقت مبكر من صباح يوم 11/6/2014، وان الاوامر شملت ترك الاسلحة والمعدات، فيما ان قائداً عسكرياً بارزاً في الموصل اكد لـ"المونيتور" ان ماحدث هو عصان شامل للضباط الصغار للجنود على تنفيذ الاوامر والمقاومة انتقل كالعدوى الى كل الوحدات العسكرية، ولم يكن امام القادة امام هذا الانهيار النفسي الا الانسحاب.

تضم الموصل حسب الشاهد فرقتين عسكريتين تابعتين للجيش يصل عددهما الى 25 الف مقاتل ، ووحدات تابعة للشرطة الاتحادية يصل عددها الى 10 الاف مقاتل، بالاضافة الى الشرطة المحلية التي تقدر بنحو 30 الف عنصر شرطة.

وتؤكد تقارير "التصويت الخاص" للانتخابات العراقية التي جرت في نيسان الماضي في الموصل ان المدينة كانت تضم 78 الف عنصر امن وعسكري شاركوا في الانتخابات.

في المقابل تتضارب الانباء عن حجم القوة المقاتلة التي حشدها تنظيم "داعش" لاحتلال المدينة، وهي تتراوح بين 2000 – 3000 مقاتل.

اقرب تحليل لتفسير الانهيار العسكري العراقي الذي امتد في اليوم نفسه الى مدن الصينية وبيجي في صلاح الدين، والحويجة وسليمان بك والرشاد في كركوك يشير الى خلل جوهري في التخطيط والقيادة والتدريب، وهو خلل اقترن بالقوى الامنية العراقية طوال السنوات الماضية، على رغم حصولها على تجهيزات واسلحة متطورة.

لم تنجح بغداد طوال سنوات في انتاج جيش مهني، ولم تعمد الى برامج تدريب كفوءة ، وكان الناتج عدائية واضحة بين السكان في المناطق السنية عموماً وبين الجيش الذي ينتمي غالبية افراده الى مناطق شيعية من وسط وجنوب العراق.

وبالطبع هذا الاخفاق يرتبط بالفشل في تحقيق توازن على مستوى تمثيل المكونات داخل الجيش، وهذه من ضمن الشكاوى التي استمر السنة في الحديث عنها لسنوات.

في مقابل كل ذلك، فأن الضغوط والانهاك التي تعرض لهما الجيش وقوات الشرطة خلال الشهور التي اعقبت اندلاع المعارك في الانبار، ترك اثره على كفاءة المؤسسة الامنية.

وبصرف النظر عن اسباب الانهيار الامني، فأن تنظيم "داعش" الذي لم يكن بكل يتصور سهولة السيطرة على مناطق شاسعة من دون حتى قتال فعلي، لابد انه سيطور ستراتيجياته، لاستثمار انهيار الجيش، خصوصاً بعد حصوله على معدات واسلحة وذخائر تخص فرقتين عسكريتين، ومخازن اسلحة اساسية في مطار الموصل الذي يعتقد ان المسلحين حصلوا على بعض المروحيات فيه.

وبالفعل تقدم "داعش" الى مدينة بيجي التي تضم احد اكبر مصافي النفط في العراق، والى كركوك حيث الابار النفطية، كما انه حرص على السيطرة على الحدود السورية خصوصاً في معبر اليعربية، الذي يسيطر عليه من الجانب السوري الجيش السوري الحر.

الواقع ان "داعش" لن يحتاج الى نقل كل القوات التي دخلت الموصل، لمسافات طويلة، خارجها، لانه يمتلك في الاساس خلايا نائمة وناشطة في مناطق جنوب الموصل وصولاً الى حدود بغداد الشمالية، ويمتلك خلايا مشابهة في حدود بغداد الغربية والشرقية والجنوبية، ما يجعل بغداد التي تضم داخلها خلايا للتنظيم هدفاً رئيسياً له.

لكن التوجه الى حرب كبرى على ابواب بغداد، لايمكن ان يكون ضمن المخططات السريعة لتنظيم "داعش" خصوصاً انه سيحتاج اولاً الى استيعاب المناطق التي تمكن من السيطرة عليها، ومحاولة استمالة سكانها للحصول على مقاتلين ودعم لوجستي، وهذا الامر سيتطلب المزيد من الوقت.

رد الحكومة العراقية والقوى السياسية عموماً على تطورات الاحداث، يجب بدوره ان يكون منهجياً ويعمد الى استثمار كل مايحدث، لاحداث نقلة تتمكن من معالجة الاخطاء الجسيمة التي ارتكبت خلال المراحل الماضية وضربت صلب السلم الاجتماعي، والتوافق السياسي.

اعادة الجيش وتدعيم حالته المعنوية يجب ان يرتبط بعمليات اصلاح هيكلية في بنية الجيش، تبدأ ببعض القيادات الرئيسية، التي اثبتت فشلها على اكثر من مستوى، واحداث توافق سياسي شامل لمحاربة الارهاب، بما يضمن اجتذاب السكان المحليين في المناطق التي سيطر عليها "داعش" والمناطق السنية عموماً، ما يشمل معالجة "شجاعة" للمطالب التي تعبر عنها باستمرار القوى السنية، وهي مطالب متاحة للتنفيذ خصوصاً تلك التي تضمن احداث حدود دنيا من التوافق السياسي والاجتماعي المفقود، ولا تطعن في جوهر العملية السياسية او الدستور.

كما ان معالجة القطيعة على المستوى السياسي وعلى مستوى التنسيق العسكري بين الحكومة المركزية في بغداد، وبين اقليم كردستان، بات ضروريا، فقوة "البيشمركة" الكردية، يمكن ان تكون عاملاً مهماً في الحرب على الارهاب، ومن غير المفيد اهمال هذه القوات بخبراتها الكبيرة التي تفوق في كثير من منافذها خبرات الجيش العراقي.

في الخلاصة، فأن سقوط الموصل ومدن اخرى بيد الارهاب، سبقته مقدمات سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية، وان الوصول الى هذه النقطة المعقدة اليوم، يتطلب اجراءات بحجم الازمة، وهي معالجات تخص اعادة رص الصف الوطني، والتخلي عن السياسات التي اثبتت فشلها سابقاً والتي قادت الى قطيعة بين الحكومة من جهة والسنة والاكراد من جهة اخرى، اضافة الى القطيعة مع الشيعة انفسهم.