اعتذار متأخر.. بعد خراب العراق

صدرت يوم الثلاثاء الماضي10/6/2014 مذكرات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الاميركية السابقة بعنوان ( خيارات صعبة ) عن دار نشر ( سيمون أند شوستر ) باللغة الانكليزية على ان تصدر مترجمة الى الفرنسية يوم غد الاربعاء 11/6/2014 عن دار فايار للنشر، بعد ستة عشر شهرا من تركها للمنصب . وقد اثارت تلك المذكرات الكثير من الانتقادات حتى قبل صدورها, وبمجرد ان اعلنت محطة ( سي بي اس نيوز ) المالكة لدار نشر المذكرات عن الكتاب المذكور بتاريخ 5/6/2014 . وتضمنت تلك المذكرات احداث السنوات الاربع التي قضتها كلينتون في وزارة الخارجية . ومن تلك الاحداث احداث مصر وسوريا والعراق وليبيا والقرم. ولم تخلو المذكرات من ولع الامريكان بالارقام، حيث ورد انها زارت في تلك الفترة 112 بلدا وقطعت مامجموعه مليون ميل . وقد اثار النقاد مسائل كثيرة عن هذه المذكرات, فقد كتب مايك الن ساخرا في ( بوليتيكو ) صباح يوم 9/6/2014 بانه " شخير بلا اخبار , كتب بعناية دون الاساءة بان تغذى فكرة ان السياسة تدخل في كل جزء من حياتها ....، في هذا الكتاب, كما في اغنية ليغو موفي ( الكل رائع )". وقبل يوم واحد كان جون ديكرسون قد استعرض الكتاب في صحيفة التايمز يوم 8/6/2014 قائلا : " ان هذه المذكرات قليلة الملح , ومنخفضة الدهون, وبسعرات حرارية منخفضة مع رغوة الفانيليا مثل الحلوى. انها مطولة كثيرا, ولكنها ليست عميقة كثيرا " . وهذا ما سبق ان اعرب عنه بيتر نيكولاس في صحيفة دول ستريت جورنال بتاريخ 5/6/2014 حيث كتب قائلا, بان انتقادات شديدة قد وجهت لكتاب هيلاري كلينتون ( الخيارات الصعبة ) على انه ازمة اخبار مفتعلة .... وانها لم تكشف عن الكثير من الامور سوى ما يتعلق بلقاءها الاول مع باراك اوباما , وخطأ التصويت على حرب العراق والهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي . وكتب ميشيكو كاكوتاني في صحيفة ( نيويورك تايمز ) في 7/6/2014 تحت عنوان ( كتاب هيلاري كلينتون " الخيارات الصعبة " يصور كدح السياسة المجرب ) قائلا : ان واحد من عدة اشياء يشترك بها هذا الكتاب مع كتاب مذكراتها السابق ( التاريخ الحي ) لعام 2003, هو تشديد السيدة كلينتون على انها شخص قابل للنمو والتغيير: شخص يقول بانه قد تعلم من اخطاءه السابقة، مثل تصويتها عام 2002 بتخويل القيام بعمل عسكري في العراق . وانها اخطأت. والذي وصفته ( بسهولة وبساطة ) . وان عملها في الخارجية الامريكية كان يكمن في اعادة توجيه السياسة الخارجية الامريكية زمن العولمة .. والمساعدة على استعادة صورة الولايات المتحدة في الخارج في اعقاب حرب الخليج واحادية ادارة جورج بوش . وكتب زيك ج. ميلر في صحيفة التايم في 8/6/2014: ان هناك اعتذار لها طال انتظاره لتصويتها على حرب العراق.وفي (بزنس انسايدر ) كتب كولن كامبل مقالا بعنوان ( كتاب هيلاري كلينتون سيدمره النقاد ) في 9/6/2014 قائلا : بان هذا الكتاب قد هوجم من النقاد لانه كتب بحذراكثر من اللازم , لذا فقد جاء سرد تلك المذكرات رتيبا تبعا لذلك .
 وقد ذهب جميع المحللين بان هذه المذكرات القصد منها هو تسويق هيلاري كلينتون لرئاسة الولايات المتحدة لعام 2016 ورغم سؤالها عن ذلك, فقد اجابت بانها لم تقرر بعد . وانه خيار صعب اخر قادم . اما الصحافة العربية فقد نقلت الخبر بشكل روتيني طافح , ولم تجر اية دراسة نقدية لهذه المذكرات, التي تقع في 635 صفحة ,لشخص قد يتبوء  منصب رئيس الولايات المتحدة القادم . وما نركز عليه في هذا المقال هو ( خطأ كلينتون حول العراق ) بقولها انها صوتت لصالح قرار الحرب على العراق عندما كانت تشغل مقعدا في مجلس الشيوخ عام 2002 حيث كتبت تقول : اعتقدت اني اتخذت القرار بحسن نية وانني اتخذت افضل قرار ممكن انطلاقا من المعلومات المتوفرة لدي, لكني اخطأت بكل بساطة وبسهولة. مضيفة : ولم اكن الوحيدة التي ارتكبت الخطأ . سوف لن اكون جزءا من عراك سياسي على ظهور قتلى امريكيين . واذا كانت الحرب خطأ كما تراه كلينتون, وقد سبقها رئيسها جورج بوش عام 2008 عندما أسف لفشل مخابرات بلاده في تقديم معلومات صحيحة حول ترسانة اسلحة الدمار الشامل التي على اساسها اتخذ قرار الحرب على العراق , وعلى ماقدمه سلفها في الخارجية الامريكية انذاك كولن باول الذي اشتهر بخطابه في الامم المتحدة مستعرضا رسوما مفترضة لاسلحة الدمار الشامل والتي تبين فيما بعد بانها غير صحيحة . وقد اثيرت في حينها مسألة المسؤولية الاخلاقية والقانونية عن تلك الحرب، فما بالنا اليوم ونحن نشهد سقوط ثاني اكبر مدن العراق بعد العاصمة بغداد وهي مدينة الموصل الاثرية ( نينوى ) بيد جماعة ارهابية مسلحة وهروب القيادات الامنية ومحافظ المدينة بعد احدى عشرة سنة من ( تحرير العراق). وفي رأينا, ان البحث عن الاخلاق أمر صعب ولا جدوى منه في دهاليز السياسة اليوم , وربما سيطول البحث عنها , دون ان نجد لها اثرا حالها كحال اسلحة الدمار الشامل العراقية . ولكن المهم هو انفاذ القانون سواء الدولي والوطني والبحث عن المسؤول أو المسؤولين عن هذا الخطأ الذي يقر به الجميع , ليتسنى للمجتمع الدولي بعد ذلك من محاسبته قانونا على ذلك الخطأ وفق الاليات القانونية المتاحة، ومن بينها اقرار التعويضات عن نتائج هذا الخطأ. فالقاعدة القانونية تنص على ان كل خطأ يستوجب التعويض وازالة الضرر. وهذه هي القاعدة التي طبقت وما زالت على العراق في دفع التعويضات عن الاضرار التي ارتكبها نظام صدام حسين . فهل ارتقى المجتمع الدولي في القرن الحادي والعشرين الى تلك المرحلة، وقد شهدنا العديد من المسؤولين الامريكيين يعترفون باخطائهم متأخرين ويعتذرون عنها علنا, لكنهم يتجنبون الحديث عن المسؤولية القانونية عن ذلك الخطأ الذي قاد الى نتائج مريرة على ارض الواقع. فعلى الاقل ان تلك الحرب افرزت ( 138692 ) ضحية من العراقيين بحسب موقع (Iraq body count  ) البريطاني . فهل سيقود هذا العدد الكبير من الضحايا والخراب الذي لحق بالعراق ارضا وشعبا واقتصادا لاكثر من عقد كامل الى محاكمات دولية لمسؤولي الحرب, أم ان ذلك يطبّق على العراق والبوسنة والهرسك وروندا فقط . وهل يدين احد للعراقيين المستقيمين بشيء على تدمير بلادهم ؟