دولة العراق التاريخية المعروفة ببلاد الرافدين او بين النهرين ( Mesopotamia ) ميزوبوتاميا ويقول عنها ادي شير ص1: ان ارض ما بين النهرين هي البقعة الكبيرة التي يكتنفها الدجلة والفرات وتسمى في سفر الخليقة بأرض شنعار ويدعوها الكلدان بيت (نهراواثا) او بيث نهرين والعرب الجزيرة واليونان والروم ميزوبوتاميا .. تأسست دولة العراق قبل آلاف السنين نجدها اليوم تترنح لتواجه انقساماً خطيراً ، فبعد ان كانت هذه البلاد موحدة ، بل وتضم تحت سيطرتها اراض وأمم كثيرة في عهد الأمبراطوريات القديمة ، نجدها اليوم مقبلة على الأنقسام ، وفي السياق التاريخي ايضاً فإن كلمة العراق التي يقول عنها هنري فوستر في كتابه : نشأة العراق الحديث ص17 انها كلمة عربية دخلت في الأستعمال بعد الفتح العربي في القرن السابع الميلادي، وكانت هذه الكلمة قد اطلقت في ذلك الوقت على جزء من الوادي الذي عرف لدى القدماء باسم بابل او كلديا ويقول المترجم في حاشية في نفس الصفحة بأن تسمية كلديا في التوراة وقد قصد بها بلاد سومر في الدرجة الأولى ولذلك عرفت مدينة اور عاصمة السومريين باسم ( اور الكلدان حيث تشبث بها المسيحيون فيما بعد بهذه التسمية فاعتبروا ان الكلدان هم سكان العراق القدماء .
لقد بقي العراق موحداً في العصور التاريخية في عهد السومريين والأكديين والعيلاميين والأموريين وفي عهد الدولة البابلية , والدولة الآشورية ، و في عهد الدولة البابلية الحديثة الدولة الكلدانية والتي انتهى فيها العهد الوطني البينهريني العراقي ، حيث دخل العراق تحت حكم القادمين من خلف الحدود ، فكان تحت حكم اليونانيون والفرثيون والساسانيون ، ثم العرب تحت حكم الخلفاء الراشدين ثم الدولة الأموية والعباسية ، ثم الدولة العثمانية وبعدها الحكم الملكي، الى ثورة تموز 1958 ، حيث حكم العراق شخصية عراقية المتمثلة بعبد الكريم قاسم .
اليوم كانت الصدمة الكبرى بما حل بالعراق باستيلاء تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام (داعش ) على مدينة الموصل ومدن عراقية اخرى . من المؤكد ان هذا الفعل لم يأت اعتباطاً دون مقدمات ، وبالعودة الى عقود انصرمت فنلاحظ ان العراق شهد تقلبات السياسة والمبادئ ، فالفكر الطبقي شهد نكسة كبيرة بعد انهيار الأتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين وتفكك المنظومة الأشتراكية ، وفي العراق لم ينجح الفكر الطبقي بتطبيق واقع معيشي تلتف حوله الجماهير ويكتب له الديمومة ، ولهذا لم يجد هذا الفكر التطبيق الملموس على ارض الواقع .
وبدلاً من ذلك نهض الفكر القومي العروبي في مد وزخم ثوري سيطر على الساحة العربية كما استطاع استقطاب الشارع العراقي ، وهذا الفكر ( الفكر القومي العروبي ) ، ادخلنا في دوامة الفكر الشمولي ، ليصار الى إقصاء القوميات الأخرى في البلد ، ولندخل في متاهات الحروب الداخلية والخارجية وتحت قيادة دكتاتورية فردية .
في هذا الواقع المرير الذي هيمن على الساحة العراقية ، كان فقدان البوصلة امام الجماهير التي لم يبق امامها سوى الملاذ الديني والمذهبي الطائفي لتشكل بديلاً لتلك الأنتماءات القومية والطبقية . فكان نهوض الأحزاب السياسية المتسربلة برداء الدين والمذهب ، وبذلك جرى تقسيم واضح وصريح للشعب بين السنة والشيعة ، ولتظهر الخلافات المدفونة وكأنها الجمر تحت الرماد الى ان اتيح لها للخروج الى العلن لتشكل سبباً لنشوب الحرائق الكبيرة في المجتمع وفي نهاية المطاف كان تطورها الى عمليات العنف في الأنتقام والثأر والأرهاب على تربة العراق وفي المنطقة .
وهكذا لم يفلح اي حكم بأيجاد لغة مشتركة بين التنوع العراقي في إطارها الوطني لبناء مشروع دولة عراقية مؤسساتية علمانية ديمقراطية تراعي مصلحة كل الأطياف العراقية بصرف النظر عن الأنتماء الديني او المذهبي او العرقي .
خلال 35 سنة من عمر حكم حزب البعث ( وبالعربي الفصيح ، حكم السنة ) ادخل العراق في حروب داخلية وخارجية ، وأسس حكم مركزي استبدادي ، لا حرية لمن يختلف عن يقينياتهم المطلقة ، والديمقراطية كانت تعني عندهم انفراد الحزب القائد والأوحد في الحكم ، ولا اعتراض ولا معارضين على حكمهم هكذا مرت عقود صعبة على العراق .
وبعد 2003 اي بعد سقوط النظام توهمنا بتصورنا ، اننا مقبلون على تأسيس دولة الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والى التحول الى يابان في البناء والى سويسرة في الديمقراطية ، لكن اسقط في ايدينا إذ خيمت على الساحة السياسية خطابات الأحزاب الدينية والمذهبية ذات الطابع الطائفي ، وهيمنت بفضل الديمقراطية ، على الساحة السياسية الأحزاب الشيعية ، والغريب ، ان حكم الشيعة بدلاً من تطوير البلد والأستفادة من اجواء الديمقراطية ، إضافة الى الثروة الهائلة من إيرادات تصدير النفط ، فإن ( الطبقة السياسية الشيعية ) مع الأسف ، انخرطوا في مشاكل مع الآخرين لا اول لها ولا اخر ، وقد كانت كثير من هذه المشاكل من صنع ايديهم كالمشاكل مع اقليم كوردستان ، ومع المتظاهرين في الأنبار وغيرها من المشاكل التي كانت تحتاج شئ من الأعتدال والعقلانية لحلها .
بكل صراحة اقول :ـ
إن الطبقة الشيعية الحاكمة قد فشلت في حكم البلد وفي تعزيز وحدة المجتمع العراقي ، لقد حولوا العراق الى ساحات مآتم للبكاء واللطم ، مع احترامي لكل الشعائر الدينية فالعبادة من الشؤون الخاصة للانسان ولا يجوز ان توقف عجلة التقدم والأنعتاق من الدوران .
هكذا اليوم نلاحظ تقسيم حقيقي للعراق :
اولاً : الى عراق شيعي ، يتمثل في الحافظات الجنوبية والوسط ، التي فيها اكثرية شيعية وتتزعمها احزاب سياسية دينية شيعية . وثانياً : عراق سني ، الذي يسعى الى تشكيله بالقوة العسكرية تنظيم الدولة الأسلامية في العراق والشام ( داعش ) المتمثل في المحافظات السنية وبعض المحافظات المختلطة وهي محافظات الأنبار كبرى المحافظات العراقية وديالى وصلاح الدين والموصل ، وكركوك المتنازع عليها والتي تحتفظ بأكثرية كردية . وثالثاً :اقليم كوردستان في المحافظات الكوردستانية ، بالإضافة الى المناطق المتنازع عليها والتي يحافظ على امنها وأستقرارها اقليم كوردستان .
ويبقى السؤال ماذا إذا طلب شعبنا الكلداني وبقية مسيحيي العراق بأقليم او كيان ذاتي كلداني باعتبار القومية الكلدانية هي القومية الثالثة بعد العربية والكردية في خارطة القوميات العراقية ؟ اليس من حقنا نحن السكان الأصليين ان يكون لنا مساحة من الأرض نعيش عليها كما نشاء ؟ ام ان ذلك حلال على غيرنا وحرام علينا نحن الشعب الكلداني وبقية مسيحيي العراق . لماذا يستكثر علينا مثل هذا المطلب ، مع انه مطلب مشروع وأخلاقي .
إن الذي يجري على ارض العراق ان الكثير من العراقيين باتوا يدينون بالولاء لجماعات ومرجعيات وميليشيات وعشائر وليس لدولة العراق ، واصبح الولاء للعراق بالمرتبة الثانية او الثالثة بعد الولاءات الأخرى .
لقد كتبت جريدة الشرق الأوسط يوم 11 / 06 / 2014 ان تمدد داعش من شرق سوريا الى غرب العراق يسهل مهمتها في تكوين دولة اسلامية :
ويبدو أن توسع نفوذ التنظيم المعروف بتسمية «داعش» من سوريا إلى العراق لم يكن ممكنا «لولا توطيد تحالفاته مع زعماء العشائر في المنطقة والاستفادة من مصادر التمويل، لا سيما آبار النفط، التي سبق وسيطر عليها في مناطق شرق سوريا لتحصين مواقعه في العراق»، وفق ما يؤكده الخبير في الحركات الجهادية وعضو الائتلاف السوري المعارض عبد الرحمن الحاج لـ«الشرق الأوسط»، مرجحا وجود «عدد من الضباط داخل الجيش العراقي يتعاونون مع التنظيم المتشدد على المستوى الاستخباراتي لتزويده بالمعلومات لتسهيل تحرك قواته ومنع استهدافها»، لافتا إلى أن «سرعة الانهيار العسكري في الموصل أمام هجوم (داعش) يدل على أن جزءا من الجيش العراقي يساعد التنظيم».
ملخص الكلام ان تغيراً كبيراً حصل في معادلة التوازن بين الشيعة والسنة العرب والأكراد ، حيث ان السنة العرب ، عبر داعش ، بصدد تشكيل دولة الخلافة الأسلامية في المدن السنية التي يسيطرون عليها في العراق وسورية ، خاصة وإن هذا التنظيم قد استولى مؤخراً على سلاح نوعي من الطائرات وكميات كبيرة من الأسلحة والذخائر ، فالمعادلة اصبح لها ابعاد اخرى ينبغي ان يحسب لها حساب . في ظل هذه الظروف يمكن الرجوع الى ما قاله جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي :( انه من الأساليب التي تسمح بالحفاظ على وحدة العراق هو منح كل جماعة عرقية او تجمعها روابط دينية او طائفية مجالاً لإدارة نفسها بنفسها ).
نأمل ان لا نجد كارثة تقسيم العراق في حياتنا
|