توضيح هام لما حصل في الموصل

في بادئ الأمر هاجمت قوة مسلحة لا يعلم احد ما هويتها، ومن هم، وماذا يريدون، ووقف الجميع مع الجيش.. والجيش في الموصل جزء غير قليل منه هو من أهالي نينوى، والباقي من باقي محافظات العراق، وهناك علاقات كثيرة متداخلة مع أبناء المحافظة رغم إن السياسة العامة للجيش تعتمد على تضييق الخناق، ونحن نتكلم عن طـُرق مسدودة في الموصل تصل إلى نسبة (50– 60)% من الطرقات، وإصدار قرارات غريبة، وبالأخص من بعض القادة الأمنيين (كالغراوي)، كغلق ساحات السيارات، ومنع دخول وخروج سيارات الحمل، وسيارات نقل الأدوية، وأحياناً كثرة الاعتقالات العشوائية، كل هذا بالإضافة إلى التهديد الأمني الذي يتعرض له المواطن من المواجهة المباشرة بين من يعتبره الجيش هدفاً له بسيارات مفخخة، أو عبوات يكون المواطن ضحية له، نحن تمسكنا بالجيش، ونسبة كبيرة جداً من أبناء الموصل تمسكوا بأمل قوي على إن الشرطة والجيش سينهون هذه الهجمة، واعتبروا ما يمرون به كابوس مقابل هجوم من قوة غريبة، لا نعلم عنها أي شيء...!

مرحلة الهجوم

قاومت الشرطة المحلية في مناطقها في الجانب الأيمن للفترة ما بين يوم الخميس ليلاً إلى يوم الاثنين ليلاً، حيث لم تستطع أن تقاوم وسط اشتباكات حقيقية دامية، وقصف مدفعي من مقر الفرقة الثانية على مناطق المسلحين رغم وجود عوائل في تلك المناطق... ما شاهده العالم من مناظر أشلاء لمواطنين هي بسبب سقوط مدفعيات وهاونات للجيش العراقي بطريق الخطأ أو بسبب الرمي العشوائي... تدخَّـل الجيش في الجانب الأيمن وأحرز تقدم، وعشنا جميعاً ليلة الاثنين أجواءً من الفرح على أخبار انسحاب المسلحين، واستعدينا للعودة إلى الحياة الطبيعية.. اليوم الثاني وبخاصة، بعد ظهور المحافظ بقوة لاسيما مشاهدته يتجول في الجانب الأيمن، وفي مناطق واسعة جداً منه، وتفقد المستشفيات في الجانب الأيمن، وأثبتت جولته للجميع إن هنالك انحسار كبير للمسلحين، وتقدم ملحوظ للشرطة والجيش...!

الفارق حصل في تمام الساعة (3 أو 4) مساء يوم الاثنين، في الوقت الذي أعلن الجيش العراقي انه استولى على فندق الموصل، وهو أهم نقطة يجب السيطرة عليها، لان الفندق يعتبر أعلى نقطة ويطل على النهر وعلى مناطق التماس المباشر، وكان تحت سيطرة قناصي المسلحين... في ذلك الوقت دخل صهريج مفخخ على مكان تواجد الجيش، وهز المدينة انفجار هائل، احدث فارقا غريبا وعجيبا، إذ بعـد الساعة الخامسة مساءاً بدأت الأخبار والإشاعات تتوالى مسرعة بسقوط مناطق في الجانب الأيمن، وعن وصول المسلحين مقتربات قيادة العمليات في منطقة الطيران، وهي منطقة سكني، ونحن جالسين نحارب الإشاعات ونكذب الأخبار، والتي صدقت في آخر الأمر بعد سقوط هاونات على مقر القيادة، وحصول مواجهات... بدأنا بالخروج لخطورة الموقف في تلك المنطقة...

خرجنا من منطقة الطيران آخر معقل في الجانب الأيمن كان ذلك في الساعة الحادية عشر، قمنا بعبور الجسر الرابع متجهين إلى الأيسر وكلّنا يقين إن الجانب الأيسر سيبقى حصينا، وهو تحت مسؤولية الجيش فقط لا غير... ما هو مضحك ومبكي في نفس الوقت، إن المسلحين وصلوا قبل الأهالي إلى الجانب الأيسر، وما بين الساعة ال 11 مساءاً والساعة 2 صباحاً كان الجانب الأيسر قد سقط كاملاً بعد انسحاب مقر الفرقة الثانية كاملاً بدون إطلاق أي طلقة ...

قراءة أسباب انسحاب الجيش

لقد أنصدم أهل الموصل صدمة لا يمكن لأحد أن يتخيلها، وهو يرى ذلك الجيش الذي كان خاضعا له بكل احترام وأمل المواطنين أن يستطيع هذا الجيش توفير الأمن للموصل حتى تشق الحياة طريقها ويستمر تطوير المدينة، حالنا حال محافظات الإقليم، مع وجود الإمكانيات والقابليات، والموارد والعوامل المساعدة كافة، لكن هذا الجيش انسحب، والكل ألقى ملابسه في الشوارع بطريقة ليس فقط تعارض الدستور وقوانين المؤسسة العسكرية، بل أيضاً تعارض الأخلاق تماماً، والقيم والمبادئ التي يجب أن يتربى عليها عنصر الأمن أو صاحب الأمانة فهؤلاء قد تركوا أمانة ثقيلة في الشوارع والمسلحين اليوم يقومون باستعراض عسكري متكون من جميع أنواع الأسلحة، وصدقوا أو لا تصدقوا إن لديهم مروحيات عدد 2 ومدافع نراها بأعيننا في الاستعراض على منطقة المنصة في وسط الموصل، وكلها بسبب ذلك الانسحاب... إن أسباب الانسحاب هو ليس ذلك الجندي البسيط، فالجنود قد واجهوا الكثير في الموصل خلال السنوات التي مضت، لكــن انسحاب القادة هو ما دمّر جميع المعنويات لدى الجيش، وأصبح لدى جنود الجيش تصّور أنهم هالكين لا محالة...!

لكن هذا الانسحاب معجزة من معجزات القرن واحد وعشرين، فانسحاب جميع قوات الجيش العراقي حصل خلال ساعات قليلة فقط ، وهي سرعة خيالية لم أرى مثيلاً لها، وإذا كان للجيش العراقي قدرة على التحرك بهذه السُرع دائماً فيمكن عـده أقوى جيش في العالم...!

(من هنا أحب أن أوضح وأؤكد انه إلى لحظة انسحاب الجيش كان الناس جميعاً لا يعلمون من هم المهاجمون، وكل ما وصل للأهالي من معلومات: إن هنالك مقاتلين من جنسيات مختلفة، منهم أفغان وشيشان وخليجيين، وطبعا عراقيين شاركهم بطبيعة الحال مقاتلين من الداخل دعّم هجومهم)... لكن ما بين انسحاب الجيش الذي خذل المواطن الموصلي وجعله يندم على 10 سنوات من سجن كبير، كان يأمل المواطن الموصلي أن يتحسن الوضع، وان يخرج الجيش منتصرا ًعلى تدهور الوضع الأمني، وان الجيش قادر (وكل هذا تفكير ساذج نظراً للتدهور المستمر)، لكنه كان موجودا وما بين انتشار المسلحين وتطمينهم للمواطنين أنّهم لن يؤذوا أحداً، ولم يأتوا من اجل إيذاء احد...!

خرجنا في أول يوم للسقوط لنرى إن المسلحين العراقيين، وليس الأجانب (الذين على ما يبدو أنهم التحقوا بساحات قتال جديدة) قد حمَوا البنوك والمصارف، وجامعة الموصل والمحلات، وكل المؤسسات وأعادوا العمل في المستشفيات، ورفعوا الحواجز، وفتحوا الطرق... وفي اليوم الثاني أعادوا الكهرباء بالتعاون مع دائرة الكهرباء، وحافظوا على استمرار عجلة الحياة وإعادتها بأسرع وقت ممكن... هنا لا نمدح ولا نذم أحد، لكننا نصف واقع حصل والعائلة الموصلية هي عائلة لا تعني بالسلاح، ولا تحب القتال ولا تحب المعارك؛ غُصبت على الحروب، وظُلمت كثيراً، وهي تريد الستر، وتريد العيش بسلام، كل ما تمنيناه ونتمناه، وسنبقى نسعى لأجله، هو العيش بسلام فقط...

هذه قصة ما حصل، الغاية منها فقط تبيان ما حصل من خذلان الجيش للمدينة، وإن المواطن الموصلي ليس له علم، ولا دخل فيما حصل، لكننا نصف ما يحصل ولكم حرية الفهم والتعبير والتحليل...! 
حمى الله العراق وأهل العراق من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه