ما هي " داعش " ومَنْ هو مؤسسها ؟

 

سؤال قد يبدو - أول وهلة - لدى قارئه ساذجاً , لأن الصور التي زرعها الإعلام عن أعمال " داعش " في ذهن القارئ , جعلها تتزاحم وتتراقص أمامه .. من مشاهد الذبح والقتل واللثام والرايات السود والشعارات والأهازيج الثأرية والاقتصاص من الكفّار والمرتدين , بحيث لا تدع مجالاً له أن يتأمل , قبل إقدامه على الإجابة الفورية القائلة : وهل هناك أحد لا يعرف " داعش " وأفعالها .. أنظر إلى أي مكان دخلته هذه العصابات وشاهد ما خلفته وراءها من دمار وعبث .
للأسف الشديد هذه الإجابة هي الساذجة , وهي ليست الإجابة العلمية والمسؤولة عن السؤال : ما هي " داعش " ومَنْ هو مؤسسها ؟
هل يُعقَل أن تنظيماً إسلامياً مسلّحاً , يعبث ويقاتل في دولتين عربيتين كبيرتين ومهمتين , هما سورية والعراق , ويسيطر على مساحات شاسعة فيهما , لا أحد يعرف عنه معلومة علمية دقيقة ؟ ولم تصدر عنه حتى هذه اللحظة , من قبل مراكز البحوث والدراسات دراسة علمية , أو أكاديمية تعرِّف به وبأهدافه وبقياداته , وقبل كل هؤلاء بمؤسسيه ؟!
نعم .. لا يوجد حتى الآن أي كتاب علمي رصين عن " داعش " وكل ما موجود عنه , هو كلمات مبهمة وتضليلية , حيكت بأنامل استخبارية ومخابراتية دولية ذات أغراض وسياسات مؤذية بحق العراق وبعض دول المنطقة .
لو استخدمنا السؤال نفسه بحق تنظيم " القاعدة " مثلاً ومؤسسه .. ما هي " القاعدة " ومَنْ هو مؤسسها ؟ ستنهال عليك الإجابات الموّثقة في بحوث علمية وأكاديمية رصينة , تستند في معظمها إلى حقائق وتاريخ صحيح . 
ف " القاعدة " على سبيل المثال وليس الحصر , بَحَثَها " كمال الطويل " في كتابه " القاعدة وأخواتها " الصادر عن دار الساقي في بيروت بطبعته الأولى عام 2007 م . الطويل صحفي لبناني وأكاديمي , يعمل في أشهر صحيفة عربية بالعالم ( الحياة ) اللندنية منذ عام 1991 م . تتبَّع في كتابه الآنف قصة الجهاديين العرب , منذ انطلاقتهم في أفغانستان أواخر سبعينات القرن العشرين وحتى ساعة إنهاء بحثه , وتوقف عند القاعدة فكراً ومنهجاً , ذاكراً أسماء ووقائع حقيقية معروفة , وليست سريّة أو مبهمة , غرضها التضليل لتمرير السياسات المدمرة بحق بلداننا .
ومؤسس " القاعدة " على سبيل المثال وليس الحصر , بَحَثَهُ " جوناثان راندل " في كتابه " أسامة " الصادر عن دار النهار في بيروت بطبعته العربية الأولى عام 2005 م .راندل صحفي أميركي وأكاديمي عمل منذ عقود من الزمن في أهم صحيفة بالعالم ( واشنطن بوست ) تتبَّع في كتابه السالف أسامة ابن لادن منذ ولادته وحتى ساعة الفراغ من كتابه , بطريقة مفزعة , لدرجة تجعل الإنسان يتساءل في نفسه : كم بذل هذا الصحفي من جهود وأوقات وأموال من أجل التوثيق العلمي الدقيق لحياة مؤسس تنظيم إسلامي أرعب العالَم .
السؤال للمرة الأخيرة : ما هي " داعش " ومَنْ هو مؤسسها ؟ 
الجواب : لا يوجد جواب !
بعد سنين من هذا السؤال سنكتشف الآتي :
" داعش " أكذوبة , صنعت منها الدول التي تريد إيذاء العراق وشعبه بعبعاً , تخيف منها الناس وتشغلهم بالتفكير فيها , لكي تمرَّ تحت هولها وهالتها سياساتهم , ولكي لا يتفرَّغ العراقيون لبناء بلدهم , وإعادة إعمار ما خرَّبته الحروب والويلات .
" داعش " أكذوبة طفت على السطح بين ليلة وضحاها . فهي بلا تاريخ ولا جذور ولا زعامات ولا قيادة معروفة ولا أرض تواجدت عليها من قبل .
بعد سنين سنكتشف إن انطلاقتها للعبث بمقدرات العراق , قد جاءت بُعَيدَ زيارة الرئيس الإيراني " حسن روحاني " إلى تركيا , واتفاق إيران مع الأتراك على إنهاء القتال في سوريا , وتهدئة الأوضاع فيها .
سنكتشف إن " داعش " احتلت الموصل تزامناً مع استعصاء تشكيل الحكومة العراقية , وانتهاء عمل البرلمان العراقي في انتظار عمل البرلمان الجديد , الذي لم يُعقد حتى هذه اللحظة , ولم تصادق المحكمة الإتحادية على أسماء النوّاب الجدد حتى الآن , في حالة من الفراغ التشريعي يعيشه العراق , إلى جانب الفراغ الأمني والاقتصادي والرئاسي .
بعد سنين سنعرف مَنْ الذي سلَّح " داعش " ومكَّنها من أرض العراق وانتهاك حرماته .
بعد سنين سنعرف كل شيء , إلاّ شيئاً واحداً سنبقى لا نعرفه .. أو قل سنعرفه أيضاً ! ألا وهو : ما هي " داعش " ومَنْ هو مؤسسها ؟