العالم الجديد

 

محمد البادع.

نعم إنه كأس العالم.. لا تتعجب هكذا ولا تفتح فمك مندهشاً لما تشاهده.. ولا تحاول الربط بين ما يحدث في البرازيل وما كنت تشاهده هنا أو هناك.. تحرر من هذه الفوضى التي كنت تشاهدها.. أطلق العنان لنفسك و«انسف حمامك القديم».. أنت في البرازيل.. أنت في العالم الجديد والكبير وهذا الذي تشاهده هو العادي ولو كان الأمر خلاف ذلك لكانت هناك مشكلة.


أنت تشاهد حلماً لا يأتي إلا كل أربع سنوات.. هل تريد أن تنتظر لتشاهد ما تشاهده كل يوم.. هل تريد أن تظل في تلك الدائرة الضيقة.. الصعود والهبوط والنقطة والثلاث.. إنها الكرة الحقيقية، تروج لنفسها في بلاد السامبا.. تقول لكم «أنا الحقيقة وكل ما عداي وهم».

تلك الحقيقة الكروية التي جسدتها مباراة هولندا وإسبانيا بأهدافها الستة ونتيجتها التاريخية وأصدائها العالمية، عادت لتتكرر ولكن بإيقاع مختلف في مباراة إيطاليا وإنجلترا.. نعم لم تنته بنتيجة كبيرة، لكنها كانت مباراة كبيرة.. كانت كاملة الدسم.. كل ما فيها رائع.. الفائز والخاسر.. الأهداف الثلاثة، سواء ثنائية مهاجم ميلان المشاكس بالوتيلي وزميله ماركيزيو للآزوري أو هدف ستاريدج للإنجليز.. ومع الأهداف كانت الأداء أشبه بالطرب الأصيل أو باللوحات الفنية التي تشاهدها من أعماقك.
 
مباراة إيطاليا وانجلترا، تماماً كمباراة هولندا وإسبانيا.. جسدتا الكرة كما يجب أن تكون .. فن من البداية إلى النهاية.. دراما تعجز عن تجسيدها أكثر أفلام هوليود إثارة.. من البداية إلى النهاية أنت في واقع آخر.. أنت كمن جرى تنويمه مغناطيسياً.. تستيقظ في النهاية لتسأل ماذا حدث، بالرغم من أنك تعرف ما حدث.
 
استحقت إيطاليا الفوز ولا تستحق انجلترا الخسارة، ومثل هذه المعادلات غير الواقعية، هي التي تجسد كرة القدم التي ينتظرها العالم كل أربع سنوات، وحتى بقية المباريات من هذا الطراز الراقي والجامح.. مثلما كانت موقعة كوستاريكا والأروجواي، والتي انتهت بفوز كوستاريكا بثلاثية مقابل هدف، ومنها فوز كوت دفوار على اليابان، ومنها موقعة الألمان مع البرتغال اليوم، والتي تستحق أن يقف العالم قبلها على أطراف أصابعه في انتظار ما تسفر عنه المواجهة بين «الدون وربعه» والماكينات.
 
وبالرغم من فوز الطليان على إنجلترا أمس الأول، إلا أن فرصة الإنجليز لا تزال قائمة بقوة، قياساً بما قدمه الفريق أمام «الآزوري» لا سيما في الشوط الثاني الذي كان مثالياً بالنسبة لهم إلى أبعد درجة، وبما أظهره لاعبوه من رغبة في أن ينفضوا عن أنفسهم غبار السنوات العجاف التي طالت كثيراً، وأحسبها ستطول في ظل مستويات البقية، فإنجلترا تستطيع الذهاب لما هو أبعد من الدور الأول ولكن ليس كثيراً.
 
كأس العالم بدأت هذه المرة بداية نارية، وتليق بكون البطولة في البرازيل، وهي البداية التي طغت على كل شيء هناك، وشيئاً فشيئاً تسكت أصوات المحتجين ، ولا نكاد نسمعها أمام ضجيج الجماهير، وحتى الآن، هناك أكثر من مباراة أشبه بالنهائي، وهو أمر ستتفرد به البرازيل، ليس على صعيد مَن يلعب مع مَن، ولكن على صعيد المستوى، الذي عرف أنه في أرض السامبا، فأصر أن يلعب الجميع «سامبا».
 
كلمة أخيرة:
 
كم نحن أوفياء.. بعد كل هذا.. لن نمانع بعد شهرين أو أكثر في أن نشاهد كرة أخرى لا تنتمي لتلك الكرة.