هل ظهر السفياني؟

لا يعلم الغيب إلا الله، وقال تعالى على لسان نبيه الأعظم: [وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [(الأعراف: 188)، واستثناءً على هذه القاعدة الربانية العامة فقد يطلع الله رسله على بعض أنباء الغيب.

في كتب الشيعة وبعض مصادر السنة روايات تتنبأ بظهور السفياني، طاغية دموي، سيحتل مدينة الكوفة، وهي معقل الشيعة منذ القدم، فيبيحها ويقتل أهلها.

كثير من شيعة العراق شغوفون بالغيبيات، وهي موضع نقاشات مطولة وتحليلات مستفيضة بينهم، وقد ألهب الصراع ذو البعد الطائفي في المنطقة حماسهم للموضوع، فلا يكاد يخلو موقع شيعي من مقال أو تعليق حولها، وفي ظن البعض منهم أن ظهور السفياني حصل أو يوشك.

النبوءة قدر، لا مفك ولا هروب منه، فإن صحت ستقع لا محالة، ونبوءة السفياني مفزعة، بل هي مخجلة، وشرط تحققها أن يكون شيعة الكوفة أو العراق على حال من الضعف والتخاذل بحيث يغزوهم السفياني، ويحتل ديارهم ويقتلهم ويسبي نساءهم. لن تكون تلك أول مرة يتعرضون فيها للغزو والإذلال، ففي القرون القليلة الماضية غزاهم الأتراك العثمانيون والوهابيون والبعثيون، واحتل ديارهم الإنجليز والأمريكيون، وتسلط عليهم هؤلاء الغزاة والمحتلون بالقتل والسجن والتشريد والظلم، ويتهددهم اليوم خطر غزوة طائفية إرهابية، تروم اجتثاثهم من أرض العراق، وقد يخشى البعض منهم أن تكون الغزوة السفيانية المتوعدين بها، فهل أعدوا العدة لدرء هذا الغزو الاجتثاثي؟

تصف إحدى الروايات سلوك أهل الكوفة بعد استيلاء السفياني عليها: (كأني بالسفياني- أو بصاحب السفياني- قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة فنادى مناديه: من جاء برأس(من) شيعة علي فله ألف درهم ، فيثب الجار على جاره ويقول هذا منهم)، ويستدل من هذه الرواية بأن أهل الكوفة سيتبرؤون من التشيع أو يكتمونه خوفاً من بطش السفياني، وسيصبح البعض منهم مخبرين للسفياني وأعوانه، ومقابل حفنة من النقود سيشون بجيرانهم ليساقوا إلى الموت، وتعيد هذه الرواية إلى الأذهان خيانة أهل الكوفة للأئمة من آل البيت وتقاعس البعض عن نصرتهم واصطفاف آخرين منهم مع أعدائهم، وحسب النبوءة فسيبقى هذه الاستعداد للخيانة والتخاذل صفة ملازمة لشيعة العراق، وبالأمس القريب تودد بعض الشيعة للنظام البعثي الحاكم بالبراءة من مذهبهم، وانخرط الألاف منهم في حربه على إيران، وعمل بعضهم مخبرين لدى مخابراته، واتذكر وشاية طالب شيعي بزميله الشيعي في جامعة بريطانية، وبعد عودتي للعراق آواخر سبعينات القرن الماضي التقيت بالشيعي ضحية الوشاية، وكان يعمل مدرساً في جامعة بغداد، فأخبرني بأنه وبسبب الوشاية الكاذبة قضى في السجن ستة أشهر، ولولا تراجع زميله الواشي عن قوله وامتناعه عن القسم بالله أمام محكمة الثورة لكان مصيره الحتمي الإعدام، كما كنت أنا ضحية لوشاية من مخبر لذلك النظام، وهو وللأسف أخ لي، إبن ابي، زاره رجال الأمن للاستعلام عن ابن شقيقه المتهم بإختلاس أموال سفارة عراقية فدلهم علي، وارشدهم إلى عنوان شقيقتي ليحققوا معها، ولولا مكوثي خارج العراق لكان مصيري الحبس أو الاعدام، والمخبر حي يرزق، ولأن القرابة والصلة العشائرية أهم من العدالة والحق والانصاف وتعاليم الدين في العراق نجا هو والألاف من المخبرين أمثاله من العقاب.

سقطت الموصل وصلاح الدين والأنبار واقترب السفياني أو شبيهه من بغداد، والكوفة وبقية مناطق الشيعة ليست بالبعيدة، ومرة أخرى لم يكن الشيعة مستعدين، وهم قد أناطوا قيادتهم بأقل الناس استحقاقاً لها، ووضعوا ثقتهم بمن لا يؤتمن، وأضعفهم تفشي الخلافات والصراعات بينهم حول المناصب والمكاسب وإحياؤهم العصبيات القبلية والمناطقية والعائلية.

هل ستحقق نبوءة السفياني نفسها أم أن شيعة العراق سيحققون النبوءة؟

( للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والإصلاح ووسيلة كبرى هي التعلم)