في الحرب ضد داعش والفتوى الأخيرة

في الوقت الذي اكدنا فيه على ضرورة أن لا تسلك حكومة المالكي سلوك من يقدم المناطق (السنية) هدية لداعش, ووقفنا ضد سياساته الطائفية وعدم إستجابته للمطاليب المشروعة التي قام الإعتصام من أجلها, وذلك إيمانا منا, ليس بمشروعية أغلب هذه المطالب فحسب, وإنما أيضا بحقيقة ان عدم الإستجابة لها والتعامل معها بالمرونة المطلوبة سوف يعطي الإرهاب, وداعش في مقدمته, فرصة ان تكون هي بديل المعتدلين, في هذا الوقت عينه نطالب الأخوة من مقاتلي العشائر وأهلنا في المحافظات العراقية (السنية) ان أن يقفوا ضد داعش وان يقطعوا دابرها قبل ان تتغول وتكون لها الكلمة الفصل. 
لسنا بحاجة إلى من يقرأ لنا الطالع, فبالأمس حينما هيمنت القاعدة على كثير من المناطق الغربية أضطر أهلها على التحالف مع الجيش الأمريكي, وجرى تأسيس الصحوات من أجل القضاء على العدو المشترك بعد ان كان رجالها أعداء للإحتلال ومقاتلين ضده. واليوم فإن القصة نفسها تعاد روايتها وإن على مستوى المبادئ العامة.
إن وحوش داعش سوف تجعل الكثيرين يتمنون العودة للتحالف مع المالكي وتدفعهم لتفضيل السخونة والمرض على الموت. وبعد ان كان المالكي شيطانا رجيما في نظرهم سيتحول إلى شيطان رحيم.
نعلم أن الكلام ليس بصعوبة المواقف, في ساحتها وفي ساعتها, ونعلم أن سياسي تلك المناطق المعتدلين ربما فقدوا بعض أوراق المبادرة امام تقدم داعش ومبايعة الكثيرين لها على اساس صلاحيتها لأن تكون حالة البديل القادر على المواجهة الحقيقية, ولكننا نعلم أيضا كم هي داعش مجرمة, ليس بحق الشيعة وحدهم وأنما بحق كل العراقيين والإنسانية جمعاء, وأن هذه الداعش, حينما تتخطى مرحلة المسكنة, سوف تعمل على ان تتطاير رؤوس السنة قبل رؤوس الشيعة, وحتى أن الرؤوس الأولى ستكون أكثر من الثانية.
وإن لنا في الساحة السورية خير دروس وعبر, حتى كأنها مرآة صالحة تصلح ان يرى العراقي فيها صورته بنفس الأبعاد وإن تكن بشكل معاكس.
أن مسؤولية الخصوم عن هذه الحالة قد تكون مشتركة, إن لم يكن على صعيد توفير بيئة خلق الأزمة, فعلى صعيد المبادرة لتقديم الحلول لها, ونعلم أن المسؤولية لا تتوزع بالتساوي لأن الجزء الأكبر هنا إنما يقع على عاتق الحكومة الطائفية التي توفر كل البنى التحتية والمضامين السياسية للفتنة والإقتتال بين أبناء الشعب الواحد وتضعف كثيرا إمكانات الوقفة الواحدة ضد الأعداء المشتركين . إن القتال ضد داعش والنصر عليها يتطلب بداية التوجه الجدي والسريع من قبل مجاميع الحكم للحيلولة دون ان تتحول المناطق (السنية) إلى حواضن لها . وما نراه هو العكس من ذلك تماما فبدلا من أن تلجأ الحكومة إلى تعميق جسور الإتصال مع هذه المناطق والإعلان الصريح عن حسن النوايا راينا ان التعبئة قد إتخذت مسارا طائفيا لن يصب في النهاية سوى في مصلحة داعش التي تشكل في حقيقتها العدو المشترك لكل العراقيين.
بل إنني أكاد أبصر داعش وكأنها تشرب نخب إنتصارها الكبير بعد أن أفلحت في تسريع وتفعيل التحشيد الطائفي يشاركها في ذلك كل الطائفيين على الجهة الأخرى الذين يتقنون التخويف بها كواحد من أهم أسلحة التحشيد حول سلطتهم الطائفية البغيضة.
والآن فإن على الحكماء من الطائفتين أن يتصرفوا سريعا لعمل كل ما من شأنه أن يصب في مجرى إيقاف هذا التداعي, ولو من خلال الكلمة الطيبة الصادقة. وأرى أن المرجعية الشيعية ممثلة بالسيد السيستاني تتحمل المسؤولية الأكبرفي هذا الإتجاه.
إن تقديم تفسير للفتوى الأخيرة بما يتناغم مع النوايا الطيبة ليس كافيا وليس مجديا أيضا وإنما صار لازما إعادة صياغتها بمفردات وروحية ومعان متفحصة للواقع العراقي ولنوعية ردود الأفعال التي تؤسس لها.
وهذا يتطلب الذهاب إلى أمام من اجل حل اسرع وأفضل, ويقتضي ذلك ضرورة الإعتراف بداية بأن السيد السيستاني لا يمثل في النهاية فقهيا سوى الجماهير الشيعية الملتزمة بتقليده, فإن كان من حقه الإفتاء بالجهاد فإن تلبية دعوته سوف لن تتحقق عمليا إلا بين صفوف الشيعة أنفسهم, فالفتوى في النهاية هي أمر ديني غير ملزم سوى للمقلِدين, وإن ذلك يجعل الطرف الثاني في المعادلة غائبا كليا عن تاثير الفتوى وعن هدفها وساحتها وقد يجعلها تعمل على النقيض من نواياها الطيبة المفترضة. 
إن معنى ذلك أن تتحرك المرجعية بإتجاهين, أولهما فتح حوار مباشر مع المرجعيات والقيادات الدينية والسياسية السنية, وقبل ذلك إعلان موقف وصريح لإدانة كل الأخطاء الحكومية التي ادت إلى هذه الكارثة والعودة للتراجع عنها وحث الحكم على تلبية الحاجات الأساسية لأهل المنطقة الثائرين على الظلم والتهميش السياسي والدفع بإتجاه إجراء مصالحة حقيقية لا يمكن أن تتم ما لم تتغير عقلية ومنهج الحكم الطائفي.
وقد يكون الحلم بإمكانات تغيير جذري على معادلة الحكم الطائفية صعب على التحقق, لكن أهم ما يجب العمل من أجله في هذه المرحلة إيقاف التداعي الذي يبدأ من خلال زرع الثقة بالنوايا الطيبة والعمل سريعا من أجل تحقيقها.