تتحدد افعالنا بما نعرفه عن انفسنا، وعن العالم من حولنا، وبالتالي فان نسبة كبيرة من الصواب قد تتبدد إذا ما نقصت فينا المعرفة.
ثمة فوارق شاسعة بين الانتاج الحياتي الغربي، وبين ما يمكن تسميته بالاعتياد الشرقي الصارم، فيمكن يوميا تداول الكثير من الأخبار العالمية عن اشخاص عاديين ارتكبوا اشياء خارقة للمألوف، كأن يكون احد الأطفال سقط من الطابق السابع لعمارة ونجا، أو أن مليونيرا وزع ثروته على المشردين، أو كلبة انقذت امرأة عجوز من الموت.
هناك في الغرب الكثير من الطرافة والمصادفات العجيبة بينما في الشرق لن تفوز بمعجزة إلا إذا ما علمت ان سيدة انجبت ستة اطفال اصحاء.
الغرب اكثر تعقيدا بالقيود الانضباطية والقوانين ويمكن لواحدنا، إذا لم يكن سائحا، ان يترحم على بلده الشرقي الاصلي كونه اكثر يسرا، واشد تشجيعا على الراحة.
ان الطبيعة الديناميكية للحياة تختلف من انسان الى آخر بحسب البيئة ويبدو ان الابتعاد عن الصحراء بألف سنة لن يكون مجديا في ازالة ثقافة الرمال الفارغة ما دمت قد شيدت مدينة بالقرب من الصحراء.
البلدان التي تكثر فيها الينابيع والخضرة هي اكثر انتاجا للفنون، والبلدان التي تحيطها البحار هي الاولى في انتاج الاساطير، والبلدان التي تكثر فيها الجبال هي الاشد براعة في الرياضة .
لقد ساهمت التكنولوجيا في خلق بدائل معرفية وتداولية تخفف عناء البحث عن المعلومة، وإذا ما قارنا قضية معرفتنا بأنفسنا نحن الذين نعيش بالقرب من الصحراء، بما يعرفه الانسان الذي على البحر عن نفسه، فان فرقا هائلا سيظهر بين المؤشرات البيانية.
توسعات المعرفة تقود الى التخصص، وبالتالي تدفع الى اعطاء اهمية للأشياء الصغيرة لأنها لا بد ان تكون اساس الاشياء الكبيرة. ودهشة المراهق أمام ما يصيب جسده وعقله من تغيرات يمكن ان تؤدي بنا في الشرق الى كارثة حياتية مستقبلية لأنها قد تنتج عطلا نفسيا واجتماعيا.
الكثيرون عندنا يتكتمون على فشلهم الاولي في التعايش مع معرفتهم لأنفسهم، بينما في البلدان المتطورة هناك تصميم حاذق على ان تعيش الطفولة، أو المراهة، أو العزوبية بكل تعمق من دون تداخلات تطالبك بالاستعجال في النضوج.
ان كما هائلا من تفاصيل التربية الاسرية هي التي تتحكم مستقبلا في قدرتنا على النبوغ وصناعة الحضارة. لذلك فان معرفتنا لأنفسنا وللعالم الخارجي هي تعليمنا الابتدائي الذي سيجعلنا نتفاعل لاحقا مع العلوم ونجتهد فيها ونبرع.
كلنا، نحن الذين نعيش بالقرب من الصحراء، نفتح الراديو او التلفزيون او الفيسبوك او الجريدة صباحا حتى نعرف ماذا حدث للعالم اثناء نومنا. وكما في كل يوم، سنسمع أن عاشقا قفز من ناطحة سحاب وأسنانه تقبض على ساق وردة حمراء، أو أن لصا أعاد المسروقات لأنه عرف انه سرق بيت سيدة مقعدة، أو ان رجلا ينام في الشارع عثر على كنز قراصنة.
العالم حولنا فيه توسعات كثيرة لأنه شجاع ويتقبل نفسه ويملك تصورا واضحا عن رغبته، ولا يخجل إذا ما ظهرت حبوب الشباب على جبينه، أو إذا ما عانى التواءات البلوغ، ويحب الدنيا ويعشقها، ويعرف أن الموت لن يكون كريها ما دام قد عاش حياته.