اتصَلَ بي شقيقي المقيم في الخارج ، وعَرَضَ عليّ اصطحاب عائلتي ، والأقامة عنده .. إلى ان تهدأ أحوالُ العراق . ذهبتُ أوّلاً الى ربّة البيتِ ، وعرضتُ عليها الأمرَ ، فقالتْ : - إذهب انتَ وحدَكَ ، وخُذ اولادكَ معك . أمّا أنا .. فأريدُ أن أموتَ بين أهلي . !!! ذهبتُ إلى أصغر ابنائي ، وعرضتُ عليه الأمرَ . واذا به يُكَشِّرُ عن انيابهِ في وجهي ، و " يجْعَرُ " بي قائلاً : - أنا سأموتُ شهيداً .. دفاعاً عن هذا الوطن . !!! ذهبتُ إلى الأبن الأكبرِ ، وعرضتُ عليهِ الأمرَ . كنتُ واقفاً ، بينما هو جالسٌ " يبحبشُ " هائماً في هاتفهِ النقّال . يبتسمْ تارّةً ، و " يصفنُ " في أخرى .. وكأنّهُ يعيشُ في عالمٍ آخر . وبعد ربع ساعةٍ تقريباً ( وكنتُ لا ازالُ واقفاً أنتظرُ ردّ سيادته ) ، رفَعَ رقبَتَهُ الكريمة نحوي ، وقال : - ليشْ هُوّة شكو ؟ صار شي ؟؟ . قلتُ لهُ : لا إبني " العُودْ " . و داعتَكْ لا أكو شي .. ولا صار شي !!! ذهبتُ إلى أمّي .. التي كانتْ تشكو لي قبل قليلٍ هموم البلد ِ ، و تشرحُ باسهابٍ مخاطر بقائي فيه ، وما يمكن ان يحدث لعائلتي من كوارث " تسوناميّة " اذا لم أهاجر سريعاً الى ما تسميه بـ " أرض الله الواسعة " . كانتْ قبل لحظات تناشدني ، ودموعها تسيلُ فوق " فوطتها " بغزارةٍ غير اعتياديّة ، وتقول : - يابه شْجَلّبِتْ بهذاالعراق " الأكَشر ". إي دُخُذْ " جهّالك " عاد وأطلَعْ .. مو يَبّسِتْ كَلبي . أمّي هذه .. ذهبتُ اليها ، وعرضتُ عليها الأمر . غير انّها .. و في هذه اللحظة التاريخيّة الحرجة ، " صفَنَتْ " قليلاً في وجهي ،وكأنّها لا تعرفني .. ثم دمْدَمتْ : - يابه .. كَُلّه لهذا أخوك المخَبّلْ .. خلي يجيب عائلته .. ويجي يُكَْعُد هْنا . و كافي عليه هاي " الهَجْوَلَة " ، كل يوم بمُكان . على الأقل من أموتْ .. إنتو ملمومين يَمّي .. وتحضرون دَفِنْتي .!!!! أنا .. قرأتُ عشرات الكتبِ عن الأنتحار . ومن الغريب أنّني ، إلى الآن .. لا أعرفُ كيف أنْتَحِرْ .
|