داعشيون وإن لم ينتموا

لا تصدقوا أن بإمكان القوة العسكرية وحدها أن تحسم معركة ضد عدو شرس, خاصة إذا كان هذا العدو يحب الموت طمعا في الجنة !. بالأمس قاتلت أمريكا الفيتناميين بكل عدتها العسكرية ومع ذلك إستطا ع الشعب الفيتنامي, بصدوره العارية وبقائده هوشي منة, الحافي القدمين لكن العامر القلب والرأس, أن ينتصر على أمريكا ويرجعها خائبة إلى خلف المحيطات حيث عاشت عزلة الهزيمة الخانقة لمدة عشرين سنة قبل ان تتمكن مرة اخرى على الخروج إلى العالم لتعيد لدى أهلها ثقتهم بإمبراطوريته العظمي من خلال فرصة تاريخية إستثنائية كان صدام قد وفرها لهم بعد مغامرته الحمقاء في الكويت. وهكذا إعيدت نفس حكاية النصر والهزيمة, تلك التي اكد عليها هوشي منة, ومعناها أن ليس البندقية وحدها هي التي تقرر النصر أو الهزيمة, وإنما هو الإنسان الذي يمسك بذلك البندقية. ولو أن صدام حسين كان إستفاد من دروس الهزيمة في الكويت وسعى إلى بناء إنسان من هذا النوع لما تمكن الأمريكيون بعد ذلك, وبكل عدتهم العسكرية أن ينتصروا على العراق ويكتسحوه في بضعة أيام هي مسافة سير من البصرة إلى بغداد, ولم تكن مسافة قتال أبدا.
أمريكا قاتلت الفيتناميين سبعة سنوات كاملة, لكن الفيتناميين, عراة الصدور وقائدهم الحافي القدمين العامر الرأس والقلب والضمير هوشي منة, إستطاعوا أن يهزموا أكبر قوة عسكرية في التاريخ.
لكن أمريكا, هي ذاتها أمريكا, التي إستطاعت فيما بعد ان تغزو العراق بخسائر بشرية لم تكن تعدت حينها العشرة أو العشرين.
أما الفرق بين العراقيين والفيتناميين فيمكن أن تجده في المعادلة التالية: كان الحصار المفروض على العراقيين قد أكل من قدرتهم المعيشية لكن صدام كان نجح بتحقيق فقر اشد قسوة حينما كان يقطع كعكة الميلاد الخرافية في وقت كان الجندي العراقي يستجدي ثمن تذكرته في كراج علاوي الحلة من أجل العودة إلى أهله لقضاء إجازته بعد معركة كان قد زُجَّ فيها دون مراعاة لقيمته الإنسانية أو لقوة سلاحه. ويومها حينما لبس صدام بذلته البيضاء وراح وسط إحتفالية مصنعة حضرها طلبة المدارس الصغار يقطع كعكعة الميلاد العملاقة ويجلس في عربة مذهبة, يومها كانت الكلاب ما تزال تأكل من جثث آلاف الجنود العراقيين المتناثرة على طريق الموت ذلك الذي يربط ما بين الكويت والعراق. أما الفيتناميون فكانوا أفقر معيشيا بكثير من العراقيين المحاصرين, لكن هوشي منة, أفقر الفيتناميين جميعا, كان نجح في جعل قلوب الفيتناميين أكثر غنى وشجاعة من قلب الأمريكي, حتى ذلك الذي كان يجلس خلف مقود لطائرة أباشي. 
لقد إنتصر الفيتناميون بقلوبهم وليس باسلحتهم, ولو قدر للمعركة حينها أن تحسم بقوة الأسلحة لما تأخر الأمريكيون عن حسمها بأيام عدة. 
وهل يمكن للنصر ضد داعش أن يبدأ, إذا كنا نريده لنصرة العراق, من غير لازمة الوقوف ضد الطائفية وبقيادة نماذج نزيهة لم يخرب الفساد عقولها وضمائرها. أم ترى أن بإمكاننا أن ننتصر فيها ونحن نوفر لها حاضنة اساسية هي مجموعة أهلنا العراقيين السنة الذين يشعرون بالإقصاء ضمن عملية سياسية فاسدة تقوم على مبدأ الأغلبيات الطائفية.
وإذا كنا ملزمين بالوقوف ضد داعش فليس لأننا نؤيد المالكي أو نتمترس معه, وإنما لأننا نؤيد الحياة وبقاء العراق, وبهذا المعنى كنا ولا نزال في واد والمالكي في واد آخر.
وفي الواد الذي نحن فيه نؤمن أن بعض ما يفرقنا عن المالكي هو عدم أهليته العقائدية أو العقلية لقيادة معركة العراق ضد الإرهابيين. بل لعلنا نؤمن أنه بسياساته الطائفية الحمقاء قد وفر لداعش فرصة الفوز على جيشنا المنهزم أصلا لغياب عقيدة الإنتماء الحقيقي وفساد النظام السياسي الذي يقوده, وسقوط النماذج التي ترسله إلى جبهات القتال بينما تقوم بشحن عائلاتها إلى خارج العراق لحظة الإحساس بالخطر. 
ونؤمن أيضا إن أكثر من يقدم خدمة لداعش هو ذلك الذي يكرس الطائفية ويعمق الفساد, وإن مخلوقات كهذه هم داعشيون حتى وإن لم ينتموا.
والحل, هو أن نقف جميعا ضد داعش, أي أن لا نهرب من شيطان أمرد إلى شيطان أمرد منه. لكن وقفة كهذه تستدعي أيضا البدء بتوفير كل لوازم النصر التاريخي ضد أعداء العراق, وأول هذه اللوازم دون شك إقصاء ,الداعشيون وإن لم ينتموا, من بين صفوفنا, وخاصة أولئك الذين يدعون أنهم أعداء داعش بينما هم يوفرون كل عوامل نجاح إختراقاتها المميتة.
شئت أم أبيت ستكون جزء من معسكر عدوك حينما تعمل على تقويض كل مستلزمات النصر عليه.