لكي لا تختلط الأوراق.. الشيعة والسنة في خندق واحد !! |
لن نأتي بفكرة جديدة أو نكتشف معلومة مجهولة حين نقول ؛ إن الصراعات الداخلية والحروب الأهلية ، هي بالمنظور السوسيولوجي والسياسي أخطر بما لا يقاس - على وحدة المجتمع – من أي نمط آخر من أنماط الحروب الخارجية ، التي عادة ما يندلع لهيبها بين الدول ويستعر أوارها على تخوم الجغرافيا . ليس من باب كونها حدث مفصلي يعزل (ما قبل) عن (ما بعد) ، بحيث لن تعود العلاقات ولا الذهنيات ولا الديناميات ولا السياقات ، التي كانت سارية المفعول في المراحل السابقة للحرب ، إلى طبيعتها الاعتيادية وإيقاعها التقليدي . والآن هل يحمل هذا الافتراض مقدارا"كافيا"من اليقين ، بحيث نستطيع أن نأخذه على محمل الجد ونعتبر بنتائجه ونسلم بقدره ؟! . دعونا نطرح الموضوع من الزاوية النطرية ، قبل أن نعالجه من الناحية العملية فنقول ؛ إن من جملة النتائج العرضية لواقعة الحروب الخارجية أنها تحفّز الديناميات الداخلية للمجتمعات المنخرطة بها ، بحيث تفضي – بشكل تلقائي – إلى تلاشي الكثير من المظاهر السلبية السائدة منها على سبيل المثال لا الحصر ؛ الفتور في العلاقات الاجتماعية ، والركود في التفاعلات الثقافية ، والخمول في الالتزامات الأخلاقية ، والجمود في المجالات الإبداعية . لتحل محلها مظاهر أخرى بديلة غالبا"ما تكون ايجابية تتسم ؛ بإرهاف الوعي السياسي ، وتصاعد الشعور الوطني ، وارتفاع المدّ الجمعي ، وتيقّض الحسّ القومي . وبناءا"على هذه المعطيات وتلك الحيثيات فقد امتدح الكثير من رجلات الفكر والسياسة - ناهيك عن بعض الفلاسفة من العيار الثقيل - ظاهر الحرب الخارجية ، معتبرين إياها بمثابة عامل مهم من عوامل ؛ تعزيز الوحدة الوطنية ، وتقوية الرابطة الاجتماعية ، وتفعيل الاواليات الحضارات ، وتنشيط الانجازات العلمية ، وتطهير المنظومات القيمية ! . وإذا ما تأملنا حصيلة الاتجاه الآخر ومن ذات المنطلق ، أي باعتماد المخلفات والإفرازات التي تنتجها الحروب الداخلية والصراعات الأهلية ، فان الأمور حينذاك ستأخذ منحا"كارثيا"بكل المقاييس والمعايير ! . فهذه الحرب هي بالتعريف صراع بيني واقتتال متقابل ينشب داخل كيان المجتمع الواحد والوطن المشترك ؛ على خلفية التعارض في الانتماءات القومية / الاثنية ، أو التناقض في الولاءات الإيديولوجية / السياسية ، أو التباين في الاعتقادات الدينية / المذهبية . بحيث إن تداعياتها وعواقبها لا تستهدف فقط الحاضر السياسي للمجتمع بكل مكوناته وقطاعاته ، ولا تطال فقط مستقبل أجياله فحسب ، إنما تشمل أيضا"عناصر تاريخه الماضي وأطياف مخياله ، بقدر ما تسهم هذه العناصر وتلك الأطياف في إبقاء جذوة الاحتقانات النفسية متأججة . والملاحظ على هذا النمط من الحروب إن مستويات القسوة في الصراع ومظاهر الشدة في التخريب ، لا تأخذ منحا"واحدا"ولا تتبع سياقا"متشابها"- كما في أنماط الحروب الخارجية التي تخضع لقواعد وأعراف دولية ملزمة - إنما تختلف من نمط إلى آخر وتتباين من حالة إلى أخرى ، وذلك تبعا"لطبيعة العوامل الاجتماعية والدوافع النفسية التي تتظافر في تكوينها وتؤدي إلى اشتعالها . وهكذا كلما كان العامل المسبب قريبا"من السياسة ومنفصلا"عن الدين ، كلما كانت مظاهر الصراع تتسم باللين والاعتدال وأطرافها تكون أميل إلى التسوية ، هذا في حين يحصل العكس عندما يكون العامل المسبب قريبا"من الدين ومتصلا"بالسياسة ، حينذاك تميل الأطراف المعنية إلى التشدد في المواقف والتعصب في الآراء ، كما وتمعن مظاهر الصراع بالقسوة وتفرط بالشراسة . ذلك لأن أنماط الحرب الأخرى يمكن أن تحل بالتسويات والتوافقات السياسية والإيديولوجية ، أو أن تعالج بالتراضيات والتنازلات القومية والاثنية ، كونها تتعلق بمصالح يمكن التفاوض بشأنها وترتبط بحقوق يمكن الاتفاق حولها . ولأن عوامل الإيمان بالمقدس والاعتقاد باحتياز الحقيقة الإلهية ، هي من يتحكم بديناميات نمط الحرب الدينية والطائفية ، فإنها لا تسمح بأي شكل من أشكال التسويات والتوافقات ، ولا تبيح أي ضرب من ضروب التراضيات والتنازلات ، وإذا ما حصل وان توصلت أطرافها إلى أي نوع من أنواع التحاور والتشاور أو التفاوض والتفاهم ، فاعلم عند ذلك أنها تحولت من خانة الدين إلى خانة السياسة ، وغادرت حقل التعصب والعنف إلى ميدان التسامح والتعايش ، وبالتالي أصبحت على مرمى من الحل والتسوية . هنا نسأل – ومنه نغادر حقل المجرد ونلج مضمار المجسّد – وفقا"لأي نمط من تلك الأنماط المذكورة يمكن تصنيف الصراع المحتدم بين مكونات المجتمع العراقي منذ ما يوازي العقد من الزمن ، ويبدو انه آيل إلى التفاقم والتعاظم ؟! . ليس من الصعوبة مكان إدراج صراع العراقيين الحالي تحت بند النمط الديني / الطائفي من الحروب الداخلية ، والذي يعد من أخطر الأنماط فتكا"وتدميرا"من حيث تسويغه ؛ اختلاط الديني بالدنيوي ، وتداخل الإلهي بالبشري ، وتلابس المقدس بالمدنس ، وتمازج الرحمن بالشيطان ، وتماهي المحرّم بالمجرّم . بمعنى إن (الأنا الطائفي) لا ينظر إلى نفسه
|