في أوج الهجمة الإرهابية والتثوير الطائفي المقيت سنة 2006 كتبت عن بعض مغالطات الإعلام العالمي بنسخته العربية المصدّرة إلينا عبر البث الفضائي أو الإذاعي أو المواقع الإلكترونية المترجمة، وأرسلت المنشور كشكوى إلى إدارات تلك المحطات، وبالتحديد؛ راديو بي بي سي BBC العربي، ووكالة الأنباء العالمية رويترز Reuters. وسرني ما وجدته من استجابة وتفاعل ومتابعة لمشكلة بدت لهم ظاهراُ كمشكلة تسيء لسمعة أداء الإعلام الغربي، ولكن باطنها يبين عمق الهتك المهني لدى بعض الإعلاميين العرب المشرفين على ترجمة وتوجيه النسخة العربية، حتى ليبدو أن أغلب العاملين العرب في المساحات الإعلامية العالمية الرحبة، لم يضف لهم مكانهم المهم شيئاً، بل زادتهم خبرتهم، قدرة احترافية للتنكيل بالكثير من الحقائق، والمأساة قديمة وتتجلى بعمق في العاملين الأوائل من الجيل الأسبق، الذين تسابقت الفضائيات العربية الشهيرة على كسبهم، وصاروا قدوات لمن تبعهم، وقلّدهم، بذات الروح والنفس القومي الضيق، ورداء الطائفة الأضيق. هذه القضية لا تقف عند حدود المصادر المذكورة، بل تتعداها إلى جميع النسخ العربية للفضائيات العالمية ووكالات الأنباء المهمة ومواقعها الإلكترونية، فمن يرصد أخبارها وتقاريرها بدقّة، سيكشف بيسر قبح المدسوس بين الأسطر، وكم ذا ضاعت أوطان ومرَّ إرهاب في ثنايا تلكم الأسطر، ليعشّش وسط المساحة المتاحة بين الدس والتأويل، والترجمة، ناهيك عن كون لغتنا حمالة أوجه، لبس كل من يريد قناعاً منها ووضع فيها كل ذي مأرب مأربه. ولعلّ العرب أكثر أمم الأرض انشغالاً باللغة، إذ تستوعب اللغة العربية ما يريده المتمكّن..حتى لينطبق عليها قول شاعر ذم قدرة التحريف الهائلة: تأنـّق الذلُّ حتى صار غفراناً !. وهكذا بإمكانهم أن يستميتوا دفاعاً عن الشياطين، ونبذ كل واقعة والالتفاف عليها، وتحريف أيّة حقيقة. وما أسرعهم للتبرير وإلقاء اللوم على اللغة حين المواجهة. لعلّ الواجب الوطني يحتم الآن فتح مرصد إعلامي مختص بمتابعة ومعاينة تلك المواقع، ومقارنة الأخبار الواردة فيها والمنشور بمصادرها الأصلية، ومكاتبتها وتنبيهها لحاصل التجاوزات. أيضا على هذا المرصد كشف وتوثيق الجهات التي تدعم الإرهاب أو تحابيه وتدافع عنه أو تبرر أعماله الإجرامية. وبالطبع إن مثل هذا الجهد لا يمكن أن يكون فرديا، لصعوبة التركيز على أكثر من جهة، ولن يجد اعتداداً مهماً، وربما لا يلقى المقبولية في المحافل الدولية؛ عند المنازعة والشكوى، إلا حين يمثل جهد ودعم دولة. من المهم النظر لهذا الطلب بمسؤولية صعوبة الوضع الراهن، وبأهمية دراسة موضوع إدارة المرصد الإعلامي بكادر مختصّ، وبما يوفي بشروط تأسيسه، عبر وضع لجان وبلغات متعددة، يمكنها أن تشكل دعماً غنيا من خلال المتابعة والتواصل مع الإعلام العالمي، والجهات الدولية المسؤولة، كإعلام رديف، فالحاجة الماسة دعت لتأسيس جيش رديف، فما الذي يؤخر وجود فصيل إعلامي صغير مساند نحن في أقصى الضرورة له؟!.
|