خطاب الكراهية.. إعلام مضاد
متابعة القنوات الفضائية العربية تجعلك تتيقن من أننا نشهد مرحلة انتقال في خطاب الكراهية، كمفردة إعلامية، انتقال من مرحلة التعبئة الداخلية إلى مرحلة إثارة الآخر، لجعله أكثر وحشية، ولنا أمثلة كثيرة نراها في حالنا الراهن، جنود حكوميون يرفعون على مدرعاتهم وعجلاتهم العسكرية رايات دينية، ترتبط مذهبياً بمكون طائفي معين، إنها رسالة مثيرة ومعلنة إلى الشريحة السلمية لدى الطائفة الأخرى التي يرد مسلحوها بأبشع الجرائم التي من الممكن أن يرتكبها الإنسان.. وعلى الطرف الآخر هناك من يصر على وصف الجيش العراقي بـ»جيش المالكي»، أو يتوعد بسحق طائفة كاملة، لأنه يعتقد بأنها على كفر، وأنها كذا وكذا من كلام هراء لا يستحق ذكره.
إننا إذاً إزاء خطاب عسكري تحريضي متبادل، الهدف منه توسعة رقعة المواجهة، وإشراك أكثر ما يمكن إشراكه من الأهالي «السلميين».. إننا نشهد إمعاناً بإثارة الآخر وشحنه بالكراهية التي تخرجه حتماً من دائرة العقلانية في اتخاذ مواقفه.
هذا ما يجب تفحصه والتفرس بتفاصيله.. نعرف جيداً واقعنا المزري.. نعرف جيداً المستوى الهابط لقدرات ساستنا وأصحاب الحل والعقد في العراق، ونعرف حجم الهزال الذي تعانيه حياتنا.
السيد المالكي يقول في كلمته الأسبوعية الأخيرة «إن ما حصل هو مؤامرة، ومخطط إقليمي مشؤوم، عقدت له جلسات، وصرفت عليه أموال، ووضعت له مخططات، وصممت له حرب إعلامية هائلة، وقد تعاونوا مع قوى سياسية محلية، ووقفت إلى خلفهم هذه الدول التي لا تريد الخير للعراق».
وكمواطن عراقي، أتوجه إلى السيد نوري المالكي بصفته رئيسا للوزراء، بسؤال حول الخطوات الإدارية والسياسية التي اتخذها لإجهاض هذه المؤامرة، طالما أنه يعرف كل هذه التفاصيل؟
نعم، العراق له أعداء كثيرون، علنيون وخفيون، وهذا ما يجعلنا بحاجة إلى فهم حقيقي لأسباب هذه العزلة وهذا الحصار، وتلك الكراهية التي ما عادت مستورة.. يجعلنا، أو هكذا ينبغي، أن نعيد النظر بخطابنا الجمعي العام.
الإعلام كمفهوم شامل وكأداة جماهيرية معنية بالدرجة الأساس في تدعيم الصفوف الداخلية وتغذيتها بالمعلومات، وتبيان الصورة الأقرب لحقيقة ما يجري من أحداث وإظهارها للناس.. أما أن يتحول الإعلام إلى خطاب كراهية لتنفير الآخر، وتحفيزه للانتقال من حالته السلمية إلى حالة مسلحة قد لا يريدها، ولكنه يجد نفسه في لحظة مكرها على التحول.. أما أن يكون الخطاب العام يشتغل على تحشيد الأعداء، بدلاً من كسب الأصدقاء، ويطلق الاتهامات جزافاً باتجاه دول جارة وأخرى بعيدة، دون التوقف عند معايير الربح والخسارة، على أقل تقدير، يكون الوطن حينها محاصرا بالأعداء حتماً، فضلاً عن احتقانه الداخلي.
 
(ضيق العبارة)
نعيش حالة «صفر جهوي»، كل الاتجاهات صحيحة، وكلها خطأ في الوقت ذاته.. كل الطرق تقود إلى الخراب.