لماذا طوزخورماتو ؟

كانت الهجمات المتكررة للقوات الامريكية  بالطائرات والدبابات  بالتعاون مع المليشيات الكردية  على تلعفر التركمانية  قبل اعوام بذريعة  وجود عناصر من المقاومة الشيعية والسنية تسسللوا الى تلعفر ، خطة جهنمية إستهدفت الوحدة القومية للتركمان في تلعفر وتقسيمهم مذهبيا الى شيعة وسنة ،والسيطرة على تلعفر ذات لموقع الاستراتيجي الواقع في اقصى شمال غرب العراق بين الاقليم الكردي العراقي وبين المنطققة الكردية في شمال شرق سوريا ومن ثم الحاقها بالاقليم الكردي. لقد نجحت الخطة الامريكية-الكردية ، وساهمت في إضعاف تلعفر وأفقدتها قوتها ووحدتها القومية التركمانية، وانشطرت الى شطرين ؛ شيعي- سني، وهو التهديد الاخطرعلى التركمان في كل مكان من تلعفر الى مندلي ، والمؤسف ان ولاء التركماني في تلعفر أصبح بعد ذلك لمذهبه وليس لقوميته . وتلعفر مدرجة الان ضمن المصطلح المختلق ؛ المناطق المتنازع عليها وهي في معظمها مناطق تركمانية،وانها تنتظر الالحاق بالدولة الكردية غير المعلنة ، او بالدولة العربية السنية المرتقبة .

لايختلف الوضع الان في طوزخورماتو التركمانية الجريحة والخطر المحدق بها عن الوضع والخطر المحدق بتلعفر، فما كان يهدد تلعفر ولا يزال ، يهدد اليوم طوزخورماتو. فمدينة طوزخورماتو الاكبر بين المدن التركمانية بعد كركوك وتلعفر، سبق لها وان تعرضت لعمليات التكريد والتعريب في العهدين القاسمي والبعثي ، ولعمليات تكريد اوسع بعد الاحتلال الامريكي عام 2003.

 تحتل طوزخورماتو كشقيقتها تلعفر موقعا استراتجيا مهما،فهي تقع بين الاقليم الكردي وبين بغداد ،وبين صلاح الدين وكركوك، فالاول يحاول ابتلاعها مع كركوك وغيرها من المدن التركمانية عبر مخطط المناطق المتنازع عليها قبل اعلان استقلاله وانفصاله عن العراق وللثانية مخططات مماثلة لضم طوزحورماتو وغيرها من المناطق التركماية المتنازع عليها للدولة العربية السنية التي قد تكون عاصمتها صلاح الدين ،لأن العراق لم يعد دولة موحدة وان انقسامه الى ثلاث دول لم يعد احتمالا بعيدا، فمشروع الشرق الاوسط الكبير يحتاج الى دولة عربية سنية في العراق،وهي ما تحتاج الى ثروة طبيعية كالنفط والغاز الطبيعي ، وما اكثرها في المناطق المتنازع عليها .

والاهمية الاستراتيجية لمدينة طوزخورماتو تاتى في طليعة عوامل تعرضها للممارسات الإرهابية الدموية ،وآخرها المجزرة الشنيعة في 23 كانون الثاني 2013 والتي استهدفت التركمان في مجلس عزاء لاحد الشهداء في أحد جوامع المدينة واسفرت عن استشهاد العشرات وجرح مالايقل عن 175 تركماني . وهذه العملية الانتحارية هي جزء من مخطط مدروس يهدف لترويع سكان المدينة اصحاب الارض وافراغها منهم . والعملية الانتحارية لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة في طوزخورماتو وفي غيرها من المدن والقرى التركمانية قبل التوصل الى حل لمسالة المناطق المناطق المتنازع عليها .

نامل ان يسرع ويباشر ذوو الشهداء واهالي طوزخورماتو والاحزاب السياسية التركمانية ، ببناء مقبرة نموذجية ونصبا تذكاريا ضخما لشهداء 23 كانون الثاني في طوزخورماتو، لتبقى شاهدا يذكر النشء الجديد والاجيال التركماية القادمة في مدينة طوزخورماتوعلى مآسي ومظلومية شعبهم التركماني وما تعرض ويتعرض له من الظلم والاضطهاد وسلب الحقوق في كل عهود العراق،ونبراسا  يضئ لهم درب النضال في سبيل نيل الحقوق وتحقيق الاهداف القومية  التركمانية التي ضحى هؤلاء الشهداء الأبرار بارواحهم في سبيلها .

 فلتذهب وحدة العراق الى الجحيم، ما دام العرب انفسهم غير آبهين بوحدة العراق ومستقبله، وما دام غباؤهم الطائفي يطغي على شعورهم  القومي والوطني ويحول دون ان يحافظوا على وحدة الوطن العراق ، تلك الوحدة التي دافع عنها التركمان باخلاص منذ نشوء الدولة العراقية بالرغم من انها لم تنصفهم واغتصبت حقوقهم ، وانتهجت ضدهم منذ اعوامها الاولى سياسة الاقصاء والتعريب.

إن دفاع الشعب التركماني عن وحدة العراق ارضا وشعبا منذ الغزو العراقي للكويت ولغاية الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 كلفه الثمن الباهظ، إذ ان ما يعانيه اليوم هو من نتاج الدفاع المستميت للاحزاب السياسية التركمانية وفي مقدمتها الحزب الوطني التركماني العراقي ،عن وحدة ارض العراق في جميع اجتماعات ومؤتمرات احزاب المعارضة العراقية في الحقبة التي سبقت الاحتلال .

 سياسة تعريب المناطق التركمانية لم تنته بانتهاء الحكم البعثي مع بدء الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 ،وإنما اعقبتها سياسة عنصرية أتعس من عنصرية النظام السابق،الا وهي سياسة التكريد . وكينونة التركمان يهددها اليوم خطران كبيران هما خطر الاحتلال الكردي للمدن والاراضي التركمانية،وخطر دولة العرب السنة المرتقبة ، وكل ذلك يسهل تنفيذ المخططات العنصرية وآخرها  كانت مجزرة التطهير العرقي في طوزخورماتو وهي ترمي الى تغييب التركمان واضعافهم والضغط عليهم ليتركوا مناطقهم ،وهو ما يعني ان ما كان يهدد التركمان قبل الاحتلال الامريكي لا يزال قائما بكل قسوته وعنصريته .

العرب العراقيون سواء كانوا سنة ام شيعة لايضعون التركمان بمحمل الجد ، لسببين هما ضعف التركمان السياسي والعسكري والاقتصادي ، وعدم وجود ما يدفعهم ليحتاجوا للتركمان. فساسة العرب السنة لم يبخلوا في صهر التركمان وتعريب مناطقهم منذ نشوء دولة العراق، اما العرب الشيعة فهم ايضا ليسوا بحاجة للتركمان حتى الشيعة منهم ،والدليل ان حكومة الماللكي لم تول ادنى اهتمام بمطالب التركمان وبما يزعجهم ويهددهم ، وكذلك المرجعيات الشيعية حيث انها لا تاخذ بالاعتبار ما يهدد المناطق التركمانية ’والعمليات الارهابية الممنهجة التي حصدت وتحصد العشرات من التركمان .

التركمان مطالبون بالنضال العاجل والسريع وعلى مختلف الاصعدة المحلية  والعالمية قبل انقسام العراق الى ثلاث دول، في سبيل اقليم آمن يحميهم من خطر الانصهار في البوتقة الكردية او في البوتقة العربية.وهذا الهدف الذي قد يعتبره البعض ضربا من الخيال "اوتوبيا " لن يتحقق بالتمني والاستنجاد، وانما يتحقق بالتضحية  بالعقل والمنطق وبالمال والروح والدم وبتغليب الفكر القومي على الاعتبارات الاخرى ايا كانت. وعلينا ان لا ننسى بان ما أخذ بالقوة لا يسترد بالتمني وانما يسترد  بقوة النضال في كافة المجالات .

ما ذهب اليه زعيم الجبهة التركمانية العراقية النائب ارشد الصالحي مؤخرا في مطالبته بملاذ آمن للتركمان ، مطلب مهم للغاية يجب ان  يحظى بالدعم والتاييد من جميع الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني التركمانية في داخل العراق وخارجه . وبمثل هذا الملاذ وحده يستطيع التركمان ان يحافظوا على لغتهم وتاريخهم ومستقبلهم. هناك من يزعم ان مشروع الملاذ الآمن الكردي تحقق بعد حرب تحرير الكويت بتوصيات من الرئيس التركي الراحل تورغوت اوزال للرئيس الامريكي جورج بوش الاب . واذا ما كان هذا الزعم صحيحا ، وان الرئيس التركي اوزال كان له تأثيره لهذه الدرجة على السياسة الامريكية في الشرق الاوسط ، فلمادا يا ترى لم يطلب الرئيس جورج بوش الاب اقامة ملاذ آمن للتركمان في مناطقهم على غرارألملاذ الآمن الكردي الذي تحول فيما بعد الى شبه دولة ؟.

عزاؤنا للشعب التركماني ولذوي شهداء طوزخورمانو في 23 كانون الثاني ، ان ابناءكم الشهداء الابرار أحبوا شعبهم التركماني وضحوا بارواحهم في سبيله ،ولكنهم لم يموتوا فانهم شهداء عند ربهم يرزقون ، واسكنهم الله فسيح جناته والهمكم الصبر الجميل والهم شعبنا العزم والثبات للنضال من اجل الاهداف التي استشهدوا في سبيلها .