التقسيم والأقلمة

تطرح الان نظريات تقسيم العراق أو الاقلمة كخيارات للخروج من الازمة، التي تفجرت في احتلال الموصل من قبل داعش، في حين ان هذا الامر لا يحل القضية وإنما يدمر المنطقة بأكملها.

ان ما حدث في الموصل يرسم الحدود التي اقرتها داعش لدولتها "الاسلامية". ومن المرجح ألا يتوقف الامر عند هذه الحدود، وإنما سيتعداها الى فكرة الدولة الكبرى التي تمتد الى شمال افريقيا! ان اي ابطاء في معالجة داعش يصب في خسارة المزيد من الارض. وهذا الامر سيجعلنا في الايام القادمة نصحو على كارثة كبرى تصيب المنطقة بأسرها. فداعش لن تتوقف عند حدود الموصل بل ستعمل على التمدد الى اقصى مدى.

ان الترويج للتقسيم أو الاقلمة سيزيل العراق من الوجود. وهذا الامر يجب النظر اليه كجزء من المؤامرة التي ساهمت في ادخال داعش الى العراق.

لقد جرى عبر سنوات العمل على "تثوير" المحافظات وإيجاد انشقاقات عن المركز. وهذا الامر، وإن جاء بغطاء الفشل الحكومي، إلا انه كان ينوي الترتيب لوضع جديد في المنطقة.

لا شك ان الكثير من الدول لها مصالح في الانقضاض على العراق الضعيف. وهذا الامر يرتبط بتعاون اطراف سياسية في الداخل. الامر الذي يشكل انشقاقا خطيرا سيطر على العراق طوال عقد من الزمن، ما سمح بالترهل وعدم القدرة على مواجهة التحديات بالشكل الصارم. واليوم تعود طروحات الفترة الباردة لتظهر من جديد في دعوات التقسيم والأقلمة التي يراد منها التلويح بصور براقة عن جنة قادمة.

لقد واجه العراق وضعا مربكا وصعبا لم تواجهه اية دولة في المنطقة. وأحداث اليوم لا بد ان تدفع الى مراجعة العملية السياسية برمتها لتصحيح المسار ووضع استراتيجيات لمعالجة كل المشاكل.

ان ما تتطلبه المرحلة الحالية اكثر من اي شيء اخر هو البدء بتشكيل الحكومة الجديدة وإعادة ترتيب الاوراق بما يخدم العراق، مع تحييد التدخلات الخارجية، وإظهار التماسك والتكاتف، ومكافحة الفساد الاداري، وضبط نفقات الدولة، واستغلال الموارد بشكل سليم، ووضع اسس لتنمية شاملة وواضحة، وبناء الجيش وفق عقيدة وطنية سليمة.

كما علينا في هذه المرحلة ان نكون اكثر وعيا في رسم السياسة الخارجية مع الاخذ في الاعتبار عدم المجاملة وعدم التساهل بالأمور التي تمس الاستقرار وتهدد الامن الوطني.