داعش تسيطر على الأنبار والموصل بسلاح جديد!

عندما أخبرني صديقي بأن داعش تعامل الناس بشكل “مؤدب” في الموصل(1)، أصابني الفزع وأدركت أننا أمام سلاح جديد وخطير هو "الأدب"! فرغم ان هذا يطمئنني عليه وعلى سكان المدينة الرائعة التي قضيت دراستي الجامعية فيها، فإنه يشير من جهة أخرى إلى أن خطة هذه الجماعة، التي أنا موقن بأنها فرقة إرهاب من تدريب وإشراف إسرائيلي حتى لو كان اعضاؤها من المسلمين، خطة بعيدة المدى وأنها تستعد للبقاء في الموصل، فكتبت مقالة عن الأمر بلا تعليق، كتحذير من هذا الوضع الجديد، وهذا التحدي الجديد. 

 

التحدي الجديد الغريب المتمثل بحقيقة أن سكان مدينة كبرى يشعرون “بالراحة” والأمان تحت حكم عصابة من المعتوهين المتطرفين دينياً، مهما كانت حقيقة انتمائهم ومن يديرهم، يؤشر عمق الخلل الذي تركته حكومة المالكي ينمو وينمو دون أن تحرك ساكناً لوقفه. ما يجري الآن هو محاولة إعلامية قوية للتمويه على هذا السلاح الجديد وتصوير داعش بأنها في الموصل والأنبار، ترتكب أعمالها الإجرامية المعتادة. ربما كان ذلك من أجل إثارة الناس خارج تلك المدن ضد داعش، لكن ما يحدث حقاً هو إعطاء انطباع خاطئ ومرعب بأن الناس هناك راضية عمن "يقتل أولادها" و "يغتصب بناتها"، وفي هذا ليس فقط إهانة لهؤلاء الناس وإنما ايضاً هي فكرة مجنونة لا يجب أن يقبل بها إنسان عاقل! الناس في تلك المدن يعلمون بشكل أكيد أن شيئاً من هذا لم يحدث، رغم انهم كانوا يخشون وقوعه، بدليل هجرة أعداد غفيرة من سكان الموصل عند احتلالها، ثم عادوا إليها ليتحدثون بشكل مختلف. 

لأجل كل ذلك فأن التحدي الذي نواجهه أمام هذا السلاح الجديد خطير بالفعل، ويتطلب سياسة ذكية وحزماً اكيد، والتخلي تماماً عن الاسلوب المراوغ واستعمال الكذب الإعلامي للتخلص من المشاكل وتجاهلها والذي قاد البلد إلى ما وصل إليه. 

 

 

تمكنت من الإتصال بأحد الأصدقاء الذين يعيشون في الأنبار، حين وجدته قد غادر إلى الأردن، وسألته عن حال مدن "عنه" و "راوه" و "الرمادي" الخ.. فأكد أنها سقطت تحت سيطرة داعش ومازالت "حديثة" تقاوم، وتحاول داعش أن تطمئن الناس فيها ليفتحوا لهم المدينة. 

ولمعرفة سر هذه الإنتصارات رغم الفارق في السلاح والعدد، فسر صاحبي ذلك بـ “الجرأة المتناهية” حيث يهاجم بعضهم دبابة بسيارته، وبعضهم يمشون على السدة بطولهم رغم قصفهم بالـ بي كي سي.

- لماذا وكيف يرضى الناس بهذه السهولة بتلك العصابة؟  

- كان إرضاءهم سهلاً، بسبب تصرفات الجيش والحكومة معهم. الموصل وعنه وراوه مرتاحين. ما حدث في هذه المدن كان بالضبط مشابهاً لما كنا نقوله في الماضي. ألا تذكر حينما كنا نقول: "لو يأتي شارون نفسه ولا صدام حسين" والآن هم يقولون : "داعش ولا جيش المالكي". لم يعد هناك سيطرات ، المدن تم تنظيفها من الأزبال، التي كانت قد تجمعت لأن البلوكات كانت تمنع وصولها... إذا مر موكب عرس في السيطرة مثلاً، فإنهم يوقفونهم ولا بد أن يتعمدون إهانة العريس أمام عروسه. أو يتم إيقاف الناس لمدة طويلة بحجة أن الكلب المكلف بالشم ، يتغدى، ثم حين يبدأون بتمرير السيارات فإنهم يشيرون لها بالمرور بدون تفتيش! فقط للتأخير والإهانة. هذا عدا الفساد والإبتزاز المالي الكبير.. 

 

إذن الخطة تبدو بالشكل التالي: أن يأمر من يقود داعش ويدير المؤامرة كلها، العناصر التي تم اختراقها في الجيش، بـ "طبخ" الناس في المدينة التي يخطط للسيطرة عليها، بالإساءة إليهم قدر الإمكان وبتقليل الخدمات والأمن قدر الإمكان وإظهار العداء لهم وإهانتهم بكل مناسبة ممكنة، حتى إذا جاءت داعش، لم تجد صعوبة في أن تسير الأمور ببعض الإحترام والأدب المصطنع وببعض الخدمات البسيطة التي كان الناس محرومين منها، فتكسب بكل سهولة، عند المقارنة مع الحكومة وجيشها في عقول الناس وقلوبهم!

 

وبالفعل وصلني نص بواسطة الإيميل موقّع من قبل "نبأ البراك" بعد انتشار خبر "رضا" اهل الموصل باحتلال داعش، يقول: "غزاة العراق في 2003 هلل لهم بعض العراقيون، وغزاة الموصل في 2014 هلل لهم بعض العراقيون أيضاً. إخوتي أسئلتكم الآن " ألا تشبه هذه تلك...!!!؟؟؟... إن الظلم والمعاناة طَحنونا جميعا نحن العراقيون، فلا نلوم بعضنا بعضا، فالمواقف ليست مواقف ملامة، ولا تحتمل أي ملامة، ولكن ينبغي على الشعب العراقي جميعـًا التكاتف، ولنكن حبلا واحدا يشد بعضنا بعضا ضد كل دخيل وطارئ."

 

من الجدير بالذكر أن هذا الرجل الذي اتصلت به الآن كان أحد الذين نقلت عنهم بعض القصص في مقالة لي بعنوان " HYPERLINK "https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/477930418930699" قصص من المناطق السنية - مظلومون بحاجة للمساعدة أم أشرار كذابون؟"(2) التي نشرتها قبل أكثر من سنة حول شكاوى السنة التي لم تجد من يستمع إليها، ولا بأس من إعادة مقتطف منها، لنرى أنها نفس الشكاوى في كل مكان ومنذ ذلك الزمان ولو ان الحكومة اتخذت الإجراء اللازم في حينها، ربما لم يكن ما حدث قد حدث. 

في تلك المقالة سألت صاحبي من نينوى عن سبب انتخاب النجيفي فقال: "أنتخبنا النجيفي على أساس أنه وعد بتخليصنا من البيشمركه. كنا نشعر وكأنهم في سيطراتهم جيش احتلال... الآن الجيش العراقي أسوأ من البيشمركه! نحاول أن نكون في منتهى الدقة في التعامل معهم فأي خطأ قد يكلفك الكثير. كنت مع أهلي في السيارة ، من المعتاد أن ينظر الجندي في السيارة ويؤشر بالمسير، جاء الجندي فأشر لي أن افتح نافذة السيارة ففعلت فقال لي لماذا لم تفتح النافذة بنفسك؟ هل "تستنكف"؟ أجبته أن المعتاد أن نفتحها فقط عندما يطلب منا، فبدأ يهدد ويتوعد ويقول كلام بذيء وسألني – "تريد هسه ابسطك كدام عائلتك؟ إحنا ندري إنتو تكرهونه يا..."

 

وتحدث صاحبي عن حادثة اغتصاب فتاة من قبل ضابط في الفرقة الثانية، فسألته لماذا ربط الأمر بالقضايا الطائفية، هل الضابط شيعي؟ هل كل الضباط والجنود شيعة؟ قال لا ابداً، المشكلة في الجيش...السنة منهم ربما اسوأ من الشيعة. القائد السابق شاكر الغنام، سني، سحبوه لكثرة مساوئه." وأضاف: "أنت تعلم كم كنت أكره صدام حسين ودفعت ثمناً غالياً لذلك، وكنت أتمنى أن اقطعه بأسناني، لكني اقول اليوم هؤلاء أسوأ: كل واحد منهم صار صدام حسين"!

هدأ قليلاً، ثم أكمل: "الوصول إلى الجامعة يتطلب ساعات عديدة" قال أن زميل له ذكر اسمه أستاذ بالجامعة تأخر أمس 4 ساعات لكي يدخل الجامعة وكان يفور غضباً". وأكمل: "يتعمدون التأخير واستعراض عضلاتهم أمام الطالبات. الجيش في داخل الجامعة ويتحرشون بالطالبات، وإذا شافوا طالب وطالبة معاً يتمشون (فتلك مشكلة).... قال إنه يفكر بمغادرة البلد نهائياً، وأكمل: "أريد ان اعيش السنوات القليلة الباقية من عمري بكرامة..هذا كل ما أطمح له"

 

ومن الأنبار قال أحد معارفي:"خال زوجة إبني مسجون منذ 6 سنوات بدون تهمة ولم يحاكم. أتهموه في البداية بأنه قاتل طبيبة وبدأوا بتعذيبه ليعترف. تبين أن الطبيبة من أقرباءه، فذهبت الطبيبة إلى القاضي وقدمت اوراقها وقالت أنها مازالت حية ترزق ولم يقتلها أحد، ومع ذلك لم يطلقوا سراحه حتى الآن!" سألته- معقولة؟ قال "خذ مثال آخر: قبل أكثر من سنتنين حدث انفجار عبوه في مصفى بيجي، اعتقلوا مجموعة وصاروا يعذبوهم إلى أن اعترفوا على أنفسهم. لكنهم فشلوا في "كشف الدلالة" لأنهم اعترفوا كذباً للتخلص من التعذيب. تركوهم في السجن وقبضوا على مجموعة أخرى وتكرر نفس الشيء، وفي المجموعة الثالثة، نجح "كشف الدلالة"، لكنهم لم يطلقوا سراح المجموعات السابقة حتى الآن!

ثم اكمل: "هناك اعتقالات كثيرة لا تعد، أوامر إلقاء القبض جاهزة في السيطرات العسكرية وموقعة من قضاة على بياض. يأخذ الإنضباط هويات المسافرين اثناء التفتيش ويقول لهم أنه سيفحصها في النقطة، ليرى إن كان أحدهم عليه إلقاء قبض. وعندما يعجبه أن يلقي القبض على احدهم يقوم بكتابة إسمه على إحد تلك الأوامر الموقعة ويقبض عليه!" 

 

ومن بغداد نقلت حادثتين الأولى حول أحد اقارب صديق لي "تم اعتقاله في احدى السيطرات داخل بغداد. وجهوا له تهمة انه "ابو سعد" المطلوب بتهم الارهاب واخذوه الى معتقل مطار وقاموا بتعذيبه حتى اعترف على نفسه وتم تسجيل إعترافه بالكاميرات. و بعد ايام اعتقلوا ابو سعد الاصلي فعادوا الى تعذيبه ليعترف مرة ثانية بانه "ابو عمر البغدادي" فاعترف وايضاً تم التسجيل بالكاميرات! وأثناء انتظاره امر الإحالة، شاءت الصدف ان يجدوا ابو عمر البغدادي الحقيقي! وهنا بدأوا حفلات تعذيب جديدة بسبب كذبه عليهم و اعترافاته. و بعد ان قضى في الاحتجاز حوالي سنة وبالصدفة يتعرف أحد أولاده على أحد القضاة، وتم اطلاق سراحه (بدون فلوس). 

القصة الأخرى عن اعقال زميل من ايام الدراسة، مهندس من جامعة بغداد وعانت زوجته كثيراً ثم توصلت الى مكان اعتقاله واستطاعت مواجهته و لمدة وجيزة مرتين.. ثم اختفى ولا احد يعلم أين هو! 

 

اختتمت مقالتي تلك بالتساؤل: 

"هل نصدق هؤلاء أم لا؟ هل نستنتج من تظاهراتهم أننا أمام "رس" خبيث و مجموعة "أشرار" يجب أن نخاف منها ونبتعد عنها، أم مجموعة خائفة يائسة لا تعرف كيف تعبر عن مطالبها، يستغلها البعض استغلالاً سيئاً لتمرير أجندته بخلطها بمطالبهم، وأنهم قبلوا بهم بعد أن يئسوا من إيجاد من يستمع إليهم من الآخرين؟ إنه سؤال على كل منا أن يجيب عليه بما يراه مناسباً."...

 

انتهى الإقتباس من تلك المقالة، ويبدو أن نفس تلك القصص مازالت سارية وهي التفسير الوحيد المعقول لما جرى الآن من سقوط الكثيرين في تلك المناطق في فخ داعش بـ "المعاملة الطيبة" وتصويرها لنفسها كحامي للسنة من جيش المالكي، حيث أن الحكومة لم تحرك ساكناً ولم تفتح تحقيقاً مع أية جهة في الجيش رغم الكثرة الهائلة لشكاوى الناس في مناطق السنة منه. بدلاً من التصرف المنطقي في التحقيق بالشكاوي، تنتشر بشكل متزايد حمى "دعم الجيش" وتأليه قادته، ورفض أي ادعاء بفساده وتخوينه، رغم أن الجيش ليس إلا مؤسسة من مؤسسات الدولة التي يعترف الجميع فيها بأنها غارقة في الفساد، فلماذا يقاوم الإعتراف بفساد الجيش بكل هذه القوة الإعلامية؟ إنني لا أرى إلا أن ذلك جزء من السعي لحماية الفاسدين في الجيش دفاعاً عن المؤامرة التي تخطط للعراق، وليس دفاعاً عن الجيش وسمعته، فسمعة الجيش في محاسبة المفسدين فيه وليس بإنكارهم والدفاع عنهم وإبقائهم في مناصبهم. 

 

 

ولكي أفهم كيف يفكر الناس في تلك المناطق سألت صاحبي عن رأيه في مختلف زوايا هذه الأزمة، فلم يتفق معي تماماً في "نظرية المؤامرة" بإدارة أميركا للإنهيار العسكري العراقي لكنه قال: "ربما إسرائيل، لا ادري، لكني اعتقد ان السبب الرئيسي هو الفساد في الجيش".. 

قال: " نسبة كبيرة من الجيش العراقي منذ ان تأسس وهي مشغولة بالسيطرات وفساد السيطرات ولم تدخل أية "فرضية". المناصب تباع.. هناك 70% يداومون و 30% يسمون "فضائيين" لا يداومون ويدفعون نصف راتبهم للضابط المسؤول .. الشعور العام بالفساد يجعل من الجنود الباقين غير مستعدين للمقاومة والتضحية بأنفسهم، وأول الهاربين هم المرتشون.... " في قاعدة سبايكر أسروا الآلاف، بينما مازال في داخل ذات القاعدة 200 جندي وقائدهم علي المفرجي يقاومون، وصمدوا حتى اليوم، فتركوهم. الطرفين الآن يقاتلون على مصفى بيجي.. داعش تحتل الأماكن التي يتركها الجيش بلا دفاع، فإذا وجدت دفاعاً قوياً، فإنها تتركها". 

ومن المهازل التي حدثت، قال: "تم إطلاق سراح الجميع من سجن بادوش في الموصل بضمنهم ذوي التهم الجنائية العادية ومن ضمنهم والد مدير شرطة “حديثه” العقيد فاروق تايه (من عشيرة الجغايفه)، حيث كان أبوه (تايه) محكوم بالسجن المؤبد في قضية قتل عشائري، فخرج من السجن وهو الآن في حديثة عند إبنه "مدير الشرطة"!

ورأى أن "البعثيين في المنطقة الغربية ليسوا طرفاً، الذي حدث ان عدداً من ضباط الجيش السابق قاتلوا ضد الحكومة وهؤلاء كلهم كانوا بعثيين بالضرورة، لكنهم قاتلوا باعتبارهم ضباطاً سابقين وليس كبعثيين، بدليل أن البعثيين المدنيين لم يقاتلوا.. لكن هؤلاء كالضباع يستفيدون من الوضع فيأكلون من بقايا المعركة، لكنهم لا يقاتلون بانفسهم." 

ذكرته بما قاله سابقاً لي بأن "استقالة المالكي ستحل المشكلة" لأن الناس ترى المشكلة فيه شخصياً، فقال: "كانت ستحل المشكلة تماماً في الماضي، لكن الآن الأمر أصعب وداعش لن تتخلى عن مواقعها حتى لو استقال، لكنها تبقى خطوة ضرورية وصحيحة ، وتسحب البساط من تحت داعش وتفقدها الكثير مما تعتمد عليه من خوف الناس من الجيش وقد تحل المشكلة". ثم تحدث عن احتمال مؤامرة أمريكية لقتل المالكي فقال: "الخطورة أن يقوم الجيش بإنقلاب، ثم تتظاهر أميركا بـ "الزعل"، ثم يعلن قائد الإنقلاب أنه سوف ينظم إنتخابات، وتستعملها أميركا حجة للرضا عن الإنقلاب وتكتفي بالمطالبة بالشفافية وغيرها، تماماً كما حدث مع السيسي." 

 

وعن رأيه بكل ما يجري والحل، قال: "أنا ضدهم تماماً.. لديهم حاضنة يجب حرمانهم منها..  من اجل تحرير المدن يجب أن لا يرتاح الناس لهم. لداعش إيديولجيتها المتطرفة، وهي الأمل في أن تتسبب يزول رضا الناس عنها مع الوقت، بعد اضمحلال قوة مشاعرها لأذية الجيش ونسيانها تدريجياً. لن يتحمل المواطنون التعليمات الإسلامية لداعش، ولا يمكن لداعش أن تقدم لهم الوقود والبضاعة والرواتب (ما لم تتعاون كردستان معها)...لكني أرى أن استقالة المالكي هي البداية لأي حل حقيقي.. يجب أن يطمئن الناس إلى سلطة تتعامل معهم بعقلية أخرى تحترمهم ولا تميز ضدهم". 

 

هذه "العقلية الأخرى" ليست بالضرورة كل ما يطالب به سكان تلك المناطق، وإنما ما يمكن أن يقنعهم بأنهم أمام "حكومة" بالفعل، وأن المجرم أو المذنب الذي يعتدي عليهم يمكن ان يعاقب من قبلها، حتى إن كان من الجيش. "عقلية" لها الجرأة على مواجهة الحقيقة والتعامل بصدق، عقلية تنسى الحلول الإعلامية الكاذبة الهادفة إلى تمضية القضية ودفنها في النسيان والتركيز على تأمين أصوات ناخبيها، فالإنتخابات قد ولت على كل حال. 

 

تحاول داعش أن تستفيد من سلاحها الجديد اليوم في محاولتها إقناع مدينة "حديثة" بالإستسلام لها باعتبارها جهة مسالمة لم تؤذِ أحداً، وقد تنجح! ولا يصعب علينا أيضاً أن نتخيل مثل هذا النجاح في كسب الناس إن هي احتلت بهرز بعد أن أدمى “سوات” أهلها ورفضت الحكومة التحقيق مع المعتدين حول شكاوى الناس الصريحة والشجاعة التي قدموها رغم الخطر الشديد الذي يشعرون به يتهددهم من قوات “سوات”، وقدمت داعش نفسها كحام لهم يطمئنهم ويسد الفراغ الناتج من إحساسهم بعدم وجود حكومة تحميهم! 

 

بالمقابل فأن "داعش" تحرص على ان تعطي انطباعاً مشدداً عن وحشيتها تجاه الشيعة، ربما يكون أكثر من حقيقته ايضاً، فرغم أن جرائمهم لا تحتاج الى المبالغة بفضائعها، فقد قدم بيان نشر على انه منها، رقماً خيالياً عن عدد ضحاياها من طلاب القوة الجوية الشيعة بما يزيد بأضعاف مضاعفة كل عدد طلاب القوة الجوية بشيعتهم وسنتهم، وقد وردت تأكيدات بأن الخبر كله عارٍ عن الصحة تماماً. هذا التناقض بين "الأدب" المصطنع، و "القسوة" الشديدة يهدف إلى نفي ما انكشف مؤخراً في أحداث عنه وبهرز خاصة، من حقيقة عداء القاعدة وداعش وكل فرق الإرهاب الإسرائيلية المختلفة الأسماء، لكل من الشيعة والسنة وقتلهم أياهم على السواء، ليزيد في فعالية الشرخ المطلوب بين الشيعة والسنة، ولتحقيق التفتيت المطلوب للمجتمع العراقي. 

 

إذن فـ "حديثة" و "بهرز" ومدن عديدة اخرى مستهدفة بنفس السلاح الجديد، وعلينا أن نستعد. وعندما نتذكر أن بهرز مدينة مختلطة كالكثير من مدن العراق، وان "حديثة" تقع عند أكبر سد في العراق، ندرك خطورة التحدي هذا، وأن له أبعاداً متعددة قد تعبر حدود المشاعر الطائفية والدعوات لفدرلتها، فالعراق مترابط بشكل لا فكاك منه، وإن تعادت أجزاءه وسيطرت على بعضها عصابات دربتها إسرائيل على التدمير، فأن التدمير سيطال كل جزء فيه، وكل طائفة فيه وأية مكابرة وتجاهل لذلك الخطر ليس سوى الحماقة بعينها. 

 

ما نحتاج إليه لمواجهة التحدي الجديد الصعب حقاً، هو عقلية تدرك تماماً حجم الموضوع وأنه لا يمكن التخلص منه بكذبة تلفزيونية كما كان الأمر حتى الآن. أن ما حققته داعش اليوم هو "نصر" و "فتح" من نوع جديد بسلاحها الجديد، "الأدب"، حين استطاعت أن تكسب ولو مؤقتاً وببساطة مدهشة، رضا السكان تحت سيطرتها، وأنه يتطلب لمواجهته ايضاً سلاحاً جديداً هو "الصدق" وما يتطلبه من "الجرأة" في الإعتراف والمواجهة، لكي نعيد به كسب ثقة اؤلئك السكان وأن نعمل على ذلك في انتظار الفرصة القادمة حتماً. الفرصة حين تتآكل ثقة الناس بـ "داعش" ويرونها على حقيقتها ولا يعودون يتحملون قبح إيديولوجيتها.. حتى هذه اللحظة لا يوجد أي مؤشر على أن الحكومة تعمل بهذه الحكمة للأسف، ونخشى أن ذلك المؤشر لن يأت ابداً، فالمزايدات ذاتها وروح الإعلام المزيف ذاتها والإستقطاب والتهييج وتهريب المسؤولين عن الكوارث، مازال هو ذاته! ونخشى إن أتت الفرصة وكره الناس داعش بعد بضعة أشهر كما ينتظر، فلن يجدون بديلاً يثقون به ويحاربون معه ومن أجله، فتمضي الخطة الإسرائيلية الأمريكية لتفتيت البلاد إلى نهايتها، بكل ما تأتيه من ويلات لكل فئات هذا الشعب!