قولوا أنه كابوس |
لا أودُّ إزعاجكم بالتأكيد لكنني منزعجٌ جدا ولا حلّ أمامي سوى بثّ لواعجي عبر الكتابة. إنها الطريقة الوحيدة التي تريحني ولولاها لكنت جننت حقا. أفكر أحيانا أنَّني ربما هائمٌ ببلدي، أنني مسكونٌ برائحته، محاطٌ بأنفاسه رغم أنني لم أره كله، بل لم أر أغلبه. الموصل مثلا، لم أزرها سوى مرة واحدة في سفرة شبابية نهاية الثمانينيات، ومع هذا أشعر الآن بكل أحزانها تثقل على قلبي. أكاد أتحسس مرارة الخائفين فيها وأتلمس رعب النازحين منها. منذ أن احتل الأوباش القذرين هذه المدينة، أسأل نفسي كل ليلة ـ لماذا أنا حزين كل هذا الحزن عليها يا ترى بينما أنا رجلٌ بغدادي المنشأ، جنوبي المنحدر؟ أسأل هذا فيجيبني هاتف صادر من الفؤاد العليل ـ هي الهوية التي تشربتها يا فتى، خيالات الآشوريين ومنحوتاتهم وأصداء أوتار عثمان الموصلي وأغانيه، هي الهوية ورأسمالها الرمزي الطاغي، المتجذر فيك، هذا الرأسمال الممتد من الموصل إلى بعشيقة ومن تلعفر إلى حديثة وعانه، المتلف تحت بساتين شهربان، المكلكل بظله على أهوار الجنوب. يسألني قلبي مرة أخرى ـ ما الذي حل بك حتى تنتابك الكوابيس وتردد في صحوك ومنامك ـ تبا لداعش ..تبا لداعش؟ فتجيب الروح بلغة لا يفهمها سواها ـ هي ذكريات أمة كاملة تثقل أمثالك فلا تعجب، أمّة لا تدري كيف تعيش في دمك رغم أنها معطوبة دائما بويلات أبنائها. يا إلهي على حزني الذي يتصاعد مع كل خبر سيء أسمعه ومع كل خيبة تحط أمام الناظرين، يا ويلتي من هذا الهلع الذي لم ألتذ معه بطعم شاي ولا نكهة أغنية. أقول ـ يا ويلتي وأنا أقصد ـ يا خجلتي. أوهكذا يصبح العراق، معلم الكون وشاغله، نهبا لسخرية من لا يساوون شسع نعلٍ موصلي أو خيط بريسم من عباءة جنوبية ! |