العلاقات الاميركية الايرانية إستخباريا

 

ذكرت الديلي تلغراف البريطانية في نسختها الانكليزية يوم 22 يونيو بقلم Richard Spencer إن استخبارات اقليم كردستان عبرت المعلوما الى وكالة الاستخبارات المركزية " ال سي اي اية" M 16 ـ  الاستخبارات البريطانية الخارجية قبل خمسة اشهر حول وجود مخطط لأجتياح مدينة الموصل ومدن اخرى من قبل "داعش" لكن استخبارات كردستان لم تحصل على اي رد.

الولايات المتحدة اعلنت بانها منفتحة على اجراء مشاورات مباشرة مع ايران حول اجتياح "داعش" ومجموعات مسلحة "جهادية" وتنظيمات حزب البعث و "ثوار العشائر" يوم 10 يونيو 2014. أكد البنتاغون يوم 20 يونيو 2014 "ان ايران ارسلت عددا قليلا من العناصر إلى العراق لمساعدة الحكومة برئاسة المالكي في مواجهة المتمردين السنة، موضحة انه لا مؤشر على انتشار واسع لوحدات عسكرية." 

وقال كيري في مؤتمر صحافي هناك عددا من العناصر الثوريين لكن لا توجد معلومات عن وجود وحدات كبيرة على الارض، مشيرا على ما يبدو الى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني. وذكر تقارير اعلامية ان قاسم سليماني في بغداد.

أن تجاهل الاستخبارات المركزية والبريطانية تحذير استخبارات كردستان ربما يفسر خطوة مقصودة للضغط على رئيس الحكومة في بغداد وفرض سياساتها، كون واشنطن سبق ان سلحت مجموعات اسلاموية متشددة للضغط على الاسد في سوريا لدفعه الى التفاوض وايجاد حل سياسي.

 

انسحاب تكتيكي ام انهيار للقوات العراقية

 

في حديث خاص لي مع الباحث هشام العلي، المتخصص في شئوون الدفاع والتسلح ذكر بان القوات العراقية كانت ولا تزال منتشرة في مناطق تحشد فوضوية تفتقر الى تحقيق عنصر الاسناد المتبادل ما جعلها تصبح مجرد تجمعات مسلحة مستقلة باحجام متفاوتة يشكل كل منها فريسه سهلة لاي عمل عسكري يشن من قبل "داعش" والمتشددين الذين يشكلون عناصر خفيفة الظهور والحركة يصعب تمييزها ضمن المحيط والذين يعتمدون على الجراة والمهارات العامة في القتال. انسحاب من مدن الانبار يعلنه المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية ويسميه " تكتيكا" لكن الباحث العلي لا يرى اي "تكتيكا" في عملية الانسحاب ويعتبره انهيار لقدرة الجيش وتخبط القيادات في استعادة التنظيم واخذ زمام المبادرة ميدانيا وفي مجال السوق العام ما يعني ان الجيش قد خسر الصراع لانتزاع المبادرة.

 

ايران و"الدور الوسيط"

 

اشترطت ايران في اعقاب ذلك بتعاونها مع واشنطن حول العراق، نجاح المفاوضات حول الملف النووي الإيراني. وقال محمد نهونديان "إن محادثات إيران مع مجموعة 5+1 تعتبر اختبار ثقة  وإذا أدى ذلك إلى حل نهائي، فيمكن أن تكون هناك فرص مباحثات حول مواضيع أخرى" وذلك رداً على سؤال حول هذا التعاون المحتمل وهي اشارة واضحة الى ان ايران ممكن ان تهادن الولايات المتحدة في العراق وتتعاون معها سياسيا وعسكريا مقابل الملف النووي. واشنطن والغرب مازال يجد صعوبة في مفاوضات مارثونية مع ايران حول الملف النووي خاصة أجهزة الطرد المركزي التي تنوي ايران الاحتفاظ بها لإنتاج الوقود النووي رغم اعتراض واشنطن. ورغم ان الملف النووي الايراني يعتبر العقبة الاساسية في مسار تطبيع علاقات البلدين الى ان هناك ملفات اخرى لا تقل اهمية تلقي بظلالها على هذه العلاقات مثل الازمة  في العراق وفي سورية والدعم الايراني لحزب الله وافغانستان.

تحاول ايران ان تطرح نفسها في ملف العراق "وسيطا" وليس طرفا في الصراع في العراق والمنطقة. ايران باتت معروفة بنقل مواجهاتها مع الولايات المتحدة وخصوم اخرين خارج ارضيها ابرزها العراق وسوريا ولبنان. هذه المناطق اعتبرت مناطق رخوة امام ايران، مما جعلتها ان تستخدمها منصة لمواجهة الولايات المتحدة وفي نفس الوقت  النفوذ الى الدول الخليجية ايرزها من العراق بحكم الموقع الجغرافي,

إن وجود ايران في العراق لم يكن جديدا، احيانا يأخذ الوجود العلني ليرسل رسالة مباشرة الى الغرب من احتدام المواجهة واحيانا يكون مغطى ومبطن في واجهات سياسية ومنظمات واحزاب سياسية في العراق. ايران كانت وماتزال الاعب الرئيس في ملف العراق مابعد 2003 الى جانب الولايات المتحدة الاميركية. لذا لا تظهر ازمة وتشتد الا ان يكون هنالك حضورا الى بايدن من الادارة الاميركية وقاسم سليماني من ايران، ماعدا الزيارات التي يقوم بها رئيس الحكومة العراقية الى البلدين قبل اتخاذ القرارات خلال الازمات. الموقع الجغرافي الى ايران مابين افغانستان والعراق، جعلها تتمتع بدور سياسي وديموغرافي في المنطقة يرجع جذوره الى تاريخ المنطقة وماقبل انهيار الامبراطورية العثمانية.منذ غزو العراق 2003 والولايات المتحدة وفرت الكثير من المكاسب في العراق، ابزها الاستثمارات وربط العراق تجاريا مع ايران، ومسك ايران بعدد كبير من الاطراف الفاعلة في العملية السياسية، يقابلها اطراف سياسية اخرى مدعومة من قبل السعودية ودول خليجية عربية.

 

"إيران- كونترا"

 

 تعرف ايضا بفضيحة "إيران جيت"، اثناء حرب الخليج الأولى خلال الفترة 1985 ـ 1986 وهي عبارة عن مخطط سري لادارة البيت الابيض في عهد ريغان، بمقتضاه  تم بيع أسلحة الى إيران، واستعمال أموال الصفقة لتمويل حركات "الكونترا" المناوئة للنظام الشيوعي في نيكاراغوا.  الفضيحة  تمت مع ايران أثناء حربها مع العراق  دون علم الكونغرس الاميركي وبادارة وتنفيذ وكالة الاستخبارات المركزية انذاك "كيسي".

 

التعاون الاميركي الايراني حول افغانستان

 

اتسم الموقف الإيراني من الحرب على الارهاب في اعقاب احداث 11 سبتمبر 2001 بالايجابية لصالح واشنطن وطهران ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة، حيث شكل قرار إغلاق الحدود الإيرانية مع أفغانستان تبديدًا لقلق الإدارة الأمريكية من قدرة إيران على إحكام قبضتها على الحدود، وعدم السماح بتسلل مجموعات من حركة طالبان أو أنصار أسامة بن لادن إلى إيران، كما أن ذلك القرار شكل ضمانة لمنع تهريب الأسلحة وتقديم الدعم إلى تلك المجموعات، عبر الحدود الأفغانية-الإيرانية. رغم ان ايران سبق لها ان استقبلت اعداد من قيادات الخط الاول من تنظيم القاعدة ومن عائلة بن لادن، وهذا ربما لم يكن بعيدا عن التوافق الاميركي الايراني في افغانستان انذاك لتخفيف المواجهات العسكرية.

 

التعاون الاميركي الايراني 2003 حول غزو العراق

 

تعاونت واشنطن بشكل مباشر مع طهران حول غزو العراق عام 2003، وكشفت مصادر عراقية دبلوماسية موثوقة انذاك عن تفاصيل المفاوضات مابين الطرفين. وكانت محطة وكالة الاستخبارت المركزية، ال "سي اي اية" في دولة الكويت هي المعنية مباشرة بهذه المفاوضات. مصادر المعلومات ذكرت بأن فريق عمل من عملاء ال "سي اي اية" في محطة الكويت زارت ايران. المفاوضات نصت على موافقة ودعم ايران للغزو الاميركي للاطاحة بالنظام العراقي السابق مقابل، عدم تدخل اميركا في الشأن الداخلي الايراني، ابزها ملف الاقليات ومجاهدي خلق وملف انتهاكات حقوق الانسان.

 

انسحاب اميركي امن من العراق عام 2011

 

الولايات المتحدة لم تستطع الانسحاب بشكل امن من العراق لولا الاتفاق او التوافق مع ايران، حيث وفرت الاخيرة انسحابا امنا للقوات الاميركية عام 2011. القوات الاميركية كانت تتعرض الى عمليات عسكرية من قبل مجموعات مسلحة ـ ميليشيات عراقية مدعومة من ايران. اعترفت خلالها القوات الاميركية بحجم الخسائر التي تعرضت لها. هذه التوافقات والتقارب في المصالح في العراق يثير الكثير من الاستفسار والتسائولات حول الدورالاميركي والايراني في العراق لانها تكون على حساب العراق وامنه القومي. يشار ان التقارب الاميركي الايراني في العراق ظهر ايضا في عام 2005 و عام 2008 خلال تصاعد حدة المواجهات الطائفية في العراق.

 

ازمة الانبار 2014  تتحول الى حرب طائفية

 

مع تصاعد ازمة الانبار مطلع عام 2014، والتي بدأت على شكل احتجاجات واعتصامات من على منصات الاعتصام في الانبار وفي وقت سابق في الحويجة التي شهدت خطأ سياسات الحكومة المركزية بالتعامل معها. وخلال هذه الازمة شهدت بغداد زيارة الى قاسم سليماني ومساعد وزير الخارجية،  بعذ الزيارات تزامنت بوجود الطرفين، مما يشجع فكرة التفاوض والحوار الاميركي الايراني حول العراق استخباريا بالاضافة الى الملف السياسي. تصريحات البيت الابيض وروحاني في اعقاب اجتياح "داعش" ومجموعات "جهادية" اخرى الى جانب "مجلس الثوار" لم تأتي من فراغ بل قائمة على تاريخ من العلاقات الثنائية السرية الاستخبارية، رغم قطع العلاقات الثنائية بين البلدين منذ عام 1997 وازمة رهائن السفارة الاميركية في طهران.

خبراء من المانيا، معنيين في السياسة الخارجية الاميركية، ذكروا بأن تقارب واشنطن مع طهران،بسبب رهانها على نفط العراق وعلى مخزون النفط الايراني! واشنطن ودول اوربية مستعدة ان تتعايش مع ايران نووية مقابل تامين الطاقة. لذا جاء ردود فعل واشنطن حول الازمة في العراق بسبب الخزين الإستراتيجي للنفط في العراق، المتحدث باسم الخارجية الاميركية صرح، بان مايجري في العراق هو تهديد للأمن القومي الاميركي، وهو اشارة الى الطاقة. يشار ان الموقف الاميركي ايضا كان استثنائيا في اليمن بسبب احتمالات تهديد القاعدة الى الممرات البحرية التي تمثل مصدرا هاما للطاقة.

 

زيارة كيري

 

يعتبر الرد الاميركي نسبيا سريعا عن موقفه في سوريا وانعكس هذا الاهتمام بزيارة كيري الى العراق يوم 23 يونيو 2013. زيارة كيري تأتي وسط معلومات حول اجتياح وسيطرة "داعش" والمجموعات "الجهادية" و"مجلس الثوار" على مدينة تلعفر شمال العراق ومدينة القائم ومعبرها مع دير الزور ومعبر طريبيل ـ القادسية الحدودي مع المملكة الاردنية، ليمسك بحدود العراق من الغرب والشمال الغربي. هذه الخطوة هي احدى إستراتيجيات "داعش" بمسك الحدود في المناطق التي يسيطر عليها تمكنه خنق التنظيمات والمجموعات المسلحة الاخرى ويفرض سيطرتها كونها تمثل له نقاط امن ومصدر للحصول على الواردات. إن زيارة كيري تأتي وسط انهيار عسكري وامني لمنظومة الامن والدفاع في العراق.

 

حرب اهلية

 

 مايجري الان في العراق هو حربا اهلية مذهبية شرسة تقودها زعامات سياسية وعشائرية سنية بالتحالف مع "داعش". الصوروالوثائق التي ظهرت من داخل المدن العراقية التي وقعت تحت سيطرة المجموعات المسلحة  و"داعش" اظهرت قنل مئات المدنيين والعوائل من الطائفة الشيعية على يد مقاتلي "داعش". الزعامات السياسية والعشائرية السنية تدعي بأن "داعش" لا تقود العمليات، وانها "ثورة" فكيف تسمح لنفسها التعامل مع "داعش" وتسمح بارتكاب جرائم حرب جماعية ضد الشيعة المدنيين وضد العزل وتسمح بهدم الاضرحة وقبور الصحابة في مدينة الموصل! مايجري الان هي الحرب الطائفية بعينها ويكابر من  يراهن على وحدة العراق. يجدر بهذه الزعامات السياسية والعشائرية ان تختار اسلوب اخر "لثورتها" وفي اسوء حال توجه سلاحها ضد الحكومة في المنطقة الخضراء. ما يحصل الان هو قيادة "داعش" الى التمرد بالتحالف مع تلك الزعامات. هذه نقطة تحول ومنعطف خطير في تأريخ العراق وتعيد للاذهان الحرب الاهلية في الهند وانقسام الباكستان منتصف الاربعينيات من القرن الماضي. ينبغي على منظمات المجتمع المدني وهيومن رايتس والمنظمات الدولية توثيق جرائم التمرد و"داعش" واعتبارها جرائم حرب بالاشتراك مع تلك الزعامات التي تتحالف مع "داعش" لفرض شروطها. مازال هنالك اجماع على الحل السياسي في العراق اكثر من الحل العسكري، يأتي ضمن توافقات سياسية وعلاقات استخبارية لا تكون بعيدة عن تدخل واشنطن وطهران، الحل السياسي لا يكون باقل من ظهور اقليم سني على غرار اقليم كردستان.

 

 

 

 

جاسم محمد: باحث في قضايا مكافحة الارهاب واٌلإستخبار