شـهـــود الــزور

يكثر شهود الزور في المعارك والحروب التي يختلط فيها الحابل بالنابل ، وتضيع على الناس حقيقة مايحدث على الأرض من تطورات في القتال ومن انتهاكات انسانية وجرائم يرتكبها تجّار وقتلة الحروب ، وفي حربنا مع ايران كثيرا ما كانت البيانات العسكرية التي تصدرها القيادة العامة للقوات المسلحة مدعاة للأستغراب والتندر بل حتى السخرية من قبلنا نحن الجنود الذين نقاتل في السواتر المتقدمة ، واذكر في معركة الدفاع عن المحمرة حين فوجئنا بالأعداد الهائلة من الجنود الأيرانيين الذين هجموا علينا ، اضطررنا للتراجع بقتال عشوائي حتى جسر الطاهري المتاخم لمنطقة كتيبان احدى قصبات مدينة البصرة ، وكانت المعنويات مهزوزة والقطعات العسكرية بفوضى عارمة ، وحين استمعنا الى صوت المذيع الراحل رشدي عبد الصاحب من راديو صغير لائذين تحت دبابة وهو يعلن بحماس في بيان عسكري طويل عن انسحاب قطعات الجيش من المحمرة بناء على ضرورات تكتيكية ودون ضغوط من العدو ، شعرنا حينها بالفرق الشاسع بين مايحدث على ارض المعركة من حقائق مؤلمة وبين ما يدبّج من بيانات عسكرية في الغرف والمكاتب المكيفة ، حتى ان احد الجنود من جزعه قال متهكماً ان هذا البيان يزدحم بالفيلة الطائرة ؟ وربما تلجأ القيادات العسكرية الى تحريف الحقائق حفاظاً على معنويات الجنود في قطعات عسكرية اخرى لم تدخل اتون المعارك بعد ، لكن الذي حدث بعد يومين من تركنا الى المحمّرة ان القيادة العسكرية اضطرت ان تعلن بوضوح عن انسحاب جميع قوات الجيش بقطعات الجبهة الى الحدود الدولية ، وتوهّم الناس مبتهجين ان الحرب بدأت تُلقي اوزارها ، لكن الذي حدث ان العدو الأيراني اللئيم عزز من قطعاته بهجوم كاسح على شرق البصرة في السابع عشر من رمضان ، تموز عام 1982 ، استخدم فيه موجات بشرية ملأت ارض المعركة ،وكنت احد الجنود المشتركين في تلك المعركة الشرسة والغير متكافئة كسائق دبابة في كتيبة دبابات الكندي التابعة للواء المدرع الخامس والثلاثين والذي يتلقى اوامره من الفرقة التاسعة المكناة بقيادة قوات اسامة التي دُمرت بالكامل مع الأسف .مناسبة استذكاري هذا سببه خطورة شهود الزور على معنويات الجنود في اية معركة ، وان ما حدث من استباحة مريرة في مدينة الرماح نينوى الخضراء ثم ما لحقها من وقائع مؤلمة في مدينتي تكريت وديالى يشير الى غياب المعلومة الصادقة ، حيث لا حظنا غياب المراسلين الحربيين في هذه المدن ، وان فضائيات الحكومة الرسمية اكتفت بلقاءات باردة لا حياة فيها في استودياتها المكيفة مع محللين لا يفقهون شيئا عن الحرب والمعارك ، حتى بدت تلك اللقاءات المضحكة كأنها تتحدث عن بلد آخر غير العراق الذي غزا ظلام الشر جبينه وجنحيه امام انظار العالم ، والطريف ان بعض الفضائيات تلتقي بمراسلين يظهرون في اربيل ويتحدثون بأجتهادات شخصية عما يجري في الموصل او تكريت وحتى ديالى ، غير ان الأصدقاء الذي يعيشون المحنة القاسية في داخل مدنهم الأسيرة ، ينقلون عبر مواقع التواصل الأجتماعي انباء اكثر دقة عما يجري في مدنهم المنهوبة والتي تعيش بظروف حياتية قاسية افتقدت الى ابسط الشروط الأنسانية ، والسؤال الذي اطرحة على فضائيات الحكومة ، لماذا هذا الغياب المريب للمراسلين الحربيين عن تلك المدن ؟ بالوقت الذي تكاثر شهود الزور وهم يواصلون بث معلومات مضللة معروفة بأهدافها الخبيثة عن حقيقة ما يجري في تلك المدن التي مازالت ترزح تحت سطوة قوى ظلام شريرة لا غبار عليها ، والاّ ماذا يعني تفجير تمثال الشاعر ابو تمّام ونصب ملّا عثمان الموصلي ورأيت بأم عيني شريطاً متلفزا لظلاميين يهشمون بالمطارق آثار عراقية ويطلقون الرصاص من مسدسات على رؤوس اناس عزّل بحجة انهم من المرتدين ، ويقتحمون امرأة لأغتصابها مصحوبة بصيحاتهم القميئة وهم يرددون لفظ الجلالة الله اكبر ، فوضى دامية غير مسبوقة تحدث الآن في الموصل وتكريت وديالى ، الا تباً لشهود الزور الذي سيلعنهم التأريخ ، كما ان جرذان داعش بغزواتهم الدامية هذه ، كشفتْ المستور عن قلوب خدعتنا بوطنيتها ورفعتْ الأقنعة عن وجوهٍ كالحة ضللتنا بياضها الزائف وعن اصدقاء ظهروا انهم اعداء حاقدين على الوطن وعلينا، وجعلتْ الدرب امام انظارنا بوضوح اشد ، الا سحقاً لأولئك الذين يرفعون بكفّ علم العراق امام الناس وبكف اخرى يطعنون كبد البلاد ، جرذان داعش جعلتنا نرى الوطن بوضوح تام وبحر الرجال يتقدّم بخطى ثابتة لإزاحة الظلام عن جبين وجناحيّ العراق، والنصر حليف الوطنيين الأحرار .