البحث عن "الجندي" المفقود

زوجة الجندي علي جاسم ، الحامل في شهرها الأخير ، تنتظر عودة زوجها بفارغ الصبر ، فيما واصلت أسرته رحلة البحث عنه ، والمعلومات لديها تفيد بانه فقد بعد سيطرة المسلحين على قاعدة سبايكر في محافظ صلاح الدين ، الأب والأشقاء الثلاثة، كل واحد منهم تحرك باتجاه معين للوصول إلى معرفة مصير المفقود .
تبدأ رحلة البحث بمراجعة عدة جهات رسمية ، منها دوائر الطب العدلي، والمستشفى العسكري ومطار المثنى مقر عمل ست لجان شكلت لتدوين المعلومات عن المفقودين ، وبعد ذلك إخبارهم بمصير أبنائهم ، عشرات الأسر تجمعت أمام احدى بوابات المطار ، وكلها تشترك برحلة البحث ، ومنهم أبو علي ، فقرر الذهاب إلى تكريت لإطفاء بركان نيران قلبه كما يقول لكن محاولته في الوصول فشلت ،فالطريق إلى تكريت محفوف بالمخاطر فدخل في دوامة الانتظار ، وعندما سمع بان القوات العسكرية وبمساندة العشائر والمتطوعين قتلوا الإرهابيين الذين قطعوا الطريق،استبشر خيرا ، وتجدد الأمل في نفسه لكنه سرعان ما تبدد تحت ضغط تضارب الأنباء والمعلومات ،فاستسلم لأرق ثقيل، ينتابه شعور كبير بالعجز عن الإجابة على أسئلة زوجة علي حول سبب انقطاع اتصالاته الهاتفية.
اضطراب الأوضاع الأمنية خلفت أعدادا من المفقودين مدنيين وعسكريين فجددت معاناة الآباء وأعادت ذاكرتهم إلى سنوات الحروب ، في ذلك الوقت كان أبو علي كغيره من ملايين العراقيين ملتحقا بالخدمة العسكرية ، اجبر أباه أيضا على خوض تجربة البحث عن المفقود،فترسخت في ذهنه القناعة بان الزمن العراقي لم يشهد سنوات استقرار تمنح الأجيال فرصة العيش بسلام في وطن آمن.
الصراع على السلطة كلف العراقيين دفع ضريبة باهظة الثمن لحماقات بعض الساسة ونزعات حكام رسخوا وجودهم بشن حملات اعتقال وملاحقة ثم التصفية الجسدية لمعارضيهم ، والتوجه بعد ذلك لشن حروب خاسرة خلفت تركة ثقيلة فشلت في معالجتها الحكومات المتعاقبة بعد الغزو الأميركي ، من نتائجها تنامي نشاط الجماعات الإرهابية وعملية سياسية مصابة بالشلل بحاجة إلى معينات من اطراف خارجية، تعينها على السير بشكل طبيعي ، بهدف تحقيق استقرار امني نسبي، في اقل تقدير يلغي من الذاكرة استرجاع تفاصيل رحلة البحث عن الجندي المفقود .
في سنوات الحروب السابقة افتتحت وزارة الدفاع مقرا يقع بالقرب من مدينة الصويرة خصص لاستقبال جثامين القتلى من مجهولي الهوية ، توضع في ثلاجات خاصة تفتح للمراجعين الباحثين عن المفقودين ، وعندما شهدت البلاد مظاهر الاحتقان الطائفي والقتل على الهوية ، وعلى غرار ذلك الموقع تحولت دوائر الطب العدلي إلى شواخص في رحلة البحث عن الجندي المفقود.
الخيار الوحيد لإيقاف الرحلة يتطلب حلا سياسيا ، ثم بلورة موقف وطني موحد لمواجهة المجاميع الإرهابية ، وحصر السلاح بيد الدولة ، ومراجعة المرحلة السابقة وتشخيص الأخطاء بكل شجاعة ، وبخلاف ذلك سيقف الآباء في طوابير طويلة أمام مقار الجهات المعنية للبحث عن الأبناء المفقودين، ياجماعة الخير خطورة داعش ماهزت الشوارب؟