معركة مؤجلة بين "داعش" و"السنة" |
لم تكن الانباء عن اشتباكات وقعت في 21 من الشهر الجاري بين تنظيم "داعش" ومقاتلين من تنظيم "الطريقة النقشبندية" الذي يقوده عزة الدوري، مفاجئة، بل ان المعركة داخل الفصائل المسلحة التي تقاتل اليوم في المدن والبلدات السنية ضد الجيش العراقي، متوقعة في اليوم الاول الذي تستقر فيه الامور نسبياً، بتكريس نفوذ المسلحين على المساحة السنية في العراق. وعلى رغم ان الانباء اشارت الى ان المعارك الاخيرة التي جرت في احياء الرياض والرشاد والحويجة، وجميعها تابعة الى محافظة كركوك، كان سببها رفض تلك المناطق مبايعة "الدولة الاسلامية في العراق والشام" ، فأن مصادر عليمة ابلغت "المونيتور" ان سبب النزاع يكمن في سعي "تنظيم داعش" الى قتل مجموعة زعماء قبليين لهم امتدادات عميقة في المنطقة، ابرزهم "ال العاصي" الذين يتزعمون قبيلة العبيد في الحويجة. هذه الحادثة تسلط الضوء، على ان التحالف المرحلي بين "داعش" والفصائل المسلحة السنية اعادت احياء دورها، بالتزامن مع معارك الفلوجة بداية العام الحالي، هش وقابل للانفجار في اية لحظة. يمكن تلمس هدف مركزي مشترك واحد يجمع "داعش" مع الفصائل المسلحة السنية، والعشائر، ورجال دين، والسياسيين، يقوم على انهاء سيطرة الحكومة العراقية في بغداد على كل المدن والبلدات السنية، تحت ضغط شكاوى ومظالم كانت حملتها التظاهرات السنية ضد ممارسات الحكومة العراقية لاكثر من عام. لكن مابعد تحقيق هذا الهدف، وهو يتحقق عملياً وبشكل تدريجي ابتداء من الفلوجة، الى الموصل، وتكريت ومناطق في ديالى وكركوك، تكمن تفاصيل شديدة التعقيد حول المستقبل. يعترف قائد بارز في "المجلس العسكري" الذي يضم مقاتلي مجموعات سنية مسلحة وعشائر، وكان تشكل في ابريل 2013 ، بعد احداث مجزرة "الحويجة" بان الخلافات بين المقاتلين السنة وداعش، مؤهلة للانفجار بسبب اختلافات في عقيدة الطرفين. لكن الخلافات في جوهرها تتعلق في اهداف التحرك العسكري الاخير، وليس بسبب العقائد. فحسب المطلعين أن الاجماع السني على احداث تغيير بقوة السلاح، تقف خلفة مقاصد مختلفة: - "داعش" : يسعى الى اقامة دولة تمتد من العراق الى الشام، وهو لن يسمح باي حل سياسي يضمن حدود العراق الحالية، كما انه لن يسمح باستيلاء الاطراف المسلحة والسياسية على المناطق السنية من العراق، وسيكون مستعداً لخوض حرب طاحنة للدفاع عن مصالحه، لاتختلف عن تلك الحرب التي يخوضها اليوم مع فصائل سنية سورية مثل "جبهة النصرة" و"الجيش السوري الحر". - فصائل سلفية مثل (جيش المجاهدين، وانصار السنة) : قد تتماهى مع "داعش" في اهدافه لكنها اقرب الى تبني حل سني داخل العراق لايشمل التوسع الى الاراضي السورية، وقد تؤيد حلاً يضمن انشاء دولة سنية مستقلة. - فصائل اخوانية مثل (حماس العراق) : تربط بعلاقات وثيقة مع الحزب الاسلامي، وهي تتبنى تشكيل اقليم سني على غرار اقليم كردستان مرتبط بالحكومة المركزية في بغداد، لكنه مستقل عنها من حيث الجيش وادارة الاقتصاد والقوانين. - فصائل مختلطة تجمع سلفيين وقوميين وضباطاً في الجيش السابق مثل (الجيش الاسلامي، وكتائب ثورة العشرين، ومقاتلو العشائر) : ترفض تقسيم العراق، كما انها ترفض تشكيل اقليم سني، وتطالب في المقابل بتغيير سياسي في العراق يضمن خصوصية للمناطق السنية. - فصائل بعثية او مرتبطة بحزب البعث مثل (جيش الطريقة النقشبندية) : تسعى الى استعادة حكم البعث للعراق، وهي تعتقد ان الحكم الحالي ايراني، وان لاحل من دون اسقاطه واعادة تأسيس تجربة جديدة. ان هذه الخريطة المعقدة من الاهداف، لايمكن ان تجتمع على التسوية النهائية، لكنها يمكن ان تتوحد كما نرى اليوم على فكرة "التمرد المسلح" الذي يحدث بالفعل على الارض. وتباين الاهداف يشير الى تعقيدات تخص اي تسوية يمكن ان يتم تبنيها سياسياً واقليمياً ودولياً حول اليات المقترحة للتعامل مع المناطق السنية، سواء بان تتحول الى اقليم ، او دولة بعلاقة كونفيدرالية مع بغداد، او ان تتحول كل محافظة الى اقليم، او ان يتم توسيع تجربة االامركزية بمنح صلاحيات كبيرة للمحافظات من دون اعلانها اقليميا، او ابقاء الوضع كما هو الان مع احداث اصلاحات سياسية وقانونية ودستورية في بغداد تعالج مطالب السكان السنةً. السؤال الذي سيطرح خلال الاسابيع المقبلة في العراق، خصوصاً على لسان الاطراف الاقليمية والدولية المعنية بالازمة العراقية الحالية مفاده : مع من سنبرم الصفقة؟. بالطبع ستتبلور افكار تسوية بمشاركة يتصدرها السياسيون السنة التقليديون خصوصاً اولئك الذين حجزوا لهم مقاعد في البرلمان، باعتبارهم ممثلين شرعيين لمدنهم. لكن الازمة في حيثياتها سبقت مرحلة السياسيين السنة بكثير، وهؤلاء يجدون انفسهم ابعد من اي وقت سابق عن قيادة الوضع السني، الذي من المتوقع ان تبرز فيه قيادات جديدة هي انعكاس لخريطة الفصائل المسلحة على الارض، وهذه القيادات ستخوض صراعاً لتمثيل السنة في اي مباحثات متوقعة، مثلما ستخوص صراعاً قد يمتد على شكل مواجهات على الارض حول شكل الحل المتوقع واي الاطراف ستكون المستفيد الاكبر منه. هناك سؤال جوهري يمكن طرحه اليوم مفاده : هل سيبرز الصراع بين الفصائل السنية المختلفة وتنظيم "داعش" قبل نضوج رؤية اقليمية ودولية وسياسية داخلية، حول شكل الحل؟. الواقع ان الجواب يعتمد على التفاهمات السنية – السنية التي سبقت التحرك العسكري، فهل كان هناك توافق على طريقة ادارة المرحلة المقبلة، ام ان قرار التمرد كان الهدف النهائي؟. اقرب تصور متوقع، ان القوى السياسية والعشائرية والدينية السنية التي ترتبط بها فصائل مسلحة، يمكن ان تكون قد اتفقت مبكراً على مرحلة ادارة الحوار بعد التمرد، ويمكن ان تتوصل الى اتفاق مشترك حول صيغة الحل النهائي، لكن من المستبعد ان يكون مثل هذا الاتفاق قد ابرم مع "داعش"، ومستبعد اكثر ان يتوصل "داعش" وهو يمثل القوة العسكرية الاكثر حضوراً على الارض مع السنة الاخرين الى توافق مستقبلي. |