تختلف "داعش" عن باقي التنظيمات الارهابية العاملة باسم الاسلام بأسماء شتى، بعدة أمور أولها سلوكها الدموي بما يفوق مثيلاتها بأضعاف المرات، والاهم من ذلك ان نهجها يقوم على محاربة "العدو الداخلي" كما يسمونه وليس "الغرب الكافر" الذي تعلن حركة طالبان والقاعدة وغيرهما الحرب عليه. العدو الداخلي هنا يبدأ من داخل أوساط هذه المجموعات ليتوسع تدريجيا الى الدائرة الاسلامية، الى أبناء السنة، حيث يعتبر مرتدا كل من لا يبايع أمير "داعش" على الطاعة، ويكون مصيره القتل، ثم الى المذاهب الاخرى التي يعتبرون أتباعها كفارا، وصولا الى أتباع الاديان الاخرى في البلدان الاسلامية. بناءً على هذا كانت حرب "داعش" الاوسع في سوريا – ولا تزال – هي ضد المجموعات الارهابية الاخرى، وفي الموصل بدأت بقتل إثني عشر إمام جامع سني رفضوا مبايعة أمير هذا التنظيم، ومن ثم قتل المئات من السجناء المنتمين الى مذاهب أخرى، وصولا الى الاشتباك مع تنظيمات حزب البعث المتجمعة والتي تعرف بـ"النقشبندية " و"كتائب ثورة العشرين" و"الجيش الاسلامي" وغيرها. ربما يرحب ضباط النظام الدكتاتوري السابق في هذه التنظيمات بدموية "داعش" ضد الشيعة الذين ينظرون اليهم كغاصبين لحكم الحزب الذي لبس رداء الطائفية وحمّل مكوناً عراقيا وزر سياساته الدموية، إلا ان توسيع "داعش" لدائرة القتل والتنكيل لتطال أهالي الموصل السنّة، وفرض قيود اجتماعية ودينية وثقافية لدرجة تحويل الموصل الى تورابورا ثانية، لا بد وان يصطدم بالتنظيمات البعثية، حتى تلك المتأسلمة، تقيةً او مصلحةً. وقد يتصاعد الصدام أكثر إذا ما توسعت "داعش" في تعديها على شرف الاهالي سواء بالاعتداءات أو بإشاعة "جهاد النكاح" الذي لا يمكن لأي عاقل ذي شرف أن يقرّ به أو يقبله، اللهم إلا أولئك المهووسون جنسيا. البعض من أهالي الموصل، ممن تعرضوا لغسيل دماغ على مدى سنوات وجرى شحنهم ضد الحكومة وقواتها وصوروها لهم بأنها العدو الاساسي تحت مسمّيات طائفية، سرعان ما سيستفيقون من نشوتهم ليكتشفوا انهم انتقلوا الى سجن أفغاني كبير، خصوصا إذا ما تحولت المدينة الى ساحة قتال بين المجموعات الارهابية، وبات كل شيء في المدينة في مهب الريح. سيتضح أن شعارات الاقصاء والتهميش لم تكن سوى غطاء لاغراق الموصل والانبار وصلاح الدين وكركوك، وبعدها باقي الوطن، في دوامة التدمير والخراب. شعارات يتم اكتشاف خوائها وبطلانها بمجرد نظرة منصفة لخارطة المشاركة الوطنية في الادارة والحكم. في دراسة أجراها باحث لبناني هو الاستاذ الجامعي أمين حطيط، حول التركيبة السكانية العراقية ومقارنتها بخريطة توزيع الحكم، يستنتج الباحث أن نسبة العرب السنة في العراق لا تتعدى الـ19 بالمئة، في حين ان نسبة مشاركتهم في المناصب تبلغ 26 بالمئة، فيما يشاركون بنسبة الثلث في الرئاسات الثلاث. أما إذا أخذنا بالاعتبار كل السنة (عربا وكردا) فستكون مشاركتهم أكثر من النصف. هذه شهادة باحث غير عراقي اعتمد لغة الارقام والاحصاء والمسح على الارض ليصل اليها. أما منطق الصراخ والضجيج فيستخدمه من أطلق هذه الكذبة وأخذ يسوّقها بالبكاء والعويل في المحافل الاقليمية والدولية، لتصبح لازمة في كل تصريح أو موقف عربي أو غربي بشأن العر اق، في ظاهرة لا تبدو منطلقة من جهل بحقيقة الاوضاع، بل هي في أغلب الاحيان تبدو غطاء تجري في ظله تهيئة ظروف تقسيم العراق الى دويلات طائفية وإثنية وفق "سيايكس- بيكو" جديدة، أو شرق أوسط جديد مكون من دويلات صغيرة متناحرة فيما بينها، ومتفجرة من داخلها بخلافات وصراعات نفوذ، وهو ما قال عنه باحث إسرائيلي في شريط فيديو موجود على الـيوتيوب إنه "أفضل حلّ لضمان أمن إسرائيل". ومن هو أفضل من "داعش" وأساليبها، لتحقيق هذا الهدف؟
|