المتتبع للأحداث الدموية التي حصلت في العراق مؤخرا والتي فاقت في رعونتها وشراستها كل توقعات المحللين السياسيين والمراقبين والإعلاميين، يتحسس الخطوات السريعة التي يتجه بها العراق نحو مأساة جديدة لم نكن نتوقع حدوثها بهذه السرعة أو القوة. فالثغرة الكبيرة التي مكنت التنظيمات الإرهابية العراقية والعربية والإسلامية ومن معها من المرتزقة والتي قدمتها السلطة الحالية في العراق لهم على طبق من ذهب بسبب من ضعف قيادتها للعراق وإعتمادها مبدأ المحاصصة الطائفية مما عمق الهوة بين مكونات الشعب العراقي ، وإنعدام قدرة السلطة على تأمين المستلزمات الضرورية والحياتية من الكهرباء والماء وبقية الضروريات بأدنى مستوياتها للمواطنين ، ودفع العديد من المحافظات العراقية إلى التفكير بإعلان إفلاسها بسبب من عدم إعتماد الميزانية ، وتعميق حدة الخلافات مع حكومة إقليم كردستان حول النفط والمال والرواتب وغيرها ، وعدم محاربتها الفساد الإداري والمالي الذي حول خزينة الدولة العراقية إلى هدف للسرقة والإختلاس دون رقيب أو محاسب ، وتركز السلطات الأمنية والعسكرية والإستخباراتية بشخصية واحدة لاتملك الخبرات المطلوبة في تلك المجالات وغيرها من الأخطاء والهفوات الكثير والكثير.
كان المتوقع أن تكون ردود الفعل العسكرية والأمنية أكثر فعالية وبمستوى الأحداث التي شهدتها محافظات الموصل وصلاح الدين وديالى وباقي المدن العراقية التي دنستها مخلوقات قذرة في تفكيرها وأفعالها وحتى منظرها. فالوضع الطبيعي لدولة مثل العراق تملك جيشاً كبيرا تم تدريبه على مختلف صنوف القتال ومحاربة الإرهاب لسنوات طويلة من قبل قوات الإحتلال الأمريكي ، ان تتمكن من تنظيف طرقات مدينة الموصل وأزقتها من زمر الإرهابيين عن طريق شرطة المدينة وعمال تنظيف بلدية الموصل فقط دون أنتظار تدخل الجيش العراقي في الأمر! هاهي الأيام تمر ولازالت الموصل تشكو من سيطرة تلك المخلوقات القذرة عليها ، تفرض الجزية على مسيحييها الأصلاء لكي لايتم قتلهم أو الإستيلاء على ممتلكاتهم ، ولنا في بعض المدن التي يسكنها مسيحيون عراقيون يقدرعددهم بالآلاف مثالاً حيث تتعرض هذه المدن والقرى حالياً لوضع صعب وخطر وأن سكانها يعيشون رعباً ليست لهم سابقة معه وهم قلقون على أرواحهم وممتلكاتهم ونسائهم وكنائسهم حيث يحاصرها الرعاع منذ أيام. وينطبق ذلك أيضا على أتباع ديانات ومذاهب بما في ذلك المسلمين حيث يتم قتلهم بدم بارد دون رقيب أو رادع لاذنب لهم سوى أنهم ليسوا من أتباع داعش.
أما حوادث الإختطاف والإغتصاب التي تعرضت لها الفتيات غير المتزوجات تنفيذا لتعليمات الداعشيين للمشاركة بـ جهاد النكاح دون أن تتم حمايتهن من قبل السلطات ، فتعتبر من الفضائح التي لايمكن السكوت عنها في زمن تتسابق فيه دول العالم المتحضر وبقية الأديان السماوية وغيرهاعلى توفير مكانة للمرأة قد تفوق مكانة الرجل في بعض الدول. إن هذه التصرفات الهمجية والمتخلفة تعود بالعراق إلى العصور الحجرية أو عهود ماقبل الحضارات التي ولدت على أرضه.
أن مجرد التفكير بسيطرة مجموعة قذرة من المسلحين المرتزقة على ثاني أكبر مدينة عراقية بعد العاصمة بأسلحة بدائية وعدم قدرة الدولة العراقية على إستعادتها وبالتالي إستعادة هيبتها ، أمر أكثر من مخيف خاصة وأن المحافظة هي الأقرب إلى تركيا وإيران المجاورتين.
ان تدهور الحالة الأمنية وإستمرار سيطرة الإرهابيين على مقدرات مدينة الموصل مقابل ضعف القدرة العسكرية والأمنية والإستخباراتية العراقية قد دفع الدول العظمى للتفكير بإحتمال التدخل العسكري في العراق مما يعني أن إحتمال تواجد قوات عسكرية أجنبية على الأرض العراقية وارد خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أو إيران أو كليهما معاً حسب تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة الذي أكد عدم ضرورة الحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي للتدخل مما يعني أن الأمين العام للأمم المتحدة قد منح الدولتين معاً حرية التصرف وإتخاذ القرار المناسب بشأن التدخل. الغريب في هذا الموقف التغير الواضح في نظرة الأمم المتحدة لدولة إيران. ففي الوقت الذي كانت فيه المنظمة الدولية والدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا تفرض حصارا على إيران وتطالبها بإيقاف أبحاثها النووية وتساند نظام صدام حسين في حربه معها نراها اليوم تقف مع إيران وتعيد علاقاتها الدبلوماسية معها وتمنحها تفويضا للتدخل عسكريا في العراق وكأنها لم تتدخل لحد الآن! ان التدخل العسكري في العراق أيا كان شكله ومن أية دولة كانت يجب أن يقابل بالرفض من قبل الحكومة العراقية كونه يمثل إحتلالاً عسكريا في وقت لازال العراق يئن من تركات الإحتلال الأول لقوات الإحتلال بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. مقابل ذلك ، بإمكان العراق أن يطلب مساعدات عسكرية على شكل معدات وأسلحة وأجهزة مراقبة وطائرات ودورات تدريبية إستخباراتية وأخرى في كيفية محاربة ومقارعة الإرهاب. وبسبب من هذه الأوضاع الشاذة ، تعرض سكان المدن العراقية إلى عمليات تهجير أو اضطروا للهجرة من مدنهم مشياً على الأقدام تاركين بيوتهم وأعمالهم وممتلكاتهم قاصدين أماكن أكثر أمنا حفاظا على حياتهم وحياة عوائلهم الأمر الذي كان له كبير الأثر على الأوضاع المعيشية والإقتصادية والحياة العامة حيث توقف العمل في المؤسسسات الرسمية والشركات والأعمال الحرة في المدن التي تعرضت للإرهاب كما تأثرت الحياة العامة في المدن التي أستقبلت المهاجرين كونها ليست مهيأة لإستقبال هذا الكم الكبير منهم. وقدرت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عدد المهاجرين بأكثر من مليون مهاجر بين الموصل والأنبار وديالى وهو أمر مخيف في بلد لم يشهد إستقراراً منذ ستينيات القرن الماضي على أقل تقدير. وأخيرا ، مع بقاء الأزمة قائمة في الموصل وبعض المدن الأخرى وفي ظل التخبط الحكومي في كيفية معالجة هذا الإحتلال المبرمج من قبل مرتزقة إرهابيين ، ومع إحتمالية التدخل العسكري الأمريكي أو الإيراني ، والضغوط الأمنية والإقتصادية والسياسية التي رافقت أفواج الهجرة الداخلية بين المدن العراقية ، فإن الدعوة للتطوع من أجل محاربة الإرهاب يجب أن ترافقها ضوابط تضمن حصر السلاح بيد الدولة وتدريب التطوعين ممن تتوفر بهم شروط الكفاءة والمقدرة على أداء الخدمة العسكرية بصورة صحيحة وعدم تطبيق مبادئ المحاصصة الطائفية والعنصرية عند أختيار المتطوعين حيث أن جميع مكونات الشعب العراقي مهددة من قبل الإرهابيين. أن منظر رجال الدين والشيوخ والنساء المحجبات وكبار السن وهم يحملون رشاشات أوتوماتيكية يدعو للفخر والإعتزاز وهو مؤشر على قوة التلاحم بين فئات الشعب وإن كانت من لون واحد إلا أن إشراكهم فعليا في حروب الشوارع ومعارك المدن دون أن يكونوا فعلا مؤهلين لذلك يعني انتحارهم. ويذكرنا ذلك بآلاف المتطوعين الإيرانيين الذين كانوا يهجمون على قطعات الجيش العراقي حاملين العصي (تواثي) وسكاكين مطبخ ويعلقون على صدورهم مفاتيح الجنة حيث قوبلوا بصوارخ أرض أرض فقضى منهم الآلاف. !
|