تغيير النظام ؟

هذه العبارة الدامية , تكررت في تأريخنا السياسي بعد تأسيس دولة العراق , ومنذ حركة رشيد عالي الكيلاني وحتى اليوم , إكتسبت تراكمات إنفعالية وسلوكيات عاطفية إنعكاسية , أدّت إلى الفتك بعشرات الآلاف من أبناء البلاد , أحزابا وأفرادا , وقد وصلت إلى ذروتها المتواصلة في العقود الأربعة الأخيرة , ولا تزال ضارية الخطوات والإستجابات.
ووفقا لذلك تأصّلت في وعينا الفردي والجمعي , حالات ذات طاقات نفسية تدميرية عالية تغرقنا بالويلات , دون مسوغات وطنية وإنسانية وسياسية وقانونية ذات قيمة مقبولة.
وهذا الإدراك السلبي الإنفعالي , أوجد صياغات تعسفية وممارسات قاهرة لأبسط معاني الحرية والحقوق الإنسانية. وأصاب آليات التفكير بآفات إنقراضية وأمراض حضارية حادة ومزمنة وقاتلة, أسهمت في تأسيس معالم التفاعلات الباثولوجية المعوّقة لوظائف وفعاليات أجهزة الدولة المتوالية بكاملها.
حتى نسينا جميعا بأن النظام السياسي مولود من رحم المجتمع , ويسعى لتحقيق مصالحه الإنسانية والوطنية , والحفاظ على حقوقه وتطلعاته النبيلة السامية.
وفي زمن الحرية والديمقراطية الناشئة , لابد من التفاعل بأساليب جديدة ذات معايير معاصرة ونافعة للناس في البلاد , لأن تغيير نظام الحياة حق مشروع لأبناء الشعب كافة , وفقا للمواد الدستورية في الدول الديمقراطية.
فإذا قامت مظاهرة مُعارضة أو مُطالبة , لابد لنظام الحكم أن لا ينفعل ويضطرب , ويطلق العنان لأقلامه المتأججة عاطفيا لأخذه إلى متواليات غير حميدة. بل عليه أن يسأل نفسه بواقعية ومصداقية ونكران ذات ومسؤولية , بعيدا عن الإنفعال وآليات الإسقاط وأخواتها الدفاعية الأولية , كالنكران والتبرير وغيرها.
فيبحث في الأسباب ويراجع نفسه , ويقيّم مسيرته , وما قدمه وما لم يقدمه , وكيفيات تفاعله وآليات تواصله مع المجتمع , ويتحدث مع المتظاهرين , ويستمع إليهم بجدية وصدق وإرادة إيجابية , لصياغة الخيارات اللازمة , لإجابة ذات قيمة نافعة وصحيحة وراجحة للتقدم بالحياة إلى أمام.
وبين حين وآخر تحصل مظاهرات في الدول المتقدمة , لكن الحكومات تتعامل معها بديمقراطية عالية ومسؤولية فائقة , وتتخذ ما تراه ملائما لها, أيا كان نوعها أو توجهها.
فعندما تحصل المظاهرات لا تنفعل الحكومات , بل تتعلم منها , فتجتمع وتتباحث وتراجع نفسها وتقيّم أساليب إدارتها للحكم , وترسل ممثليها للإستماع للمتظاهرين بحيوية , لإدراك ما يريدونه , ونقله للحكومة بإخلاص ورؤية حضارية تصويبية , تؤدي إلى تغيرات إيجابية تستوعب مطالبهم , مما يدفع إلى قرارات وقوانين تحقق المنافذ المناسبة لتطلعاتهم , وبهذا تمتلك الدول آلية فعالة في التعامل مع المظاهرات القادمة , أو أنها ربما تعمل ما بوسعها لتفادي تراكم مسببات التظاهر والإضطراب.
وفي عالم الفوران المعلوماتي والتفاعلات المحكومة بقوانين ونظريات علمية وسلوكية , يتوجب على المجتمعات , التي تريد أن تعاصر, إمتلاك مهارات وتقنيات حل الصراعات وفقا للمفاهيم العلمية.
فعلينا أن نتعلم هذه المهارات المتطورة المتقدمة , التي نجهلها وعندنا الطاقات والقدرات والعقول , التي تستطيع أن تستوعبها وتضع الصياغات والآليات اللازمة لتطبيقها وتعليمها , وإعتبارها ركنا أساسيا من ثقافتنا وسلوكنا.
إن جهلنا الواضح , وعلى مرّ العقود , لديناميكيات الصراع والتحدي , ومفردات الحلول ومنافذ الخروج السليم النافع العليم, يجعلنا نميل إلى أجهل الإستجابات المؤطرة بالتوجهات الكارثية , فالسلوك ربما يجنح نحو الطرح المنفعل وإغفال الرأي الحليم , ولهذا بقي المجتمع يدور في دولاب التداعيات المؤسفة.
فهل سنتمكن من إستحضار الرأي العازم الذكي الرشيد , ونتجنب الرأي البليد الشديد؟!
وهل سيعي المجتمع مصالحه؟!