الأوضاع العراقية الحالية اليوم بأمس الحاجة الى معالجة توتراتها وازماتها وحتى انحطاطها بأساليب جديدة، ومسيرة البرلمان السابق على مدى اربع سنوات كانت مريرة فتعطل الأداء التشريعي والتنفيذي ، واصبح المجلس اداة بيد السلطة التنفيذية ، ونتيجة غياب التوافق بين رؤساء الكتل النيابية وخاصة الكبيرة منها ، تعطلت التشريعات والقوانين المتعلقة بتنظيم الحياة السياسية رحلت الى البرلمان الجديد ، لتكون واحدة من ابرز التحديات امام الاعضاء الجدد . تناسل الازمات في العراق جعلت شعبه يدخل في نفق مظلم ، لان العقل السياسي لم ينضج بعد ولم تنفعه الحلول الترقيعية مادام الاستحواذ على السلطة هو الثابت الوحيد في ظل اوضاع غير مستقرة متعددة المسارات والتوجهات ، في حين تشهد المنطقة احداثا دراماتيكية لا يعرف احد تداعياتها ونتائجها الكارثية . انعقاد الجلسة الاولى لمجلس النواب الجديد، يتزامن مع شن عملية عسكرية واسعة لملاحقة الجماعات الارهابية واستعادة العديد من المدن التي أصبحت تحت سيطرة تلك الجماعات ، والحملة العسكرية تتطلبا موقفا سياسيا موحدا ، يبلوره النواب الجدد انطلاقا من إيمانهم بالمصلحة الوطنية، بتشخيص أسباب التدهور الأمني ثم محاسبة المسؤولين الامنيين ، وكشف خيوط المؤامرة ، ومن يقف وراء تنفيذها ، بالاسماء الصريحة ، فليس من المعقول بعد صرف مئات المليارات من الدولار على المؤسسة العسكرية ، تكون النتيجة هزيمة ونكسة ونكبة ثانية تضاف الى التاريخ العربي بعد نكسة الخامس من حزيران في العام 1967. يا نواب شعبنا ، سواء من وصل منكم الى البرلمان عن طريق اصوات زعيم قائمته او باستحقاقه الجماهيري ، امامكم مسؤولية تاريخية واخلاقية بتشخيص الداء ، واخيار الدواء ، وشعبكم اعتاد منذ الغزو الاميركي للعراق " تجرع السم" من اجل إقامة نظام ديمقراطي، والقضاء على اي مظهر يسعى لاستعادة الديكتاتورية وفرض سلطة الاستبداد لصالح الحزب الواحد . من مظاهر الورطة العراقية ان مجلس النواب كان ميدان تبادل اتهامات بين الكتل النيابية على الرغم من مشاركتها في الحكومة ، الا باستثناءات قليلة ، فرهن إرادته بيد الزعماء السياسيين وحسابات الصفقات ، وعجز حتى عن محاسبة مفسدين هربوا اموال العراق الى الخارج . المشاركة في الحكومة ليست الطريق الوحيد لخدمة الشعب ، ولكن تشكيل جبهة معارضة عريضة هي السبيل الوحيد لتقويم الاداء الحكومي ، ويبدو ان هذه الصفحة من النظام الديمقراطي لم يطلع عليها الكثيرون ، لاعتقادهم بتحقيق المصالح والمكاسب الشخصية والحزبية تأتي عن طريق الحصول على حقيبة وزارية ، تلبي الطموحات في زيادة الأرصدة بالبنوك الخارجية . الأزمة العراقية ستبقى قائمة في حال فضلت الكتل النيابية المشاركة في الحكومة ، ولاسيما ان الأحداث الأخيرة فرضت استحقاقات جديدة ، فرئيس الكتلة الذي ارتدى البدلة العسكرية المرقطة وحشد قاعدته الجماهيرية للقتال مع الجيش لملاحقة الجماعات المسلحة ، سيطالب بلا شك بوزارة سيادية ، او بمنصب رفيع ، وبدعم وتصويت نواب شعبنا.
|