دولة العراق هي فعلاً على مفترق طرق حاسم

إنَ الوقائع على الأرض تدلَ على أنَ دولة العراق المتشكلة في العام 1921 قد تشتت في العام 2014 فعلاَ، وإنَ الفرصة الأخيرة لإعادة تنظيم العراق كدولة واحدة في هذا العام ربما تكون في إتفاق ممثلي أهاليه المُنتخبين على إختيار أنسب شخصية سياسية ضمن الكتلة البرلمانية الكبرى لتولي مسؤلية رئاسة الحكومة القادمة في بغداد، في الوقت الضائع أي في الفترة الزمنية المتبقية المُحتملة. وسيمثل ذلك برأيي الفرصة الأخيرة لأنقاذ أهالي العراق من مآسي القتل و الدمار ومن التقسيم الحتمي في ظل التصعيد المتبادل والأقتتال الهمجي و التطهيرين الطائفي التعصبي والعرقي العنصري، في خضم الهجمات الأرهابية لعصابات "داعش" وأخواتها من جهة وعبر النشاطات العنصرية لعصابات "عأح" ومثيلاتها من جهة أخرى، لحسم المسائل والخيارات فيما بعد سلمياً وحضارياً.
إنَ إختيار الشخص الأنسب لمسؤولية رئاسة (ربما آخر حكومة عراقية شاملة) هي في الواقع الفرصة الأخيرة من أجل إعادة تنظيم دولة العراق المفككة طبقاً للأحتمال الأوحد لهذا الغرض: على أسس الديمقراطية في أربع أقاليم فيدرالية (من ضمنها إقليم العاصمة: بغداد)، بالسعي الحثيث في ضوء الدستور الأتحادي الدائم وفي إطار تفاهم وتوافق وتضامن ممثلي كل مكونات العراق الكبيرة والصغيرة. أما إذا أصَر السيد نوري المالكي ومسانديه (في الداخل والخارج) على الأستمرار في الحكم باسلوبه غير الموفق و سياسته غير الناجحة، التي وسعَت فجوة الخلاف وأجَجت نار الصراع، فسيكون ذلك بدون شك بمثابة طلقة الرحمة على كيان العراق كدولة واحدة، وسيتجسَد التقسيم الذي نشاهده حالياً على أرض الواقع شئنا أم أبينا، حتى وإن زوَدت روسيا و أمريكا وايران الحكومة العراقية بأسلحة حديثة، حتي وإن تجوَل وزير خارجية أمريكا باستمرار في المنطقة، فسيركض السيد جون كيري في حالة محاولة حل الصراع (السنَي-الشيعي) المزمن المتجدد في العراق فقط عسكرياَ وراء السراب. لذلك يستوجب على حكومتي أمريكا و ايران أن تكونا واقعيتين، إذا أرادتا تجنب كارثة كبرى وتحويل أراضي دولة العراق الراهنة الى ميدان القتال السني-الشيعي العالمي: فأما حكومة شراكة حقيقية بين ممثلي المكونات الأساسية و الصغيرة في بغداد تحقق التهدئة والتصالح والتوافق وتضمن حقوق ومصالح وتعايش كل المكونات بصورة آمنة وفعلية، أو سيترسخ التقسيم القائم في ظل دورة العنف القاتلة والتطهير العرقي الظالم وبفضل المساندة الأجنبية المفتوحة والمستمرة لطرفي الصراع، والتي ستكون كصب الزيت على النار. وستصبح الكيانات الموجودة على الأرض الملتهبة أمرا واقعاً. لأن لكل من الطرفين العربيين العراقيين المتخاصمين المُتحاربين (بغض النظر عن الأرهابيين وبقايا البعثيين وأتباع حكام الدول المجاورة، الذين إستغلوا الوضع المتأزم باستمرار لصالح أجنداتهم الخاصة بهم وبأسيادهم) ثقافته و تقاليده ومراجعه الدينية المذهبية الخاصة به وعمقه الجغرافي الخاص به في المنطقة ومسانديه الخاص – مادياً ومعنوياً - خارج حدود العراق، وللشعب الكوردي أيضاَ ثقافته ولغته وتقاليده وعاداته وتاريخه وموطنه الخاص به، وله أديانه ومذاهبه ومراجعه السياسية والدينية الخاصة به، وله عمقه الجغرافي والبشري الخاص به في المنطقة، والأهم من كل ماتم ذكرها فللشعب الكوردي حقه المهضوم في تقرير مصيره بنفسه كسائر شعوب الأرض أي حق تأسيس دولته المُستقلة على تراب أرض آبائه وأجداده التي يسكنها منذ آلاف السنين، هذا الحق المشروع المُغتصب منه من قبل حُكام القوميات الجارة له، وكأن ذلك الحق حلال للعرب والتُرك والفُرس وكل شعوب العالم الأخرى، ولكنه حرام للكورد في نظر القوميين المتعصبين لهذه القوميات وفي نظر حكام أمريكا وروسيا!
على كل حال فلقد تمخَض عن الصراع المزمن حالياً: كيان عربي سُنَي (في إطار المناطق ذات الأغلبية السكانية العربية السنية)، كيان عربي شيعي (في إطار المناطق ذات الأغلبية السكانية العربية الشيعية) و كيان كوردستاني على وشك الأستقلال الكامل (في المناطق ذات الأغلبية السكانية الكوردية ضمن أراضي كوردستان الجنوبية). أما نواحي التماس ذات أغلبية سكانية تركمانية أو كلدانيةوآشوريةوسريانية فسيكون ساكنوها أحراراً للأنضمام الى الكيان الأقرب أو بالأحرى الأنسب لها.
إنَ دولة العراق هي فعلاً على مفترق الطرق، وهناك طريقان لا ثالث لهما: فأما دولة مشتركة واحدة (ديمقراطية فيدرالية حقيقية ومستقلة فعلياً عن الدول المجاورة وغيرها) أو ثلاث دول مستقلة عن بعضها على الأقل (فعلياَ ورسمياً).
فاذا إقتنعت الأطراف الثلاثة بالطريق الثاني، يُمكن أن تكون أحوال وعلاقات ومستقبل الناس في هذه الدول الجديدة، التي ستجعل عدد الدول في الأمم المتحدة 195 دولة، أفضل بكثير من الأحوال المُزرية والعلاقات السيئة والمُستقبل الغامض للناس في الدولة العراقية الواحدة الحالية. وسيكون بامكان الدول الثلاثة الجديدة الجارة أن تتعاون سياسيا ًوتتكامل إقتصادياً وتتعايش إجتماعياً بصورة أفضل بكثير من التنافروالتناحروالتنازع في إطار دولة إصطناعية واحدة، مضطربة طيلة 93 عاماً، ومليئة بالقسوة والعنف والأضطهاد والتشريد والحرُمان. وستكفي ثروات وموارد الدول الثلاثة الحديثة لتحقيق رفاهية سكانها جميعاً حتماً، وستتخلَص أهاليها من الشقاق و الصراع والتفرقة السائدة قرابة قرن من الزمن. ويمكن توقع الوضع الأحسن بالتمعن في الوضع الحالي الجيد لدول سابقة مماثلة، مثل: ماليزيا و سنغافورة، أو السويد و النرويج، أو التشيك و سلوفاكيا، التي إنفصلت أو بالأحرى إستقلَت عن بعضها سلمياً و حضارياً. فمكونات دولة العراق الأساسية الثلاثة غير المُنسجمة و غير المُرتاحة مع بعضها منذ البداية، ليست باقل من الشعوب المُستقلة المذكورة، وهي تستحق الطريق الأفضل من أجل تعايش أفضل ونحو مستقبل أفضل للجميع وفي سبيل تدعيم الأمن والأستقرار وحفظ السلام في المنطقة أيضاً.