الفقراء رصيد الأوطان !!

قراءتي التاريخية المتواضعة وجدت أن أغلب الديانات السماوية الفقراء هم مادتها الأساسية ، أبو ذر الغفاري ، عمار بن ياسر ، عبد الله بن مسعود ، وغيرهم الكثير ، الأحزاب الدينية مادتها وخامتها الأساسية الفقراء ، الأحزاب العلمانية خامتها وجمهورها الفقراء ، الغريب أن الفقراء يقدمون ويقاتلون ويستشهدون ويجني الأغنياء والساسة الكبار جهد هؤلاء الفقراء ، ( من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن ) ، ( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام ) ، والأغرب من كل هذا أنك لا تجد فقيرا واحدا منح منصبا وسلطة ، أو قاد حزبا أو أصبح رئيس دولة إلا ما شذ .
الأزمة العراقية التي نعيشها منذ مطلع شهر حزيران 2014 م وجدت أن الفقراء هم من تطوع للدفاع عن الوطن ، وقلة لا تنظر من الميسورين ، سواء أصدرت المرجعيات الدينية فتواها أم لم تفتي ، تزاحم الكثير من الفقراء على أبواب التطوع كأنهم يتزاحمون على وليمة أو سفرة .
خلال تنقلي بسيارات النقل العمومية التي يستخدمها الفقراء وجدت غالبيتهم يتحدثون عن هم الوطن وما آلت أليه السياسات ، لم يفكروا بمحاسبة المقصر اليوم ، يقولون لتنتهي هذه الغمة أو الأزمة ومن ثم نجلس للحساب مع من أجج هذه الفتنة ومن أوصل البلد لهذا الانزلاق ، وبالمقابل سمعت الكثير من الأغنياء يلعنون من أوصل البلاد لهذه الكارثة ، ويقولون لماذا ندافع عن الوطن المنهوب ؟ ، ومن يستحق أن ندافع لأجله ؟ ، وسمعت شخصيا أحد الأثرياء المتخمين مالا يقول ( ماذا يريد منا داعش أو البعث أو الجيش السابق ؟ ) ، سألبي لهم ما يريدون ، يريدون مالا أعطيهم ، يريدون أبدال مذهبي أو ديني أو معتقدي أبدله وأبقى أكتم بقلبي ما أومن به ، هذا نموذج لغني ميسور وبالمقابل أأخذ مثلا آخر لفقير لا يحصل على قوت يومه بسهولة و يسر ، متزوج وله ثلاثة أولاد صغيرهم بعمر 13 سنة ، أوسطهم يدرس في جامعة بابل ، الكبير عامل بناء ، والوالد له دكان لبيع اللوازم المنزلية ( عطار ) ، صدرت فتوى المرجعية ولأني صديق له أتصل بي هل ستلبي نداء المرجعية ؟ ، قلت له لا علاقة لي بفتوى المراجع فأنا عسكري متقاعد وأجد خطورة تحيق بالبلد لذلك أنتظر القيادة العسكرية لتدعونا نحن الضباط المتقاعدون لتلبية نداء الوطن وأن كان بصفة جندي ، قال لي سأجد أين أتطوع ، وفعلا أخذ معه أولاده الكبار وسجل أسمائهم كمتطوعين للدفاع عن الوطن ، لم يتصل به أحد من القيادات الأمنية ، وسمع خبرا مفاده أن 500 متطوع سيذهبون غدا فجرا الى بعقوبة ليلتحقوا بالجبهات هناك ، أيقظ أولاده الكبار وقال لهم سوف نذهب مع المقاتلين المتطوعين ، حاولت زوجته ثنيه وقالت له أذهب أنت ودع الأولاد فالجهاد كفائي كما تفتي المراجع ، لم يلتفت لزوجته وخرج مع أولاده ليلتحقوا مع المتطوعين ، قبل صعوده للسيارات المخصصة قال لولده طالب الكلية أنت أبق لترعى العائلة وتدير دكان العطارة وأحرص على أن تلبي حاجة العائلة ، وفعلا ركب هو وولده الأكبر علما أن أسمائهم لم تكن مدرجة ضمن قوائم المتطوعين المرسلين الى بعقوبة ، اتصلت به على تلفونه النقال وقال لي وصلنا لبعقوبة وعززنا قيادة الشرطة ، ونحن الآن أنا وولدي ندافع عن بلدنا في ناحية العظيم أو على مشارفها ، أتصلت به مرة أخرى قال نحن الآن في معسكر أشرف بعد أن طهرناه ممن كان يحتله من الدواعش ، قلت له ليحفظكم الله وكل الشرفاء أمثالكم ، وخذ حذرك وأجعل أبنك بين حدقتا عينيك كما وضعت الوطن بصميم قلبك الكبير ، للإضاءة ........... فقط .