المناطق المُستقطعة من إقليم كوردستان |
(صورة ملخصة من بحث سياسي – قانوني مُنجز باللغة الألمانية في إطار التفرغ العلمي – Sabbatical Leave- في العام 2012 في جامعة إرفورت - Erfurt- بجمهورية ألمانيا الأتحادية)
إعداد: أ.م.د. آزاد عثمان كلية القانون والسياسة جامعة صلاح الدين - اربيل
المقدمة منذ تشرين الأول من العام 2005 تم الأعتراف باقليم كوردستان كاول اقليم فيدرالي في دولة العراق الأتحادية. ألاَ انه هناك مشاكل معلقة بين حكومة اقليم كوردستان وحكومة العراق الأتحادية. وتُعتبر مشكلة المناطق المُستقطعة من اقليم كوردستان – العراق والتي تُسمى ب"المناطق المُتنازع عليها" من أهم هذه المشاكل وابرزها. السؤال الرئيسي للبحث يتعلق بأسس و أبعاد هذه المُشكلة وبمستقبل تعايش المكونات القومية والدينية والمذهبية المختلفة مع بعضها في تلك المناطق المُستقطعة و "المُتنازع عليها" خاصةً وبمصير دولة العراق عامة. لماذا ومتى وكيف ظهرت وتطورت هذه المشكلة؟ أهمية البحث تكمن في توضيح الأسباب والدوافع الحقيقية لظهور المشكلة وتحديد المراحل الزمنية لنشأتها وبيان أساليب و اجراءات خلقها. أما هدف البحث فهو شرح وتحليل نتائج المشكلة السلبية لتجنب تداعياتها وبغية تسهيل حلها القانوني والدستوري. تم استخدام منهجين للبحث العلمي: الوصفي التحليلي والتاريخي الوثائقي، وقد تم تعزيزه بخرائط جغرافية و بيانات وحقائق تاريخية ورسمية عراقية واضحة و دامغة بهدفي التعميق والتوازن. مفاد فرضية البحث هو أن الحل الدستوري لهذه المشكلة المُزمنة والمعلقة هو الحل الصائب. يتألف هذا القسم من البحث من ثلاثة فصول عدا المقدمة والخاتمة. الفصل الأول يتناول بحث نشأة وتطورات "منطقة الحكم الذاتي لكردستان-العراق". في الفصل الثاني يتم شرح وتحليل أسباب وأساليب ومراحل ونتائج مشكلة المناطق المُستقطعة و المُتنازع عليها. أما الفصل الثالث والأخير فيخص دراسة أحداث و أزمات مابعد سقوط النظام البعثي البائد، كما ويتم تسليط الضوء فيه على حلول دستورية وسلمية لهذه المشكلة ومشاكل معلقة أخرى. وفي الختام يتم عرض الأستنتاجات و التوصيات التي توصلنا اليها من خلال البحث. الفصل الأول: نشأة و تطورات "منطقة الحُكم الذاتي لكوردستان - العراق" في العام 1921 أسست قوات إحتلال بريطانيا العظمى مملكة العراق من الولايات العثمانية: بغداد، البصرة و الموصل أي من "العراق العربي" و "كوردستان الجنوبية" كدولة عربية مركزية، من دون أخذ أرادة وحق الشعب الكوردي في تقرير المصير بنظر الأعتبار. عدا عن ذلك حددت قوات الأحتلال البريطاني شكل و نظام حكم الدولة الجديدة و كذلك دائرة الفئة الحاكمة فيها و نصبت عليها ملكا غير عراقيا، وفقاً لمتطلبات مصالحها الخاصة بدلاً من مراعاة مصالح أهاليها المتعددة القوميات والأديان والمذاهب في ذلك. عقب العديد من إحتجاجات و إنتفاضات الكورد وبعد إنقضاء أربعين عاماً على تاسيس مملكة العراق ومرور ثلاث سنوات على الأطاحة بالنظام الملكي عبر إنقلاب عسكري في تموز العام 1958 إندلع قتالاً عنيفاً في أيلول العام 1961 في كوردستان بين جميع صنوف القوات المسلحة لحكومة "جمهورية العراق" و فدائيي قوات الثورة الكوردية (البيشمركة)، حيث إضطر الشعب الكوردي الى ممارسة الكفاح المسلح المنظم في إطار الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة رئيسه مصطفى البارزاني تحت شعار (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان). في آذار العام 1971 توصلت الحكومة العراقية و قيادة الثورة الكوردية الى إتفاقية لحل القضية الكوردية في العراق سلمياً على أساس الحكم الذاتي لمنطقة كوردستان أو بالأحرى للمناطق التي يشكل الكورد فيها أغلبية سكانها، في ضوء إحصاء عام للسكان. إلاَ أن الحكومة العراقية أقدمت على تحديد "منطقة الحكم الذاتي" من جانب واحد، فاستبعدت من خلاله أجزاء مهمة من "منطقة الحكم الذاتي". على أثر ذلك تجدد القتال في كوردستان من جديد، إلاَ أن الحكومة العراقية فشلت هذه المرة أيضا في قمع الثورة الكوردية بالرغم من أستخدام كامل قواها العسكرية والأقتصادية والدبلوماسية وجميع أسلحتها التقليدية الفتاكة لهذا الغرض، لذلك لجأت الى الأتفاق مع النظام الشاهنشاهي الأيراني في 6 آذار من العام 1975 في مدينة الجزائر لمحاصرة الثورة الكوردية وأنهائها (بالتعاون مع النظام الأيراني) مقابل التنازل لأيران عن مياه و أراضي عراقية. إلاَ أن هذه الأتفاقية لم تُنهي لا الثورة الكوردية الى الأبد ولا النزاع الحدودي مع ايران بصورة نهائية. فلقد بدأت الثورة الكوردية في جبال كوردستان بعد مرور حوالي سنة واحدة على انتهاء ثورة أيلول من جديد، بسبب إشتداد وتيرة إضطهاد الشعب الكوردي، لأن العنف لايولد إلاَ العنف. ونشبت في صيف العام 1980 حرباً ضروساً بين العراق وايران على أثر إلغاء رئيس النظام العراقي آنذاك لأتفاقية الجزائر، إستمرَت ثماني سنوات، والحقت خسائر بشرية ومادية ضخمة بكلا البلدين. وفي العام 1988 إستخدم النظام البعثي العراقي حتى الأسلحة الكيمياوية المحرمة دولياُ، ليس فقط ضد ثوار كوردستان، بل ضد المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال العزّل أيضاً وفي مختلف مناطق كوردستان، خاصة في مدينة حلبجة بمحافظة السليمانية. وقد إرتكب النظام البعثي حينذاك واحدة من أكبر الجرائم ضد البشرية، حين أقدم على إعتقال وإبادة اكثر من 180000 من أبناء وبنات الشعب الكوردي بابشع طريقة في هجمات عسكرية همجية على سكان قرى كوردستان الأبرياء ضمن حملة عسكرية ظالمة سماها ب "الأنفال". وقد تم تدمير حوالي 4500 قرية في كوردستان خلال تلك الحقبة السوداء من تاريخ العراق الحديث. في العام 1990 قامت قوات النظام البعثي باحتلال دولة الكويت برمتها. وفي أعقاب حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت من قبل قوات تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إندلعت أنتفاضة كبرى في كل من جنوب العراق و كوردستان –العراق. إلاَ أن النظام قام بقمع الأنتفاضة – خاصة في الجنوب – باستخدام اسلحته الثقيلة المتنوعة و بطش أجهزة قمعه المتعددة. وعلى أثر الهجرة المليونية لسكان المدن الكوردستانية عبر الحدود الدولية مع تركيا وايران قامت قوات التحالف في العام 1991 بانشاء "الملاذ الآمن" في منطقة كبيرة من كوردستان – العراق لأعادة المشردين اللآجئين الى ديارهم وحمايتهم فيه. وفي العام اللآحق تم إجراء انتخابات المجلس الوطني الكوردستاني فيها بمؤازرة الحلفاء ومساندة الأمم المتحدة، أسفرت عنها تأسيس أول برلمان لأقليم كوردستان ومن ثم تم تشكيل أول حكومة للأقليم. بعد مرور 11 عاما على ذلك نشبت حرب الخليج الثالثة، فاسقط من خلالها النظام البعثي العراقي. في البداية تم تأسيس حكومة إنتقالية عراقية من القوى السياسية المعارضة للنظام السابق بمساعدة قوات التحالف. وفي نهاية العام 2005 تمت المصادقة على دستور عراقي دائم في أول استفتاء شعبي حر في تاريخ العراق المُعاصر باغلبية كبيرة. وقد تم تثبيت حل القضية الكوردية في العراق فيه، على أساس الفيدرالية في عراق جديد. وقد تمّ فيه الأعتراف باقليم كوردستان كاول اقليم فيدرالي في جمهورية العراق الأتحادية، ولكن في الأطار الجغرافي لمناطق "الملاذ الآمن" السابق. هنا تم تحديد حل مشكلة (المناطق المُستقطعة من اقليم كوردستان) كمسألة "المناطق المُتنازع عليها" وفقاً لمضمون مادتين معينتين. أما الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للأقليم فلم يتم تثبيتها هناك، ولايزال يتوقف ذلك على حل مسألة المناطق المُستقطعة من الأقليم بصورة جذرية أي حل مشكلة أستبعاد واستقطاع مناطق معينة من "منطقة الحكم الذاتي لكوردستان –العراق" بصورة قانونية ونهائية.
الفصل الثاني: مشكلة المناطق المُستقطعة والمُتنازع عليها (الأسباب، الأساليب، المراحل و النتائج) وفقاً لأتفاقية السلام في آذار العام 1970 – التي اسلف ذكرها في الفصل السابق – كان من المفروض تطبيق الحكم الذاتي في كوردستان-العراق خلال أربع سنوات، ولقد تم الأتفاق على تحديد حدود منطقة الحكم الذاتي في ضوء تعداد سكاني نزيه إستناداً الى إحصاء العام 1957. إلاَ أن الحكومة العراقية تجاهلت عملية التعداد السكاني المُتفق عليها وأقدمت على تحديد الأطار الجغرافي ل"منطقة الحكم الذاتي" عن طريق "قانون الحكم الذاتي" في العام 1974 من جانب واحد، فاستبعدت من خلاله أجزاء ستراتيجية أو غنية بالنفط من "منطقة الحكم الذاتي". بهذه الطريقة قامت حكومة البعث باستبعاد واستقطاع محافظة كركوك الغنية بالنفط برمتها منها وكذلك مناطق أخرى غنية بالنفط أو ستراتيجية مثل قضائي خانقين ومندلي في محافظة ديالى و قضائي سنجار والشيخان في محافظة نينوى. إلاّ أنّ هذه المناطق المُستبعدة من "منطقة الحكم الذاتي لكوردستان" يعتبرها الكورد استناداً الى حقائق ودلائل تاريخية وجغرافية جلية وفي ضوء نتائج الأحصاء لسنة 1957 مناطق مُستقطعة وجزءً من أراضي كوردستان الجنوبية (العراق). ويُعتبر هذا الأجراء الأنفرادي التعسفي للنظام البعثي بداية مشكلة المناطق المُستقطعة من الأطار الجغرافي لكوردستان – العراق ويمثل المرحلة الأولى منها. كانت غاية الحكومة العراقية منه هي: تقليص مساحة منطقة الحكم الذاتي لكوردستان. فلقد تم تصغيرمساحتها فعلاً من (78736 كم2) الى (37062 كم2). ويبدو واضحاً بانّ الدافع الرئيسي الثاني لأجراء الحكومة البعثية العراقية كان سلخ الأراضي الغنية بالنفط (المُستخرج آنذاك) من "منطقة الحكم الذاتي" بالذات، للحيلولة دون حدوث تطور إقتصادي متميز أي لأبقاء المنطقة معتمدة إقتصادياً على المركز لأسباب سياسية. ومن اجل تحقيق هدف الأستقطاع باسرع وقت ممكن قامت حكومة البعث بتكثيف سياسة التعريب العنصرية في هذه المناطق المُستقطعة بمختلف الأساليب المُجحفة و الوسائل المُفرقّة، خاصة بعد انهيار ثورة أيلول في آذار العام 1975 ولغاية إسقاطها عبر حرب الخليج الثالثة في نيسان العام 2003. في العام 1975 قام النظام البعثي العراقي بتغيير التركيبين الأداري (الجغرافي) والسكاني (الديموغرافي) لمحافظة كركوك بصورة قسرية وسافرة. حيث أراد بذلك تجزأة وتقسيم وتصغير المحافظة بسبب كون غالبية سكانها من الكورد، وبهدف تغيير هذا الواقع بالذات. فلقد قرّر النظام في المرسوم الجمهوري المرقم (608) في 6/11/1975 فصل أو بالأحرى إستقطاع قضائي جمجمال وكلار من محافظة كركوك والحاقهما بمحافظة السليمانية. وقد سبب هذا الأجراء في تقليل نسبة السكان الكورد في الجزء المُتبقي من محافظة كركوك بدرجة كبيرة جداً، لأن جميع سكان هاذين القضائين هم – وطبقاً لأحصاء العام 1957 أيضاً – من الكورد. وبموجب نفس المرسوم تم استقطاع قضاء كفري من محافظة كركوك والحاقه بمحافظة ديالى، وكانت نسبة السكان الكورد في هذا القضاء وفقاً لأحصاء العام 1957(53,7 %). بعد فترة قصيرة على ذلك قام النظام البعثي بموجب المرسوم الجمهوري المرقم (41) في 21/01/1976 باستقطاع قضاء طوزخورماتو من محافظة كركوك و ضمه الى محافظة صلاح الدين (تكريت)، اللتي إستحدثها بموجب نفس المرسوم الجمهوري المذكور. وكانت نسبة السكان الكورد في هذا القضاء طبقاً لنتائج إحصاء العام 1957 (54,7 %). فبسبب إستقطاع الأقضية الأربعة المذكورة من محافظة كركوك تم تصغير مساحة المحافظة من (20355)كم2 الى (9426) كم2، وبذلك تم سلخ نصف أراضيها وضمها مع سكانها الى محافظات مجاورة لتحقيق الغاية التي تم توضيحها. وبهذه الوسيلة تم بالدرجة الأولى تقليل نسبة السكان الكورد – وبالدرجة الثانية نسبة السكان التركمان أيضاً، بينما تمت زيادة نسبة السكان العرب بشكل واضح. فلقد انخفضت نسبة السكان الكورد من (48,3%) وفقاً لأحصاء العام 1957 الى (37,6%) في إحصاء العام 1977، كما وانخفضت نسبة السكان التركمان من (21,4%) في إحصاء العام 1957 الى (16,3%) وفقاً لأحصاء العام 1977، بينما إزدادت نسبة السكان العرب من (28,2%) وفقاً لأحصاء العام 1957 الى (44,4%) في إحصاء العام 1977. هنا ومن فحوى مراسيم النظام ومن نتائج الأجراءات والأساليب التي استخدمها تتضح نية النظام البعثي بجلاء، فهي تعني تعريب محافظة كركوك المصغرة واستبعادها من "منطقة الحكم الذاتي" نهائياً. وبهذه الطريقة بدأت المرحلة الثانية من إستقطاع المناطق الكوردستانية (أي مناطق معينة من المحافظات ذات الأغلبية السكانية الكوردية)، وذلك بقصد إستبعادها من ما كانت تسمى بمنطقة الحكم الذاتي لكوردستان – العراق. وفي هذه الفترة الزمنية أي في هذه المرحلة (الثانية) تم إستقطاع ناحية المزوري (أتروش) من محافظة دهوك وتم الحاقها بمحافظة نينوى بموجب المرسوم الجمهوري المرقم (118) في 08/03/1976 وبهذا تم تقليل مساحة محافظة دهوك وتبعاً لذلك تم تقليص الأطار الجغرافي ل"منطقة الحكم الذاتي" مرة أخرى. عقب إستفتاء صوري وبموجب المرسوم الجمهوري المرقم (757) في 18/05/1980 أقدم النظام البعثي على أستقطاع قضاء عقرة من محافظة دهوك وضمه الى محافطة نينوى، وبذلك تم تصغير مساحة المحافظة المذكورة للمرة الثانية ومعها مساحة "منطقة الحكم الذاتي لكوردستان – العراق" للمرة الثالثة، وبهذا بدأت المرحلة الثالثة من مشكلة إستقطاع المناطق أو الأراضي مع سكانها من "منطقة الحكم الذاتي" أو بالأحرى من محافظات ذات أغلبية سكانية كوردية. وختاماً تم فصل قضاء مخمور من محافظة أربيل وإستبعاده من مناطق "الملاذ الآمن" الذي أنشأته قوات الحلفاء في ربيع العام 1991، ومن ثم تمّ أستقطاعه رسمياً (ولكن من دون مرسوم جمهوري) من محافظة أربيل في العام 1996 والحاقه بمحافظة نينوى، وهذا الأجراء يُمّثل المرحلة الرابعة والأخيرة من مشكلة المناطق المستقطعة، ولكن هذه المرة من إقليم كوردستان – العراق، الذي تم إعلانه عقب انتخابات المجلس الوطني لكوردستان – العراق وتشكيل حكومته قبل أربع سنوات من ذلك. يمكن إعتبارالمناطق المُستقطعة من "منطقة الحكم الذاتي لكوردستان – العراق" في المراحل الثلاثة الأولى، مناطق مُتنازع عليها، ولكن بين النظام البعثي المُستبد والشعب الكوردي المًظطهد. إلاّ أنّ قضاء مخمور المُستقطع في المرحلة الرابعة لم يُعتبر – حتى في مفاوضات السلام بين وفد الجبهة الكوردستانية و حكومة البعث في العام 1991 – من المناطق المُتنازع عليها بين الطرفين. بالرغم من ذلك فهو لحد الآن – شباط 2013 – رسمياً وعلى خرائط محافطة نينوى ودولة العراق الأدارية يتبع محافظة نينوى، ولكنه واقعياً يتبع إقليم كوردستان ويتم إدارته وحمايته فعلاً من قبل سلطات حكومة الأقليم. الفصل الثالث: أحداث وأزمات مابعد سقوط النظام البعثي العراقي إشترك المقاتلون (البيشمركة) الكورد بصورة فعّالة في الجبهة الشمالية من حرب الخليج الثالثة أو بالأحرى "عملية تحرير العراق" التي نفّذتها قوات التحالف الدولي في 20 آذار 2003، فتمّ إسقاط النظام البعثي من خلالها. وقد عبرت قوات (بيشمركة) كوردستان خطوط وقف إطلاق النار القائمة بينها وبين قوات جيش النظام العراقي، وساهمت في تحرير المناطق المُستقطعة من محافظات كوردستانية من تسلط وسيطرة النظام البعثي العراقي عليها. وقد إستقّر قسم من هذه القوات في تلك المناطق وشارك في حماية أرواح وأمن وممتلكات المواطنين جميعاً بغض النظر عن القومية والدين والمذهب، وذلك من جرائم وشرّ تحالف إرهابي نشأ بين جماعات مسلحة تابعة لتنظيم "القاعدة" الأرهابي و بقايا مؤيدي النظام البعثي البائد، حيث أخذ ينشر الموت والدمار في هذه المناطق خاصةً وفي العراق عامة، بمختلف الوسائل الهمجية، مثل: السيارات المفخخة والأحزمة والعبوات الناسفة، بحجة مقاومة الأحتلال الأجنبي. هذا الأرهاب القائم لحد الآن يُمثّل حقيقةً أسوأ وأخطر ردفعل للمتعصبين المحسوبين على الأسلام و الأتباع المتضررين للنظام البعثي المُنهار ضد أهالي العراق المنكوبين طيلة ثلاثة عقود بإستبداد النظام السابق وحروبه المتعددة. من الجدير بالذكر بانه بعد سقوط النظام البعثي العراقي عاد الآلاف من المُهجّرين والمُبعدين من داخل وخارج العراق، خاصة من أهالي المناطق الكوردستانية المُستقطعة، الى ديارهم أي الى مدنهم وقراهم الأصلية. وكان أحد أهم الأحداث بعد زوال النظام البائد هو إعادة تشكيل أو بالأحرى إعادة إعمار ثلاث نواحي كوردية وناحية تركمانية كان النظام البعثي ألغاها في مركز محافظة كركوك (المُصغرّة) وهي: قره هنجير، قره حسن، شوان و يايجي. وكذلك تمت إعادة إعمار عشرات القرى الكوردية المهّدمة في محافظات كركوك ونينوى وديالى، ومنذ ذلك الوقت تتم إدارة معظم المناطق المُستقطعة والمُتنازع عليها (سابقاً مع النظام البعثي) مثل: أقضية خانقين و مخمور وشيخان وسنجار وناحية زمار من قبل أبناء تلك المناطق وكامتداد لأدرارة إقليم كوردستان. وقد صدر بعد عام من سقوط النظام البعثي، في الثامن من آذار 2004، "قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الأنتقالية" كدستور مؤقت أو بالأحرى خارطة طريق لبناء عراق ديمقراطي وفيدرالي، فأُعتُبر ذلك تطوراً مهماً على طريق ضمان التعايش السلمي بين إثنيات المجتمع العراقي المتعددة. وأرسى هذا القانون أسس حل مشكلة المناطق المُستقطعة من إقليم كوردستان (من قبل النظام البعثي) ومسألة "المناطق المُتنازع عليها" ضمن إطار مادتين: الفقرة (أ من المادة 53) التي تعالج مشكلة قسم من المناطق المُستقطعة من إقليم كوردستان مثل: قضاء عقرة، ناحية أتروش، الجزء الأكبر من قضاء كفري وجزء من قضاء شيخان، وهي تُدار فعلاً من قبل حكومة اقليم كوردستان ولكن على الخارطة الأدارية للعراق لازالت تبدوا مُلحقة بمحافظتي نينوى و ديالى، وكذلك المادة 58 من قانون ادارة الدولة التي أصبحت فيمابعد أساساً للمادة 140 من الدستور العراقي - الذي يُعتبر بدوره مكسباً مهما لغالبية أهالي العراق التي تبَنتها في أول أستفتاء حر في تاريخ العراق المُعاصر. وكان من المفروض تنفيذ هذه المادة الدستورية الحيوية كحل قانوني وسلمي لمسألة بقية المناطق المُستقطعة أو "المُتنازع عليها" من قبل الحكومات العراقية الجديدة بثلاث مراحل (التطبيع، الأحصاء والأستفتاء) لغاية نهاية العام 2007، إلاَ أنه لم يتم الأنتهاء من تنفيذها لحد الآن، بسبب وجود عراقيل و معوقات معينة على طريق تنفيذها، والتي لابد من معالجتها بحكمة وتأني لضمان تحقيق الحل الدستوري الصائب وبغية تأمين سير العملية السياسية نحو بناء العراق الجديد بالأسلوب الصحيح. كما ويُمكن حل مسألة محافظة كركوك المجزأة و المُصغّرة قانونياً وسلمياً عن طريق تطبيق قانون الأجراءات الخاصة بتنفيذ الأقاليم رقم (13) لسنة 2008 أيضاً. في العام 2008 ظهرت مشاكل في مناطق مُستقطعة و "متنازع عليها" من جديد، أي في محافظة كركوك (المصّغرة) وفي الناحيتين المُستقطعتين من قضاء كفري: جباره و قرةتبة وفي ناحية السعدية التابعة لقضاء خانقين، ولكن هذه المرة تمّت إثارتها من قبل رئاسة حكومة العراق الجديد. في آب 2008 دخلت قوات من الجيش العراقي الجديد بصورة مفاجئة الى النواحي المذكورة والتابعة الآن لقضاء خانقين وأجبرت قوات (البيشمركة) المتواجدة هناك منذ تحريرها من تسلط النظام البائد تحت تهديد القتال باستخدام الأسلحة الثقيلة – وضغظ قوات أمريكية مرافقة لها - لترك تلك المناطق، بالرغم من مساهمتها الفعّالة طيلة هذه المدة في حماية أرواح وأمن جميع سكانها المتعددة القوميات بمكافحة الأرهاب والجريمة. وفقاً لوجهة نظر الكورد قامت الحكومة العراقية الجديدة بهذا الأجراء بإعادة إستقطاع هذه المناطق المحررة من تسلط النظام البعثي، وكادت العملية و الأوضاع المُتشنجة الناجمة عنها تؤدي الى نشوب معركة دامية بين قوات الطرفين. بعد مرور شهرين على ذلك الأجراء المُستفز أرسل رئيس الحكومة العراقية قوات الفرقة الثانية عشرة من الجيش العراقي الى محافظة كركوك المُستقطعة و"المُتنازع عليها". وقد أثار الأجراءان المذكوران غضب الشعب الكوردي و احتجاج حكومة اقليم كوردستان. علماً بانّ رئيس الحكومة الأتحادية العراقية لم يتباحث أو ينّسق بهذين الشأنين لا مع إدارات تلك النواحي المذكورة أو مع الحكومة المحلية لمحافظة كركوك ولا مع حكومة اقليم كوردستان، بالرغم من أنّ السبب الأساسي لمشكلة هذه المناطق معروفة لديه جيدا، ومع كون هذه المناطق دستورياُ "مناطق مُتنازع عليها" ومسألتها لم تُحسم بعد نهائياً. في الحقيقة حتى طبقاً للقانون الدولي يجوز حماية الأمن والأستقرار في المناطق المُتنازع عليها من قبل قوات مشتركة لطرفي النزاع لضمان إطمأنان جميع السكان (بمختلف القوميات) وبغية تحيق أكبر قدر ممكن من الثقة المُتبادلة والتفاهم والتعاون المُشتركين بين القوات المُسلحة التابعة للطرفين عن طريق العمل المشترك بينهما و الخدمة المُشتركة لهما. فالثقة المُتبادلة بين قوات الطرفين من جهة وبين الأثنيات المُختلفة في تلك المناطق ضرورية جداً للحيلولة دون إستفحال المشاكل وبغية تسهيل تنفيذ الحلول الدستورية المُتفق عليها ومن أجل إنجاح العملية السياسية لبناء العراق الجديد المنشود. بعد فترة وجيزة من وقوع الحدثين إتفق الطرفان أي ممثلي الحكومة الأتحادية و حكومة اقليم كوردستان على تواجد قوات مشتركة للطرفين في محافظة كركوك وعلى صيغة للتعاون مع قوات الشرطة المحلية لحماية أرواح وممتلكات المواطنين ومؤسسات ودوائر الدولة وضمان الأمن والإستقرار فيها معاً وفي إطار قوة مشتركة باسم "قوة الأسد الذهبي". مشكلة أخرى معلقة بين حكومة إقليم كوردستان و الحكومة الأتحادية العراقية هي مشكلة عقود و استخراج النفط في مناطق الأقليم، بعضها يخص مناطق مُستقطعة من الأقليم ومتنازع عليها (أصلاً بين الشعب الكوردي والنظام البعثي البائد). الحل الجذري لهذه المشكلة يتوقف على حل مشكلة المناطق المُستقطعة و"المتنازع عليها"، وعلى تشريع قانون النفط والغاز من قبل مجلس النواب العراقي. إلاّ أنّ المشكلتين معلقتان لحد الآن والقانون المذكور لايزال ينتظر التشريع. على كل حال يجب بذل جهود كبيرة ومساعي حثيثة من أجل حل جميع المشاكل المُعلّقة بين الحكومتين (الأتحادية والأقليمية) دستورياً وسلمياً. فوفقاً للمادة (111) من الدستور العراقي تعود واردات النفط والغاز من جميع أنحاء العراق الى أهالي العراق عامةً أو بالأحرى خزينة الدولة الأتحادية، لأنّها تنّص على أنّ النفط والغاز هما مُلك الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافطات. وطبقاً للمادة (112) يستوجب إنتاج النفط والغاز من الحقول القديمة إدارة مشتركة من الحكومة الأتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المُنتجة. أما الأنتاج الجديد للنفط والغاز فيستوجب التنسيق بين الحكومة الأتحادية وحكومات الأقاليم أو المحافظات والقيام برسم السياسات الأستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بصورة مشتركة وبما يحقق اعلى منفعة للشعب العراقي. إنّ تعقيد أية مشكلة يُحَولها الى أزمة، وكل أزمة يجب معالجتها بالأسلوب المناسب وفي الوقت المناسب أي عن طريق الحوار الحضاري وفي ضوء إدارة النزاعات بصورة عقلانية، وإلاّ ستتحّول الأزمة الى كارثة. الخاتمة إستبعد النظام البعثي العراقي مناطق مُعّينة من النطاق الجغرافي ل"منطقة الحكم الذاتي" في العام 1974 وإستقطعها من إطار "الملاذ الآمن" في العام 1991 بصورة قسرية وتدريجية وفي أربعة مراحل زمنية محددة. وقد تمَ حل جزء من هذه المًشكلة في العراق الجديد – بعد سقوط النظام البعثي - عبر الفقرة (أ) من المادة (53) من قانون ادارة الدولة العراقية للفترة الأنتقالية، التي أصبحت جزءً المادة (143) من الدستور العراقي. هذا يستوجب تصحيح الخرائط الأدارية لجمهورية العراق وللمحافطات الثلاثة المعنية بالأمر: نينوى، دهوك والسليمانية. ويمكن حل الجزء الآخر من المشكلة أي مسألة المناطق المُستقطعة الأخرى و "المُتنازع عليها" أو بالأحرى مسألة تصحيح الحدود الأدارية المُغيّرة للمحافظات من قبل النظام البائد لأسباب سياسية بتنفيذ الفقرة (ب) من المادة (58) من القانون المذكور، التي أصبحت أساساً للمادة (140) من الدستور العراقي وأيضاً جزءً من المادة (143) منه. في الواقع تُعتبر المادة (140) حلاً قانونياً وسلمياً وسطاً واساساً دستورياً صائباَ لهذه المشكلة المزمنة التي لابد من حلها بصورة عقلانية، والاّ ستتعثر مسيرة تحويل العراق الى دولة فيدرالية و ستتعرض العملية السياسية ومعها مستقبل دولة العراق ومصير أهاليها الى خطر داهم ونتائج وخيمة. أما مشكلة عقود وانتاج النفط عامة وفي المناطق المُستقطعة و"المُتنازع عليها" خاصةً فيُستحسن حلها أما باصدار قانون النفط والغاز المُنتظر منذ عدة سنوات من قبل مجلس النواب العراقي أو باللجوء الى المحكمة الأتحادية العليا، باعتبارها المرجع القضائي الأعلى في العراق والجهة المُختصة الوحيدة بتفسير مواد الدستور العراقي وفض النزاعات بين الحكومة الأتحادية وحكومات الأقاليم. أما مسألة حفظ الأمن والأستقرار في المناظق المُستقطعة من اقليم كوردستان و المُتنازع عليها فيجب حلها بنفس الطريقة المعمولة بها سابقا في محافظة كركوك، أي بواسطة قوات مشتركة من الجيش العراقي و حرس الأقيم (البيشمركة) والشرطة والأمن المحليتين، لأن طبيعة وظروف تلك المناطق تتطلب ذلك على الأقل لغاية حسم المشكلة قانونياً ونهائياً. إنّ إضطهاد الشعب الكوردي في العراق لعشرات السنين من جهة و وقلق الحكومة الأتحادية أو بالأحرى القوى السياسية العربية الفعّالة من إنفصال أو بالأحرى إستقلال إقليم كوردستان من جهة أخرى أدّيا الى فقدان الثقة بين الأطراف المعنية. لذلك يستوجب بناء الثقة المتبادلة اللازمة للتعايش والحكم المشتركين في دولة مشتركة فعلاً، جهودا جبّارة من النخب السياسية لجميع مكونات المجتمع العراقي، خاصةً الأساسية منها، بالأستناد الى الدستور المشترك وفي ضوء المصالح العليا للوطن المُشترك و بتامين حقوق جميع أهاليها وضمانة الأمم المتحدة لها. وختاماً فانَ فرضية البحث ستتحقق، إذا نجحت العملية السياسية لبناء عراق ديمقراطي فيدرالي، فهذا هو الأحتمال الوحيد لبقاء العراق دولة واحدة أو بالأحرى الشرط الأساسي للتعايش السلمي لمكونات المجتمع الأساسية: العرب الشيعة، العرب السنّة والكورد، لأنه لايُمكن إعادة عقارب الساعة الى الوراء، أي العودة الى دولة مركزية تُحكم من قبل مجموعة معينة تنتمي لمكّون واحد أو في ظل نظام الحزب الواحد أو بتسلّط دكتاتور آخر. المصادر German and English References مصادر ألمانية و انجليزية
Books 1- Ahmad, Kamal Madhar: Kurdistan during the First World War, (translated from Arabic by Ali Maher Ibrahim), Saqi Books, London 1994. 2- Chaliand, Gérard (Hrsg.): Kurdistan und die Kurden. Bd. 1. (GfbV), Göttingen / Wien, 1984. 3- Deschner, Günter: Saladins Söhne: Die Kurden – das betrogene Volk: Droemersche Verlagsanstalt, München, 1983. 4- Ibrahim, Ferhad: Die kurdische Nationalbewegung im Irak – Eine Fallstudie zur Problematik ethnischer Konflikte in der Dritten Welt: Klaus Schwarz Verlag, Berlin, 1983. 5- Lerch, Wolfgang Günter: Kein Frieden für Allahs Völker. Die Kriege am Golf – Geschichte, Gestalten, Folgen: Fischer Verlag, Frankfurt am Main, 1992 6- Leukefeld, Karin: „Solange noch ein Weg ist …” – Die Kurden zwischen Verfolgung und Widerstand: Verlag: Die Werkstatt, Göttingen 1996. 7- McDowall, David: A modern History of the Kurds: I.B.Tauris, London. New York 1997. 8- Timmermann, Kenneth R.: Öl ins Feuer – Internationale Waffengeschäfte im Golfkrieg (deutsche Übertragung aus dem Englischen – von Dietlind Kaiser): Orell Füssli Verlag, Zürich . Wiesbaden, 1988. 9- Human Rights Watch / Middle East: Iraq’s Crime of Genocide – The Anfal Campaign against the Kurds: Human Rights Watch Books, Yale University Press, New Haven and London, 1995. Contributions / Articles 10- Dingley, James: Kurdistan zwischen Autonomie und Selbstverantwortung, in der Zeitschrift: Aus Politik und Zeitgeschichte (APuZ), 9/2011. (Beitrag) 11- Harms, Sören: Branchenreport Energie - Teil 1 / 30.08.2010 (Artikel) > http://www.wp-irak.de/index.php/component/content/article/448?start=2. 12- Ibrahim, Ferhad: Droht eine Zerstörung der ethnischen und religiösen Vielfalt im Irak? in: (APuZ), 9 / 2011, Berlin. (Beitrag) 13- Mlodoch, Karin: Zwischen individueller Verarbeitung und gesamtgesellschaftlicher Versöhnung: Vergangenheitsbewältigung im Irak, in: (APuZ), 9 / 2011, Berlin. (Beitrag) 14- Vanly, Ismet Sherif: Kurdistan im Irak, in: Chaliand, Gérard (Hrsg.), 1984. (Beitrag) Reports 15- medico international (mi): Die Linien eines Völkermordes, medico report 10: Frankfurt am Main 1990 16- International Crisis Group: Iraq And The Kurds: Trouble Along The Trigger Line, Middle East Report N°88 – 8 July 2009. 17- International Crisis Group: Iraq and the Kurds: Trouble Along the Trigger Line, Middle East Report N°88 – 8 July 2009.
|