في مستنقع السياسة العراقية، الكثير من الشوائب والاشنات والبكتريا والجراثيم، فمياهه راكدة، بل فاسدة، رغم وجود العديد من المنافذ والقنوات الصالحة لتزويده بالمياه الصافية، لكن السابحين فيه يصعب عليهم السباحة في مثل هذه المياه، ويبدو أنهم غير قادرين لحد الآن على فتح هذه القنوات، او الإبحار صوب المياه الصافية، وإنقاذ العراق من طوفان "داعش" والمنظمات الإرهابية الأخرى، التي وجدت في هذا المستنقع ضالتها، فتمددت، وأصبحت غولا يهدد الأخضر واليابس، ويجعل البلد كله رهينة لهذا الوباء الذي لا ينفع معه علاج سوى الاستئصال والاقتلاع من الجذور. الغريب في أمر العديد من الساسة العراقيين، أنهم لا يدركون كفاية، بأن الجميع سيكون خاسرا، اذا انتصرت هذه الحثالة القادمة من كهوف التاريخ الأكثر ظلاما، وأن زورقهم مهدد بالغرق في لجة مياه البغضاء والكراهية والحقد على كل ما يمت للحياة بصلة، وان الجميع مرتدون في نظر هؤلاء الأوباش، وعلاجهم الوحيد حد السيف، ولن تنفع في شيء مغازلتهم، او النأي بالنفس اتقاء لشرهم، فمتى يستعيد هؤلاء الساسة "الكرام" هذه البديهية، وبالتالي وعيهم الذي تسرب في شقوق الطائفية القاتلة؟ إنها اللحظة المناسبة، بل المصيرية، التي تحتم مراجعة الذات، والتخلص من الأدران التي علقت بها طوال السنوات الماضية، فالوطن في خطر حقيقي، والشعب يتعرض لإبادة جماعية، وتمتهن كرامته، ويتعرض لإذلال لم يمر به على الإطلاق. إن الفكر المتعفن الذي تلبس هؤلاء الداعشيين وحلفاءهم من بقايا البعث وغيرهم، وامتلك عقولهم المريضة، إن كانت لهم عقول أصلا، لن يكتب له النجاح أبدا، لأنه ضد الحياة ونواميسها، ويتقاطع كليا مع تطلعات الشعوب في العيش بحرية وكرامة وسعادة، ولا يستطيع بأية حال من الأحوال ان يلغي منجزات العلم، وأفكار الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي تسود العالم اليوم، مهما كانت قوة حاملي هذا الفكر الظلامي، ومهما كان حجم الدعم لهم هائلاً من الدول والمنظمات الشريرة التي لا تريد بالعراق خيرا، فلا مستقبل لـ"داعش" ولا لغيرها من المنظمات الإرهابية المجرمة. إنها حالة مؤقتة، وفترة حالكة في تاريخ العراق والمنطقة، وبإمكان ذوي الشأن من القوى السياسية العراقية المتنفذة، وفي مقدمتها الحكومة، الإسراع برحيل هذا الكابوس، وتطهير عراقنا من دنسه، عبر التخلي عن الطائفية السياسية والمحاصصة المقيتة، نهجا وخطابا وممارسة، وجعل العراق شعبا ووطنا، هاجسا يوميا لكل سياسي، لا يفكر إلا فيه، ولا يعمل إلا من أجله، ولا يتحرك إلا في سبيل وحدة الصف الوطني، ونبذ الخلافات والصراعات العبثية والإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية، لها برنامج واضح، ونظام داخلي وسقف زمني محدد، حكومة لا تستثني أحدا من الحريصين على إصلاح العملية السياسية والمؤمنين حقا بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وساعتها لن يكون لـ"داعش" ومن على شاكلتها موطئ قدم في عراقنا العزيز.
|